بغداد الأسوأ من حيث المعيشة بين أهم 221 مدينة في العالم

مجلس المحافظة لـ «الشرق الأوسط»: سياسة المركز لم تتح لنا عمل شيء لها

فوضى في شارع الرشيد الذي يعتبر من أعرق وأهم شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

لم تتم شهرزاد حكايتها بعد. سيف شهريار لا يزال مسلطا عليها لولا الصباح الذي تدركه منذ «ألف ليلة وليلة» ليتم تصنيفها في عداد الأرامل أو الشهيدات ممن يبحثن عن لقمة العيش عند أعتاب دوائر الرعاية الاجتماعية. ولا يزال شاعرنا العباسي علي بن الجهم المفتون بـ«عيون المها بين الرصافة والجسر» يقف باحثا عن «الشوق القديم» قبل بدء حملة الإعمار الثانية لبغداد في غضون عقدين من الزمن.

كانت الحملة الأولى بدأت بعد عام 1991 عندما حطمت جيوش الحلفاء كل شيء في بغداد ليرفع حكامها آنذاك شعارهم المعروف «يعمر الأخيار ما يهدمه الأشرار»، بينما بدأت الحملة الثانية بعد عام 2003 عندما نقلت الولايات المتحدة الأميركية مع جيوشها الجرارة أكثر من 23 مليار دولار في عملية صنفت على أنها أكبر جسر جوي لنقل أموال عبر التاريخ. وعندما استيقظ العراقيون وفي مقدمتهم البغداديون أو «البغادة» كما هو تصنيفهم المجتمعي المعروف من أحلام يقظتهم اكتشفوا أن الجميع «تبغددوا عليهم» ولم يكن أحد منهم من بغداد. الأموال تبخرت مثل الأحلام تماما ولا يزال البحث جاريا عن 40 مليار دولار من أموال النفط والغذاء وحملات الإعمار والمانحين دون جدوى.

وبعد تسع سنوات من الحملات والحملات المضادة الإعلامية والسياسية وغيرها، تعلن مجموعة «ميرسر» العالمية أن بغداد تحتل المرتبة الأخيرة في مسح أجرته مجموعة الاستشارات العالمية أخيرا حول جودة المعيشة في 221 مدينة رئيسية حول العالم احتلت فيينا المرتبة الأولى فيها. نتائج المسح أظهرت أن بغداد هي الأخطر على سلامة الفرد خلال عام 2011.

وفي حين بدت الاتهامات شبه جاهزة لأمانة بغداد أو مجلس محافظتها، فإن المجموعة الاستشارية أعلنت أن الاضطراب السياسي وضعف تطبيق القانون واستهداف المدنيين جعلت من بغداد أسوأ مكان للعيش في العالم.

وتغطي المعايير التي اعتمدتها المجموعة البالغة 39 معيارا قضايا رئيسية تبدو كلها مفقودة في بغداد؛ منها الأمن والمناخ وحركة المرور والمدارس والأنشطة الترفيهية والاستقرار الداخلي، وكذلك عوامل اقتصادية. وزارة التخطيط العراقية لم تذهب بعيدا. فطبقا لنتائج المسح الذي أجرته شبكة «معرفة العراق» بالتعاون مع الوزارة، أظهرت نتائج ليست إيجابية تماما. وظهر من المسح أن البطالة تنتشر بنسبة تصل إلى 23% أكثر مما هي عليه لبقية السكان، بينما تصل نسبة البطالة بين الشابات إلى 38%. وكشفت النتائج سوء توزيع مواد البطاقة التموينية، وبينت أن 80% من الأسر تسلمت مادة واحدة في الأقل، في حين تسلمت 64% من الأسر مادتين على الأقل، و25% تسلمت ما لا يقل عن 3 مواد. وأظهرت النتائج انتشار الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية؛ فوصلت الرشوة إلى 11.6%، وأن 45% من الذين يقومون بتقديم الرشوة يقدمونها لمرة واحدة، في حين يقوم أكثر من النصف بتقديمها أكثر من مرة.

وكانت أعلى المحافظات تعاطيا للرشوة بغداد التي وصل معدل انتشار الرشوة فيها إلى 29%. أصابع الاتهام تتجه في حالات من هذا النوع إلى من يتولى إدارة بغداد سواء على مستوى الحكم المحلي أو الجانب البلدي. وفي هذا الصدد، أكد عضو مجلس محافظة بغداد ورئيس لجنة السياحة والآثار في المجلس عصام العبيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «نتيجة هذا التصنيف لبغداد لم تشكل مفاجأة لنا كمجلس محافظة فهو نتيجة طبيعية لسوء التخطيط خلال السنوات السابقة» مشيرا إلى أن «مجلس المحافظة لا يتحمل الجزء الأكبر مما حصل؛ حيث إنه بسبب هيمنة المركز، واختلاف المعايير في البلاد، فضلا عن عدم وجود أهمية للتخطيط الاستراتيجي، جعلتنا كمجلس محافظة عديمي القدرة على القيام بأي شيء يمكن أن يخدم بغداد». وأوضح أن «المناخات التي نعمل فيها، لا سيما على صعيد تهميش الحكومات المحلية من قبل الحكومة المركزية، تجعل من الصعوبة العمل بأي اتجاه حقيقي».

أما المستشار الإعلامي لأمانة بغداد أمير علي الحسون، فقد أكد في تصريح مماثل لـ«الشرق الأوسط» أن «المسألة هنا تتعلق باختلاف المعايير، وبالتالي، فإن هذا التصنيف لا يتعلق بالجانب البلدي؛ وإنما بجوانب أخرى عديدة وذات أهمية بالغة؛ يأتي الجانب البلدي فيها في مرحلة متأخرة من حيث تصنيف هذه المجموعة». وأضاف الحسون أنه «لو كان المعيار الذي اعتمدته المجموعة بلديا فقط؛ فإن بغداد شهدت خلال السنوات الأخيرة أكبر حملة إعمار للبنى التحتية لم تحصل منذ عقود، ومن أبرز هذه المشاريع مشروع ماء الرصافة العملاق وتوسعة شرق دجلة وتجديد شبكات الماء الصافي عبر أربعة خطوط رئيسية في جانبي الكرخ والرصافة ومشروع تدوير النفايات وغيرها».