وزير خارجية الجزائر من باريس: لا انتقال للسلطة في سوريا خارج الحوار بين النظام والمعارضة

مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط» : تصريحات الأسد للتلفزيون الأميركي «سريالية»

مراد مدلسي
TT

احتل الملف السوري، إلى جانب العلاقات الثنائية والحرب على الإرهاب في بلدان الساحل الأفريقي، حيزا كبيرا من المحادثات التي أجراها وزير خارجية الجزائر في باريس أمس، خصوصا مع نظيره ألان جوبيه، وخلال جلسة الاستماع مع لجنة الشؤون الخارجية.

واستفادت باريس من وجود الوزير مراد مدلسي لتقوم معه ما آلت إليه المبادرة العربية في سوريا بسبب عضوية الجزائر في اللجنة الوزارية العربية ولموقفها «المتمايز» نوعا ما والذي عبر عنه مدلسي شخصيا أكثر من مرة. وبالمقابل، فإن الوزير الجزائري تعرف على الاتصالات الدولية الجارية بشأن الملف السوري قبل يوم واحد من القمة الأوروبية في بروكسل التي من المنتظر أن تصدر بيانا في هذا الخصوص وبعد القرارات الأخيرة لوزراء الخارجية الأوروبيين وتوافقهم على فرض سلة عقوبات مالية واقتصادية جديدة على سوريا.

وفي كلامه للنواب الفرنسيين، أسمع مدلسي «موسيقى مختلفة» نوعا ما عن الأجواء الفرنسية أو عن تلك التي يدعو إليها المجلس الوطني السوري والتي تصب كلها في خانة إزاحة النظام القائم وتنحي الرئيس الأسد عن السلطة، وطالب الوزير الجزائري بـ«إعطاء المبادرة العربية الفرصة الكاملة» من أجل إيجاد مخرج للأزمة السورية التي وصفها بأنها في مرحلة «ما قبل الحرب الأهلية».

غير أن الرسالة الأهم التي حملها مدلسي الذي أعرب عن «القلق البالغ» للدول العربية إزاء مسار الأحداث في سوريا، هي في دعوته إلى الحوار بين السلطة والمعارضة «لأنه خارج هذا الحوار لن يحصل الانتقال (في السلطة) ومن أجل تفادي الحرب الأهلية»، مضيفا أن الجامعة العربية «في وضع تمارس فيه ضغوطا من جهة على الحكومة السورية ومن جهة أخرى على المعارضة لتهيئة ظروف الحوار». وعبر الوزير الجزائري عن تحفظه إزاء الصورة التي تنقلها الوسائل الإعلامية عما يجري ميدانيا في سوريا وهو ما يكرره النظام السوري منذ البداية، إذ أكد أن الأخبار الواردة من سوريا «لا تتصف دائما بالموضوعية» ولذا فإنه شدد على الحاجة لإرسال اللجان العربية إلى داخل سوريا «لتنقل لنا الصورة ولنستطيع أن نتحرك بموجبها». وفي أي حال، تدعو الجزائر إلى بذل كل الجهود الممكنة من أجل تفادي تحويل الصراع في سوريا إلى «صراع دولي» في إشارة إلى ما حصل في ليبيا حيث أفضى تدخل الحلف الأطلسي العسكري إلى إسقاط نظام العقيد القذافي وإلى قتله.

وراهنت سوريا في الأسابيع الماضية على تحفظ الجزائر على قرارات الجامعة العربية ومنها تجميد عضويتها في الجامعة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية عليها. وقال مدلسي في رد على أسئلة الصحافة بعد اجتماعه بجوبيه في وزارة الخارجية إن الجزائر «لم تعد تكتفي بإدانة ما يجري في سوريا وهي اليوم تخطت هذه المرحلة» حيث إنها «تعمل على دفع المبادرة العربية إلى الأمام». وهذه المبادرة «تهدف إلى وقف العنف وبدء حوار بين السوريين أنفسهم لأن تقرير مصيرهم رهن أيديهم».

وقالت مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس تعليقا على كلام الرئيس السوري بشار الأسد لقناة تلفزيونية أميركية حول انتفاء مسؤوليته عن أعمال العنف في سوريا إن هذا الكلام «يبدو سرياليا». ورأت هذه الأوساط أن عقدة العقد التي تعيق التقدم في الملف السوري ما زالت تتمثل في مجلس الأمن وعجزه عن إصدار قرار يتناسب مع خطورة الوضع السوري. وبدت المصادر الفرنسية «متحفظة» إزاء إمكانية قبول دمشق المبادرة العربية التي تنص على إرسال فريق من المراقبين إلى سوريا ووقف العنف ومجموعة من الإجراءات مثل إطلاق المعتقلين السياسيين وتسهيل عمل الوسائل الإعلامية المختلفة وبدء حوار سياسي بين السلطة والمعارضة خارج سوريا.

وحتى تاريخه، لا يبدو أن الدول الغربية قد وجدت طريقة لتوفير «سند قانوني» يتيح المجال للتدخل «الإنساني» في سوريا. وثمة نقاشات تجرى في المحافل الدبلوماسية عن «الوزن القانوني» لمطالبة رسمية تصدر عن المجلس الوطني السوري وعن الجامعة العربية وعن هيئات أخرى من أجل «حماية المدنيين» عملا بمبدأ «حق التدخل الإنساني» وما إذا كانت كافية كـ«أساس قانوني» شرعي لحماية النازحين أو المدنيين أو إيصال المساعدات الإنسانية.

ولكن ما هو المخرج في حال لم تتوفر القاعدة القانونية؟

تقول المصادر الفرنسية إن الرهان يقوم على «الضعف» الذي بدأ يصيب النظام السوري بسبب تداخل الكثير من المؤثرات التي تدفع كلها نحو زيادة الضغوط وفرض العزلة الدولية عليه بالتوازي بروز المجلس الوطني السوري الذي أخذ يتحرك على المسرح الدولي ناهيك عن الضغوط الداخلية المتمثلة بالمظاهرات المستمرة منذ 9 شهور وبداية التشققات داخل أجهزة النظام العسكرية والأمنية. ويتواكب كل ذلك مع مفعول العقوبات المالية والاقتصادية المطبقة أميركيا وأوروبيا وعربيا وتركيا، بالإضافة إلى مجموعة من الدول الأخرى مثل أستراليا ونيوزيلندا وغيرهما والتي بدأت تظهر مفاعيلها على أكثر من صعيد.

وترى باريس أن موقف الجامعة العربية شجع تركيا على السير بالعقوبات. لكنها تعتبر أن تركيا «لم تحسم بعد أمرها وتقرر ما هي الخطة التي ستسير عليها حقيقة إزاء سوريا» بسبب تعقيدات الوضع وما تعتبره من قدرات دمشق على اللعب بأوراق «مزعجة» ليس أقلها الورقة الكردية والنتائج الاقتصادية السلبية المترتبة على إغلاق الحدود مع جارها السوري وتواجد أقلية علوية قد تتضامن مع ما يجري في سوريا.