بوتين يحذر المعارضة ويتهم واشنطن بالوقوف وراء الاحتجاجات

موسكو تريد استعادة تراث القبضات الحديدية.. وكلينتون تدعم حقوق الشعب الروسي

رجال شرطة روسيون يلقون القبض على متظاهر يرتدي قناع صورة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين (رويترز)
TT

في توقيت يشهد موجة من الاحتجاجات الجماهيرية ضد سياساته أعلن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، عن بدء استعداداته لخوض معركة انتخابات الرئاسة في مارس (آذار) المقبل، واتهم، من ناحية أخرى، الولايات المتحدة بتدبير حركة الاحتجاج على الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وقال بوتين في اجتماع مع ممثلي حركته الجبهة الشعبية إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي انتقدت منذ الاثنين سير الانتخابات، «أعطت إشارة الانطلاق» للاحتجاجات التي جرت على نتائج الانتخابات التشريعية. وأكد أن المعارضين يتصرفون «بدعم» من واشنطن، مضيفا إنهم «تلقوا الإشارة وبدأوا التحرك بشكل نشط بدعم من وزارة الخارجية». وتابع بوتين: «ندرك أن جزءا من المنظمين (للمظاهرات) يتحركون وفق سيناريو معروف لكننا نعرف أيضا أن الناس لا يريدون أن يتطور الوضع كما حدث في قرغيزستان ومن فترة ليست بعيدة في أوكرانيا»، في إِشارة إلى الثورتين اللتين شهدتهما الجمهوريتان السوفياتيتان السابقتان في 2005 و2004 ورأت فيهما موسكو يدا للغرب.

وقال رجل روسيا القوي الذي يطمح إلى العودة إلى الكرملين في انتخابات الرئاسة المقبلة: «لا أحد يريد الفوضى». لكنه أضاف أنه «عندما تدفع أموال من الخارج لتمويل نشاطات سياسية في بلادنا، علينا التفكير في الموضوع»، مشيرا إلى مئات ملايين الدولارات. واعتبر أن «ضخ أموال أجنبية في العمليات الانتخابية غير مقبول».

وبدورها، أدلت كلينتون أمس بتعليقات جديدة حول الانتخابات الأخيرة في روسيا، عبرت فيها عن دعم واشنطن «لحقوق الشعب الروسي». وقالت الوزير الأميركية في مؤتمر صحافي في مقر الحلف الأطلسي في بروكسل: «عبرنا عن قلقنا الذي نرى أنه نابع من أسس صحيحة، بشأن سير الانتخابات». وأضافت «ندعم حقوق وتطلعات الشعب الروسي إلى تحقيق تقدم والأمل في مستقبل أفضل».

وقبل بوتين ترشيح الحزب الحاكم له لخوض انتخابات الرئاسة العام المقبل، وحذر من أن الغرب سيسعى للتأثير في انتخابات البرلمان والرئاسة. وقال: «ماذا يمكننا قوله. نحن قوة نووية كبيرة وما زلنا كذلك. هذا يثير مخاوف لدى شركائنا». وكان بوتين قدم الأسبوع الماضي ترشحه في توقيت مواكب لتعالي الضجة التي تعالت إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي انتهت بتراجع مواقع الحزب الحاكم وضياع 77 من مقاعده في مجلس الدوما، ما اعتبره الكثير من المراقبين في الداخل والخارج هزيمة مهينة لبوتين شخصيا. ولذا كان بوتين في حاجة إلى إعادة النظر في سيناريو الحملة الانتخابية لاستدراك أخطاء الحملة البرلمانية رغم كل ما ارتكبته الأجهزة الموالية للسلطة من انتهاكات وتزوير كانت في صدارة أسباب خروج الجماهير إلى قلب العاصمة تهتف «الثورة.. الثورة» و«روسيا من دون بوتين».

ومن هذا المنظور وقع اختيار بوتين على المخرج السينمائي المشهور ستانيسلاف غوفوروخين المعروف بميوله القومية المتشددة لترؤس أركان حملته الانتخابية مستهلا حملته الرئاسية في اجتماع للجبهة الشعبية التي يواصل الاعتماد عليها للملمة أطراف الثوب الروسي بعد أن تبعثر وقاره على مقربة مباشرة من الكرملين يوم الاثنين الماضي.

وكان غوفوروخين فاجأ المجتمعين في المؤتمر العام للحزب الحاكم قبيل الانتخابات البرلمانية بإعلانه عن حاجة روسيا إلى يد حديدية رأى البعض فيها محاولة لاستعادة تاريخ القيادات السوفياتية التي اشتهرت بالبطش والتنكيل بالخصوم. وقال ما نصه: «إن روسيا في حاجة إلى قائد جسور غير هياب يتمتع بقدر كبير من الذكاء والقدرة على الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين وحسب، بل وإلزام الآخرين بعدم نسيان واجباتهم وإلزامهم بالاضطلاع بتنفيذ هذه الواجبات وفي مقدمتها الالتزام بالقانون». وصمت غوفوروخين برهة من الوقت عاد بعدها ليستأنف حديثه قائلا: «إن هذا القائد المنشود موجود بين صفوفنا. إنه فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين». وهنا ضجت القاعة بالتصفيق وقوفا تأييدا لما قاله غوفوروخين وإعلانا عن قبول ترشيحه رئيسا للبلاد في الفترة القادمة التي ثمة ما يشير إلى أنها ستطول لولايتين متتاليتين تنتهيان في 2024.

وأعاد غوفوروخين إلى الأذهان ما سبق وقاله الأديب الروسي المعروف والحائز على جائزة نوبل الكسندر سولجينيتسين حين خرج عن صوته من موقعه بالمهجر في الولايات المتحدة إبان أولى سنوات البيريسترويكا ليقول «إن الديمقراطية الشابة في حاجة إلى قبضة سلطوية قوية قادرة على أن تضع البلاد على الطريق القويم». وأشار غوفوروخين إلى أن المثقفين وممثلي الانتليجينسيا تندروا آنذاك بما صرح به سولجينيتسين الذي طالما حمل لقب «ضمير الأمة الروسية» قائلين: «يا له من محب للعودة إلى تراث الماضي. إنه يتحدث ويحلم بالسلطة القوية والقبضة الحديدية.. كلا إنها الحرية.. الحرية ولا شيء غير الحرية هو ما نريده اليوم». وأضاف: «إن هؤلاء يتناسون اليوم دروس التاريخ».

وتظاهر آلاف المعارضين منذ الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي احتجاجا على نتائجها، وقامت الشرطة بتفريق المظاهرات واعتقال المئات. وأكد بوتين أن من حق المعارضة التعبير عن نفسها بما في ذلك بالتظاهر، لكنه حذر من أن أي تجاوزات ستعاقب. وقال بوتين: «إذا تحرك الناس في إطار احترام القانون، فينبغي منحهم الحق في التعبير عن رأيهم. أما إذا خالف أحد القانون فيجب على قوات الأمن والسلطات أن تفرض احترام القانون بكل الوسائل المشروعة».

وتم توقيف المئات خلال المظاهرات التي تمت دون تنظيم مسبق في موسكو وسان بطرسبورغ، وحكم على بعضهم ومن ضمنهم العديد من قادة المعارضة بالسجن حتى 15 يوما. ودعت المعارضة التي نجحت الاثنين في حشد آلاف الأشخاص في وسط موسكو وهو تحرك غير مسبوق منذ سنوات في روسيا، عبر الشبكات الاجتماعية إلى مظاهرة كبيرة يوم غد السبت في ساحة الثورة على مقربة من الكرملين، وذلك على الرغم من تحذيرات السلطات التي أعطت ترخيصا بالتظاهر لـ300 شخص فقط. ورد أكثر من 20 ألف متصفح للإنترنت بالإيجاب على الدعوة حتى يوم أمس، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

وأثارت نتائج الانتخابات وقمع المتظاهرين بعدها انتقادات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خصوصا فرنسا وألمانيا. وصرحت بعثة مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الاثنين في موسكو إنها لاحظت انتهاكات «متكررة» و«حشوا لصناديق الاقتراع». وأوردت منظمة «المراقب المواطن» غير الحكومية الروسية على موقعها الإلكتروني الأربعاء أن النتيجة الحقيقية للحزب الحاكم تقل عن 30% من الأصوات أي أقل بـ20 نقطة عما أعلنته اللجنة الانتخابية الروسية في النتائج الأولية الرسمية الاثنين. وتابعت المنظمة غير الحكومية أن المشاركة الفعلية تجاوزت نسبة 50% بقليل مقابل أكثر من 60% حسبما أعلن رسميا. وأعلنت المنظمة أن ملاحظاتها شملت أكثر من 170 مكتب تصويت.