الحكومة الليبية تؤكد عزمها التخلص من مظاهر التسلح داخل المدن

ترسانة الأسلحة الهائلة في مصراتة.. 6 كتائب تضم أكثر من 200 وحدة

جنود ليبيون في استعراض عسكري أقيم بمناسبة تأسيس الجيش الوطني الليبي في بنغازي أمس (رويترز)
TT

أكدت الحكومة الليبية الانتقالية عزمها التخلص من مظاهر التسلح داخل المدن، بما يحقق الاستقرار بالمدن الليبية كافة. وما زالت ميليشيات خارج نطاق سيطرة الحكومة تمتلك مخزونات هائلة من الدبابات والصواريخ والأسلحة الصغيرة في مدينة مصراتة، وهي ترسانة تمثل اختبارا لمدى قدرة الحكام الجدد في البلاد على ترسيخ سلطاتهم. ورحبت الحكومة، في بيان لها أصدرته ليل الأربعاء - الخميس، بالمظاهرات الاحتجاجية السلمية التي تسعى إلى تحقيق مطالب الأمن والاستقرار في مدينة طرابلس.

ونفت الحكومة ما تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام من أنها حددت مهلة أسبوعين للمجموعات المسلحة كي تغادر مدينة طرابلس، مؤكدة أنه لم يصدر بيان عنها بهذا الخصوص. وقالت الحكومة إنها تقوم «بالفعل بإعداد ودراسة برامج وخطط للتعامل مع كل التحديات التي تستهدف تحقيق الأمن والاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد».

وأشادت بالدور الذي قام به الثوار في تحرير ليبيا ودعتهم إلى المساهمة في المرحلة القادمة، «مرحلة بناء ليبيا الحديثة بما يحقق أهداف ثورة 17 فبراير».

وأبدت الحكومة استياءها من بعض الممارسات التي تسيء إلى الثورة، داعية المواطنين إلى الالتفاف حول شعارات «نعم للعدل» و«نعم للداخلية» و«نعم للدفاع» و«نعم لمؤسسات الدولة»، حسب وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

وقد شهدت طرابلس أوضاعا أمنية غير طبيعية بعد أن هدد سكانها بالخروج في مظاهرات حاشدة احتجاجا على «فوضى انتشار السلاح» في شوارعها والانفلات الأمني الحاد في عدد من أحيائها.

وفي مصراتة تمكن فريق من «رويترز» من الدخول إلى مخزن سلاح تابع لميليشيا، وهي واقعة نادرة، وأحصى آلاف الصناديق من الأسلحة والذخيرة أغلبها تمت مصادرتها من القوات الموالية للعقيد الراحل معمر القذافي وأعيدت إلى المدينة في شاحنات.

وتقول الميليشيات، التي تشكلت لمحاربة حكم القذافي وتدين بالولاء لزعماء المجلس الوطني الانتقالي، إنها ستسلم الأسلحة بمجرد تأسيس جيش وطني.

لكن ليس هناك جدول زمني لذلك، وفي الوقت ذاته فإن الأسلحة تعطي مصراتة قوة عسكرية أكبر من الحكومة الهشة في طرابلس، وهي ميزة من المرجح أن تحاول ميليشيات مصراتة أن تحولها إلى سلطة سياسية.

وقال جيف بورتر، وهو خبير بشؤون شمال أفريقيا وأدلى بشهادته عن الشأن الليبي في الكونغرس الأميركي: «الحكومة لا تحتكر القوات في البلاد... من دون ذلك ستكون قدرة الحكومة على العمل معرضة للخطر». وأضاف قائلا: «كل الميليشيات تملك كميات كبيرة من الأسلحة، والحكومة ليس أمامها من سبيل سوى حثها ودفعها إلى تسليم سلاحها».

وعلى مدى يومين زار مراسلو «رويترز» أربعة مخازن للسلاح تديرها ميليشيات. وساعد هذا على تكوين فكرة عن السلاح الموجود في المدينة، لكنها لا تمثل سوى جزء محدود من الكمية الإجمالية للسلاح. ويوجد في مصراتة ست كتائب تضم أكثر من 200 وحدة. وتمتلك أغلب الكتائب عددا من مخازن السلاح في مواقع مختلفة.

وطبقا لما أحصته «رويترز» فإن الأسلحة التي يمكن أن تكون موجودة هي 38 دبابة، و9 مدافع آلية، و16 مدفعا ميدانيا، و536 من صواريخ غراد روسية الصنع، و13 قاذفة صواريخ غراد محمولة على شاحنات، و2480 قذيفة مورتر، و202 قذيفة مدفعية. ومن بين الأسلحة الأخرى 21 منصة صواريخ تم نزعها من طائرات هليكوبتر، ونحو 10 صناديق من رؤوس حربية في ما يبدو فرنسية الصنع لصواريخ مضادة للدبابات تطلق من طائرات هليكوبتر. وبالإضافة إلى ذلك وجد مراسلو «رويترز» 18 حاوية شحن قال قادة محليون إنها تحتوي على ذخيرة. ولم يتسنَّ فحص ما بداخلها.

وتناثرت الترسانة في أنحاء المناطق الواقعة على مشارف مصراتة، المدينة الساحلية الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وكانت هناك مدفعية ثقيلة في موقع كان قاعدة إمداد لشركة «بترو كندا» النفطية. وخزنت وحدة أخرى الذخيرة في مخزن سابق لشركة «بيبسي» للمشروبات الغازية، في حين احتفظت كتيبة بعشرات الدبابات قرب منزل قائدها على الشاطئ.

وتركزت المخاوف الدولية من انتشار السلاح في ليبيا على احتمال أن تصل هذه الأسلحة إلى أيدي جماعات مثل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

وتبدو فرص حدوث هذا في مصراتة ضئيلة، إذ لا تتعاطف الميليشيات في المدينة كثيرا مع الإسلاميين، وكانت هناك حراسة محكمة لكل الترسانات التي رأتها «رويترز». لكن أهمية هذا المخزون الهائل للسلاح في مصراتة تكمن في الثقل الذي تمنحه للمدينة التي تتسم بالهدوء بصورة كبيرة حتى الآن خلال التنافس على السلطة والنفوذ في ليبيا الجديدة.

شهدت مصراتة، ثالثة كبرى المدن الليبية، أضخم وأعنف معركة في الحرب التي استمرت سبعة أشهر مع القذافي. وكانت قوات المدينة من أقوى الوحدات بين عشرات من الميليشيات في أنحاء ليبيا خرجت لمحاربة كتائب القذافي.

وكتب وولفرام لاتشر، وهو خبير في شؤون شمال أفريقيا، يقول: «ولاء الكتائب أولا وأخيرا لبلداتها ومدنها وليس للمجلس الوطني الانتقالي».

وأضاف في مقال بدورية «ميدل إيست بوليسي كاونسل»: «لم يتضح بعدُ ما إذا كانوا سيتوقفون عن عمليات التعبئة ويحجمون عن استخدام قوتهم العسكرية كوسيلة لتحقيق النفوذ السياسي ومدى سرعة حدوث ذلك».

وقال متحدث عسكري باسم المجلس الوطني الانتقالي في طرابلس إنه يعتقد أن كتائب مصراتة ستفي بوعدها بتسليم سلاحها إلى الحكومة المركزية.

وقال أحمد باني المتحدث باسم المجلس إنه حتى الآن لا يوجد رئيس لأركان الجيش، وبمجرد وجود رئيس للأركان سوف يسلمون سلاحهم. وأضاف أنه يعرف الشعب جيدا وأنهم سيطيعون أوامر المجلس الوطني الانتقالي لأنهم جميعا يحبون ليبيا وأنهم دفعوا كثيرا من أجل الحرية. وفي مصراتة قال قادة الكتائب الذين تحدثوا إلى «رويترز» إنهم سيدمجون وحداتهم في الجيش الوطني وسيسلمون سلاحهم بمجرد تأسيس الجيش. وأبدت كتائب مصراتة حسن نياتها وسلمت 500 قطعة من الأسلحة الخفيفة لوزارة الداخلية في أكتوبر (تشرين الأول)، طبقا لتقرير من الأمم المتحدة، غير أنه ما من أحد يعلم على سبيل التأكيد متى سيبدأ الجيش الوطني العمل. وفي مصراتة ليس هناك دليل بعدُ على أن وزارة الدفاع وضعت أي خطط لعملية التسليم. وحتى بعد انضمام كتائب مصراتة للجيش فمن الواضح أنها تتوقع الاحتفاظ بدرجة من الاستقلالية.

وفي ظل غياب توجيهات من طرابلس وضعت خطة لتشكيل ثلاث وحدات من مصراتة مع الجيش الوطني وبدأوا بالفعل في اختيار قادة.

وقال محمد الزين القائد الذي يشرف على المدافع الميدانية وقاذفات صواريخ غراد عند قاعدة شركة النفط التي تم تحويلها لمخزن إنه سيقود إحدى هذه الوحدات الثلاث. وأضاف أن الاستعدادات بدأت بالفعل لنقل السلاح إلى مخازن تابعة للجيش الوطني. لكنه قال إن هذه المخازن لن تكون بعيدة. وعندما سئل عن مكان تلك المخازن في المستقبل أجاب: «في ضواحي مصراتة».