«إضراب الكرامة» يصل إلى قلب دمشق.. والأمن يفتح أبواب المحلات بالقوة

السلطات تبعث برسائل نصية وعبر مكبرات الجوامع لحث المضربين على استئناف عملهم

الأمن السوري في سوق بدرعا لإجبار المضربين على العودة للعمل
TT

قالت قوى الحراك الثوري في الداخل السوري إنها نجحت في شلّ معظم المدن السورية في أول أيام «إضراب الكرامة» الذي تسعى المعارضة السورية إلى تتويجه بعصيان مدني نهاية الشهر الحالي.

وذكر ناشطون سوريون في الداخل أن المحلات التجارية بقيت مغلقة والطلاب لم يغادروا منازلهم أمس في عدد من مناطق سوريا، تلبية لدعوة قوى المعارضة لإضراب عام لتعزيز الضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وأظهرت صور بثها ناشطون على الإنترنت على صفحات «الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011» و«اتحاد تنسيقيات الثورة السورية»، وعدد من مقاطع الفيديو التي تم تحميلها عبر موقع «يوتيوب»، محلات مغلقة وشوارع خالية بحمص والزبداني وحلب، بينما لجأ ناشطون إلى استخدام مكبرات الصوت للدعوة إلى الإضراب في خربة غزالة بمحافظة درعا.

ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن ناشطين على الأرض أن الإضراب نفذ «بشكل كبير جدا» في محافظة درعا وفي جبل الزاوية في إدلب قرب الحدود التركية. وفي المدن نفذ الإضراب في «حرستا رغم محاولة الأمن فتح المحلات بالقوة»، حسب الناشطين الذين تحدثوا عن «اعتقالات عشوائية» في هذه المنطقة الواقعة قرب دمشق. وقالوا إن «الإضراب نجح بنسبة كبيرة تبلغ تسعين في المائة» في دوما قرب دمشق أيضا. وقال المرصد إنه «في الأحياء المعارضة في حمص بلغت نسبة نجاح الإضراب تسعين إلى مائة في المائة»، وذكر من هذه الأحياء بابا عمرو ودير بعلبا والخالدية وبياضة وغيرها. وأوضح أن «الطلاب لم يذهبوا إلى المدارس والموظفين لم يذهبوا إلى وظائفهم والمحلات التجارية مغلقة».

وقالت الهيئة العامة للثورة السورية إن «حالة أشبه بالعصيان» عمت ريف حماه، حيث امتنع المواطنون عن الالتحاق بأماكن عملهم ولم ينتظم الطلاب في المدارس، في حين أغلق سوق الهال بحمص، وغابت مظاهر الحياة في الحولة.

في المقابل أكدت الهيئة أن قوات الأمن لجأت إلى تكسير أقفال المحلات في دير الزور وجسر الشغور، وذلك بغية ثني أهالي المنطقتين عن الإضراب.

وقال نشطاء إن قوات الأمن أمرت التجار المضربين أمس بفتح متاجرهم وإلا حطمتها في اليوم الأول للإضراب، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات الأمن في بعض الأحياء على أطراف العاصمة دمشق أجبروا أصحاب المتاجر على فتح متاجرهم.

وأفاد رامي عبد الرحمن رئيس الجماعة الحقوقية ومقرها بريطانيا أن أصحاب المتاجر أجبروا على الذهاب إلى متاجرهم وأمروا بفتحها، ولما رفضوا حطمت قوات الأمن أبواب المتاجر وفتحتها.

وقال شاهد عيان قام بجولة في دمشق إن أغلب المتاجر أغلقت أبوابها في الشارع التجاري الرئيسي بمنطقة الميدان القديمة في قلب العاصمة، حيث كان هناك انتشار كثيف للأمن، بينما ظلت السوق الرئيسية في دمشق القديمة مفتوحة، حسب ما أوردته وكالة «رويترز».

وفضت قوات الأمن ورجال الميلشيات الموالية للأسد الإضراب في مدينة درعا الجنوبية. وقال شاهد عيان: «بدأوا في جذب مصاريع المتاجر في شارعي حنانو والشهداء الرئيسيين في مدينة درعا لإجبار المحال على الفتح»، ولم تذكر وسائل الإعلام الرسمية السورية شيئا عن الإضراب.

وبدا وسط دمشق ووسط حلب التجارية في حالة هدوء رغم ما ورد عن وجود إضراب في بعض المناطق على أطراف المدينتين. وقالت رولا المعلمة في مدرسة بدمشق: «لا شيء يحدث.. لا شيء يبدو على غير المعتاد».

ويأمل نشطاء أن ينجح الإضراب هذه المرة من خلال البدء أولا بالمتاجر والمشروعات الصغيرة ثم الانتقال إلى المدارس والمواصلات والخدمات العامة.

وقالت ناشطة: «خطوة بخطوة سوف يعتاد الناس»، وقالت إن نحو 30 في المائة من المتاجر التي اتصلت بها في دمشق شاركت في الإضراب. وأضافت «من الممكن أن ينتشر الإضراب تدريجيا في دمشق وحلب. الهدف اليوم فقط هو إقناع بعض المحال بالإغلاق. لم نتوقع أبدا أن تكون هناك استجابة ضخمة اليوم».

لكن بعض السكان في حمص التي شهدت أسوأ أعمال العنف قالوا إنهم لا يملكون خيارا سوى العمل على الرغم من الاشتباكات المسلحة المتفرقة والتقارير الواردة عن أعمال الخطف وفرق الإعدام.

وأفاد رجل في حمص طلب عدم الكشف عن هويته: «أنا خائف على أبي. إنه موظف حكومي. وليس له خيار في الذهاب إلى عمله. سيعتبرونها علامة على أنك ضد النظام وسوف تكون العواقب وخيمة».

وفي بلدة معرة النعمان قرب حلب قال نشطاء إن تحذيرا صدر عبر مكبر صوت فوق مسجد محلي للمواطنين من استمرار إضرابهم. وقال عبد الرحمن من المرصد السوري لحقوق الإنسان إن السكان تلقوا تحذيرات من أنهم إذا لم يخرجوا فسوف تفتح متاجرهم عنوة.

وذكر بعض سكان دمشق أنهم تلقوا رسائل نصية على هواتفهم الجوالة قيل إنها من وزارة الداخلية تدعو المواطنين إلى عدم الإضراب. وقال أحد السكان: «قالت الرسالة إنه يجب عدم التأثر بدعوات بعض الجماعات لإضراب عام. علينا أن نركز على بناء الوطن لا على تدميره».

إلى ذلك، قال أحمد رمضان، عضو المجلس الوطني السوري المعارض، إن «الالتزام بالإضراب تم وبنسب كبيرة للتأكيد على استمرار سلمية الثورة وتضامن الشعب السوري لمواجهة النظام الذي يقتل من دون رحمة».

وفي اتصال مع «الشرق الأوسط»، لفت رمضان إلى أن «نجاح اليوم الأول من الإضراب الذي سينتهي أواخر هذا الشهر بعصيان مدني، يؤكد قدرة المعارضة السورية على اتخاذ إجراءات إضافية وبكل الطرق السلمية المتاحة لوضع حد لآلة القتل وللامبالاة التي ينتهجها بشار الأسد وسعيه لتجنب مخاطبة شعبه»، وأضاف: «نحن في المجلس الوطني ندرس حاليا ونسعى لحصول الشعب السوري على جائزة نوبل للسلام لأنه أثبت قدرة لا مثيل لها في الصمود والحفاظ على سلمية ثورته في وجه أبشع مظاهر العنف التي يمارسها النظام بحقه».

وفي السياق عينه قال عضو المجلس الوطني محمد سرميني لـ«الشرق الأوسط»: «الإضراب الذي بدأ أمس هو عملية استكمال وتصعيد لحركة الثورة السورية وتأكيد على وحدة كل الفئات الاجتماعية. الإضراب هو مطلب التغيير.. وتوجيه رسالة إلى جامعة الدول العربية لحسم موقفها تجاه النظام السوري.. تجاه سياسة القتل الممنهجة التي يمارسها هذا النظام، ورسالة واضحة إلى المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف رادعة وحاسمة من النظام في سوريا، خصوصا على ضوء تقرير مفوضية حقوق الإنسان حول عدد الشهداء خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الذي بلغ 739 شهيدا منهم 57 طفلا.. وذلك خلال مهل الجامعة العربية مع النظام السوري»، وأضاف: «الإضراب اليوم يشكل بداية مميزة للمراحل القادمة، خصوصا أن الإضراب مدته شهر»، لافتا إلى أن مشاركة وتفاعل دمشق وحلب مع الإضراب يؤشر إلى قرب نهاية النظام».

ويندرج «إضراب الكرامة» الذي بدأ أمس في إطار سلسلة فعاليات احتجاجية تمتد حتى نهاية العام الحالي، و«ذلك بغية التأكيد على سلمية الحراك الثوري» وفق الناشطين.

وتشمل المرحلة الأولى من الإضراب إقفال الحارات الفرعية، والتوقف عن تسيير العمل في المراكز الوظيفية، وإغلاق الهاتف الجوال، وتتضمن المرحلة الثانية البدء في إضراب المحال التجارية. أما المرحلة الثالثة فتشمل الهيئات التعليمية عبر إضراب الجامعات. ويسعى ناشطو الثورة إلى شل قطاع النقل وإغلاق الطرق بين المدن في المرحلة الرابعة. وستستهدف المرحلة الخامسة القطاع العام عبر إضراب موظفي الدولة، في حين ستبدأ خطوة إغلاق الطرق الدولية في المرحلة السادسة والأخيرة.