«الصراع القبلي».. عامل الحسم في الانتخابات البرلمانية بصعيد مصر

القبائل أجبرت الأحزاب على وضع آبائها على رأس قوائمهم حتى تنال دعمها

TT

ما زالت الاختيارات القبيلة والطائفية أحد العناصر الرئيسية في تأييد مرشح الانتخابات البرلمانية في العديد من القرى والنجوع المصرية والمناطق البدوية، رغم المحاولات الكبيرة التي يبذلها كثير من السياسيين والمثقفين لبناء حياة سياسية واجتماعية جديدة تتماشى مع روح ثورة 25 يناير المجيدة وخلق برلمان قوي يضم تحت قبته نوابا أكفاء ممثلين لكافة الفئات بغض النظر عن أي حسابات قبلية أو عرقية لا تفرز الأفضل دائما.

واشترطت بعض القبائل المنتشرة في صعيد مصر أن يتم تمثيلها على رأس قائمة أي حزب يرغب في الترشح عن دوائرهم لكي ينعم هذا الحزب بأصوات أبنائها من الناخبين، وهو ما جعل أحزابا كثيرة ترضخ مجبرة لمطالب هذه القبائل خوفا من حشد هذه القبائل لأبنائها لصالح أحزاب أخرى وخشية من منع مرشحي الحزب من عقد مؤتمرات ودعاية انتخابية بين أبناء هذه القبيلة.

وتنتشر شعارات مثل «ابن القبيلة - مرشح القبيلة» يلعب بها المرشحون على مشاعر المواطنين، تدفع أبناء القبيلة ليتدافعوا طواعية إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات للإدلاء بأصواتهم لابن القبيلة أو العائلة دون تفكير في الدور الذي سيقدمه للمجتمع من خلال موقعه النيابي.

يقول علي فارس، ويعمل مدرسا في محافظة قنا بصعيد مصر: «نفس السيناريو الذي نراه في كل انتخابات يتكرر بنفس الجمل والشعارات.. ليؤكد للجميع أن القبلية ما زالت باقية وأنها على رأس العوامل الحاسمة للنتائج الانتخابية». ويتابع فارس: «المرشحون ما زالوا يلعبون على العنصر القبلي البغيض وهذا الكلام تؤكده المشاهد اليومية التي نراها أمام أعيننا، فأبناء القبائل يساندون مرشحيهم لمجرد أنهم من أبناء القبيلة ويفتحون دواوينهم لاستقبالهم ويعقدون لهم المؤتمرات الانتخابية مجانا.. وهي أمور لا يجدها رجل سياسي يعمل في الدائرة ورشح نفسه لخدمتها لكنه لا ينتمي لأي من قبائلها الشهيرة».

وأضاف فارس: «ظن كثيرون أن نظام القوائم الحزبية، والتي يعمل بها في الانتخابات الحالية، لاختيار ثلثي مجلس الشعب، سوف تقضي تماما على القبلية العنصرية في الاختيار، لكن القبائل قامت بالدفع بأبنائها من المرشحين تحت قائمة واحدة»، موضحا أن معايير الحسم في صعيد مصر مثلا، تختلف كليةً عن محافظات الوجه البحري، فالشكل الاجتماعي والموقع الجغرافي والمستوى الثقافي لدى أهالي محافظات صعيد مصر لها دور كبير في حسم العملية الانتخابية».

وتضم محافظات الصعيد بداخلها عددا كبيرا من القبائل، تتنازع على مقاعد البرلمان كل دورة، نتج عن ذلك صراع أزلي بين قبائل العرب والأشراف والهوارة في محافظات قنا وسوهاج.

كما يكون أحيانا الموقع الجغرافي عامل الحسم في ترجيح كفة أي مرشح، وهو ما تجسده صراعات شرق النيل وغربه، حيث تتمثل بوضوح في دائرتين بمحافظة قنا، وتحديدا الصراع في مدينة دشنا ومدينة الوقف، حيث تمثل دشنا الضفة الشرقية للنيل وتمثل مدينة الوقف الضفة الغربية للنيل.

وقد استطاعت القبليات أن توظف نظام القوائم لخدمة أغراضها ودعاياتها، التي وصفها كثير من المراقبين بأنها عنصرية تعمل على البحث في أصول كل مرشح ووزن قبيلته في المحافظة، كما أن قبائل الصعيد لا ترضى إلا بتمثيل يرضي جميع الأطراف من كل القبائل، فاستحواذ قبيلة معينة على جميع المقاعد، يسبب أزمة لا ترضاه بقية القبائل.

ويجد معظم الناخبين أنفسهم مجبرين على اختيار ابن قبيلتهم بعدما وجدت منافسة ساخنة بين مرشحي القبائل لاقتناص مقعد برلماني ينسب في النهاية إلى القبيلة ويرفع من رصيدها الاجتماعي لدى القبائل الأخرى، أما الانتماء السياسي فهو نوع من الوجاهة السياسية والاجتماعية يستخدم في الأيام البعيدة عن الانتخابات التي يعتبرها كثير من المرشحين بمثابة معركة حربية.