ليبيا: إقرار تسريع برنامج دمج آلاف المسلحين في المؤسسات الأمنية والعسكرية

هدوء حذر عقب اشتباكات دامية.. وسط مخاوف من محاولة لاغتيال حفتر بعد انتقادات عبد الجليل

تفجير قذيفة محمولة مضادة للطائرات في بلدة سيدي بن نور شرق العاصمة الليبية طرابلس أمس (أ.ف.ب)
TT

أشار مسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي وقيادات عسكرية من الثوار إلى أنه تقرر الإسراع في برنامج واسع النطاق لدمج آلاف الثوار المسلحين في المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب، في محاولة لمنع اندلاع المزيد من الاشتباكات بين قوات الثوار بعد المعركة الدامية التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس مساء أول من أمس.

وقال مسؤول مقرب من المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، لـ«الشرق الأوسط» إن عبد الجليل طلب من حكومة الكيب تسريع برنامجها لاستيعاب ودمج الثوار في الهياكل الجديدة لوزارتي الدفاع والداخلية.

من جهته، قال عبد الله أحمد ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، عقب اجتماع عقده مع العقيد خليفة حفتر رئيس هيئة أركان الجيش الوطني الليبي، إنه وافق على خطة طموحة لدمج مقاتليه، الذين يصل عددهم إلى نحو أربعين ألف مقاتل، ضمن الجيش الوطني وعناصر الشرطة المحلية التابعة لوزارة الداخلية، في خطوة قال إنها تستهدف إنهاء الوجود المسلح لعناصر المجلس في العاصمة طرابلس.

وأبلغ ناكر «الشرق الأوسط» هاتفيا من طرابلس أن الخطوات التنفيذية لهذه الخطة بدأت اعتبارا من أمس، مشيرا إلى أنه يضع جيش مقاتليه في خدمة الشعب الليبي وجيشه الوطني الحديث التكوين. مشيرا إلى أن مجلس ثوار طرابلس سيتخلص من ذراعه العسكرية، المتمثلة في المقاتلين المسلحين، لكنه سيحتفظ في المقابل بالطابع المدني لتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين العاديين والمساهمة في عملية إعادة إعمار وبناء ليبيا مجددا.

وجاءت هذه التطورات مع عودة الهدوء المشوب بالحذر إلى أنحاء وضواحي العاصمة الليبية، التي كانت مسرحا ليلة السبت لمواجهات عنيفة بين عناصر من ثوار الزنتان، ومقاتلين تابعين لخليفة حفتر رئيس أركان الجيش الوطني.

وفيما قال مختار الأخضر، قائد ميليشيا من الزنتان ومسؤول قوات أمن مطار طرابلس، إن معركة بالأسلحة النارية اندلعت عندما حاول مسلحون يركبون سيارات تابعة للجيش الوطني الليبي الجديد السيطرة على مطار طرابلس من ميليشيا لها نفوذ.. ألقى ناكر بالمسؤولية عن هذه التطورات على ما وصفه بالطابور الخامس الموالي لنظام القذافي.

وعلى الرغم من تأكيدات رسمية تلقتها «الشرق الأوسط» من قيادات عسكرية وأمنية من الثوار ومسؤولين من المجلس الانتقالي بأن الاشتباكات الأخيرة لم تكن محاولة لاغتيال اللواء حفتر، فإن مسؤولا في المجلس الانتقالي، طلب عدم تعريفه، عبر في المقابل عن مخاوفه بحدوث عملية قريبة لاغتيال حفتر.

وقال المسؤول إن الانتقادات العنيفة التي وجهها المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس لحفتر، ووصفه بأنه متعجرف، قد تمثل الضوء الأخضر لمحاولة تكرار عملية اغتيال مماثلة لتلك التي راح ضحيتها سلفه الراحل اللواء عبد الفتاح يونس، الذي قتله مسلحون مجهولون مع مرافقيه في مدينة بنغازي خلال شهر يوليو (تموز) الماضي.

وكان المسؤول يشير بذلك إلى تسريب لمحضر اجتماع رسمي عقده عبد الجليل مع قيادات من الثوار قبل سقوط نظام القذافي، وقال خلاله «لقد ابتليت الثورة الليبية برجلين أحدهما متعجرف، وهو حفتر، والثاني تحيط به الشكوك بسبب خيانته، وهو العبيدي».

وأضاف نفس المسؤول لـ«الشرق الأوسط» أن «العلاقة بين الثوار وقيادات الجيش الوطني ليست على ما يرام، هناك احتقان شديد وشعور بعدم الاحترام والثقة المتبادلة، لذلك اغتيال حفتر قد يكون واردا باعتباره المسؤول الفعلي عن قيادة الجيش الوطني الذي يفترض أن يحل محل الميليشيات المسلحة التي تنتشر حاليا في مختلف أرجاء العاصمة طرابلس».

وبات واضحا أن الاشتباكات التي شهدتها المدينة أول من أمس تعبر بشكل صارخ عن هذا الاحتقان بعدما تصادم مقاتلون من الثوار يتولون تأمين مطار العاصمة طرابلس مع مرافقين لموكب خليفة حفتر بالقرب من المطار. وتعددت الروايات بشكل متناقض حول الملابسات الحقيقية للحادث، الذي يأتي ضمن سلسلة اشتباكات شهدتها طرابلس مؤخرا بين الثوار.

وطبقا لرواية مختار الأخضر مسؤول أمن المطار فإن مجموعة سيارات تابعة لحفتر اقتربت من نقطة تفتيش على بعد ثلاثة كيلومترات من المطار، قبل أن يقول من كانوا على متنها إنهم جاءوا للسيطرة على الأمن، لتندلع معركة بالأسلحة النارية سقط ضحيتها أربعة قتلى وجرحى.

وتابع الأخضر: «عندما سألت قواته خليفة حفتر، القائم بأعمال رئيس أركان الجيش الليبي، قال إنه لا يعرف هؤلاء الناس»، مشيرا إلى أن المعركة هدأت بعد تدخل رئيس المجلس الوطني ورئيس الوزراء الكيب ووزير الدفاع أسامة الجويلي.

وأقر سامي قموكا المسؤول في الجيش بأن المعارك التي دارت على مقربة من مبنى المطار استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والأسلحة المضادة للطيران، فيما قال مقاتل من ثوار الزنتان، يدعى أبو بكر الأحراش: «وصلت ثلاث سيارات تابعة للجيش الوطني اليوم إلى حاجز يتمركز فيه عادة ثوار الزنتان. وقام عناصر الجيش بمصادرة سيارتي بيك أب مجهزتين بمدافع مضادة للطيران، ثم حاولوا السيطرة على الحاجز.. فاعتقلوا اثنين من مقاتلينا وجرحوا اثنين آخرين».

وعقب الحادث أقامت كتائب الزنتان حاجزين على طريق المطار، وحشدت عشرات المقاتلين المجهزين بأسلحة ثقيلة ومدرعات.

لكن سالم خيري، آمر اللواء الثاني مشاة بالجيش الوطني، قال إن أسباب الاشتباكات تعود إلى رفض ثوار الزنتان إخلاء ومغادرة مطار طرابلس الدولي، وإطلاق بعضهم النار على سيارة اللواء خليفة حفتر، قبل أن تقوم عناصر مرافقة لحفتر بالرد، مما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص ونقلهم للعلاج.

وكشف خيري في تصريحات لوكالة «شينخوا» الصينية عن قيام عناصر من ثوار الزنتان بإطلاق النار على مقر اللواء الثاني مشاة التابع للجيش الوطني، تخلله قصف بصواريخ الغراد، تسبب في جرح العديد من عناصر اللواء، وحالة بعضهم خطيرة ونقلوا جميعا إلى المستشفى. ويشار إلى أن رئيس الحكومة الانتقالية نفى منح الثوار مهلة أسبوعين لمغادرة طرابلس، علما بأن المجلس المحلى لمدينة طرابلس قال في وقت سابق إنه يتعين على كل الميليشيات من بلدات أخرى مغادرتها قبل حلول العشرين من الشهر الحالي، مهددا بإغلاق كل الطرق المؤدية للمدينة أمام كل السيارات باستثناء تلك التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية.

ويصرح معظم زعماء الميليشيات بأنهم مستعدون لتسليم السلطة لمؤسسات مركزية بمجرد تلقيهم أوامر بذلك من المجلس الوطني الانتقالي، لكن قوة الشرطة والجيش بدأت العمل لتوها. وتعتقد بعض الميليشيات أنه في حالة انسحابها سيؤدي ذلك إلى إحداث فراغ تشغله ميليشيات أخرى منافسة خاصة الإسلامية.

من جهة أخرى، قال ناشطون سياسيون في بنغازي لـ«الشرق الأوسط» إنهم قرروا اعتبارا من اليوم (الاثنين) الاعتصام أمام مقر المجلس الوطني الانتقالي بساحة الشهداء بالمدينة، للمطالبة بتطهير المجلس والحكومة ومؤسسات الدولة من بقايا النظام الليبي السابق مع استبدالهم بالشباب.

وقال بيان المحتجين إنهم يريدون أيضا بيان الذمة المالية للحكومة السابقة والجديدة، بالإضافة إلى العمل على دمج الثوار في الجيش الوطني والشرطة وعدم التفريط في دماء الشهداء والجرحى والمغتصبات، ومحاسبة كل المسؤولين بالقانون المستمد من الشريعة الإسلامية. مضيفا أن «أي شخص خدم في عهد القذافي، عليه التعهد رسميا بعدم ترشيح نفسه لأية مناصب رسمية أو حكومية على الأقل لمدة خمس سنوات».