شبكة من السجون الأميركية للإرهابيين خارج معتقل غوانتانامو

أبرزها «سوبر ماكس» الفيدرالي في كولورادو.. ويحتجز فيه أحمد رسام وصاحب «الحذاء المفخخ» وفيصل شهزاد

أبراج المراقبة في سجن «سوبر ماكس» الفيدرالي الأميركي
TT

هناك معتقل غوانتانامو آخر غير الذي نعرفه، وهو عبارة عن أرخبيل من السجون الاتحادية التي تمتد في جميع أنحاء الولايات المتحدة، والمخبأة بعيدا بحيث لا تصل إليها سوى عبر الطرق الخلفية؛ حيث يتجاوز عدد السجناء المحتجزين فيها في الوقت الحالي على خلفية قضايا متعلقة بالإرهاب إلى حد كبير عدد الحفنة الضئيلة من المدانين المسجونين في معتقل غوانتانامو بكوبا، الذي يدور حوله جدل واسع.

يعود هذا العدد الكبير من السجناء، الذي يصل إلى العشرات، إلى الاستراتيجية العدوانية التي تتبعها النيابة العامة، والتي لا تهدف إلى الوقاية بقدر ما تهدف إلى العقاب؛ حيث يقضي أولئك السجناء عقوبات طويلة، في وحدات خاصة تفرض قيودا كبيرة على سجنائها ذوي الأغلبية المسلمة، وتبقيهم تحت رقابة مشددة من قبل ضباط السجن، في هذا العالم الموازي الذي يعيشون فيه.

ويصف إسماعيل روير، أحد أولئك المساجين الذي يقضى فترة عقوبة مدتها 20 عاما لقيامه بمساعدة مجموعة من أصدقائه على الذهاب إلى معسكر تدريبي للمتطرفين في باكستان، في رسالة أرسلها من سجن «سوبر ماكس» الفيدرالي، الذي يوجد به أعلى مستوى أمني في الولايات المتحدة، والذي يقع على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة دنفر، زملاءه البارزين في جلسات التمرين في الهواء الطلق التي تتم مرتين في الأسبوع؛ حيث يقبع كل سجين منهم وحيدا في قفصه السلكي الخاص به تحت سماء ولاية كولورادو، قائلا: «هذا هو شكل التفاعل الوحيد في الحقيقة الذي أستطيع أن قوم به مع غيري من السجناء الآخرين».

ومن بين المساجين الذين يصفهم روير في رسالته: ريتشارد ريد، الشهير بلقب «مفجر الحذاء»، وتيري نيكولز، الذي تآمر على تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما سيتي، وأحمد رسام، الذي كان سيصبح «انتحاري الألفية»، والذي خطط لمهاجمة مطار لوس أنجليس الدولي، وإريك رودولف، الذي فجر مجموعة من عيادات الإجهاض أثناء انعقاد الألعاب الأولمبية في صيف عام 1996 في مدينة أتلانتا.

وقد أثار الكونغرس، من جديد، في الأسابيع الأخيرة، جدلا قديما؛ حيث احتج البعض بأن العدالة العسكرية هي العدالة الوحيدة المناسبة للإرهابيين المشتبه بهم، لكن المشكلة هي أن المحاكم العسكرية أثبتت أنها بطيئة للغاية، كما أن السجن في معتقل غوانتانامو يعد باهظ التكاليف؛ حيث يتكلف السجين الواحد 800 ألف دولار، مقارنة بالـ25 ألف دولار التي يتكلفها السجين في السجن الفيدرالي.

وقد استوعب نظام العدالة الجنائية، في الوقت نفسه، الزيادة في قضايا الإرهاب منذ عام 2001 دون وقوع مشاكل، ودون أن يتعرض للانتقادات الدولية التي تعرض لها معتقل غوانتانامو لقيامه باحتجاز السجناء دون محاكمة، لكن بعد مرور عقد من الزمان على هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، فإن دراسة الكيفية التي تعاملت بها السجون مع تحدي العنف المتطرف تكشف عن بعض الحقائق المذهلة، التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

وجود أعداد كبيرة من السجناء؛ حيث لا يزال هناك حتى اليوم 171 سجينا في معتقل غوانتانامو. كما أفاد المكتب الفيدرالي للسجون بأنه يحتجز اعتبارا من 1 أكتوبر (تشرين الأول) 362 شخصا محكوما عليهم في قضايا متعلقة بالإرهاب، و269 شخصا آخرين يدعي المكتب أنهم على صلة بالإرهاب الدولي، الذين كان عددهم 50 شخصا فقط عام 2000، إلى جانب 93 سجينا إضافيا من الذين لهم صلة بالإرهاب المحلي.

وجود عقوبات طويلة المدة: حيث من المرجح أن يموت الإرهابيون الذين خططوا للقيام بمجازر ضد الأميركيين في السجن، مثل فيصل شهزاد، الذي حاول تفجير سيارة مفخخة في ساحة تايمز سكوير عام 2010، والذي يقضي حكما بالسجن المؤبد من دون عفو مبكر في سجن «سوبر ماكس»، وزكريا موسوي، وهو عميل لتنظيم القاعدة تم اعتقاله في عام 2001، وريد، الشهير بلقب «مفجر الحذاء»، وغيرهم، لكن هناك الكثير من السجناء الآخرين الذين لم تأخذ جرائمهم شكل الإرهاب الصريح والذين يقضون أحكاما بالسجن تصل مدتها لـ10 سنوات أو أكثر، نتيجة لاستراتيجية وقاية مدروسة تهدف إلى الحد من خطر المتطرفين قبل أن يتمكنوا من تدبير مؤامرات مميتة.

إنشاء الوحدات الخاصة: حيث قام مكتب السجون منذ عام 2006 بنقل الكثير من المحكوم عليهم في قضايا الإرهاب إلى اثنتين من الوحدات الخاصة التي تفرض قيودا شديدة على الزيارات والمكالمات الهاتفية، لكن إنشاء هذه الوحدات، التي تعد الغالبية من سجنائها من المسلمين، قد تسبب في قيام المسؤولين عن السجون، دون أن يقصدوا، بتعزيز شعور التضامن والتحدي لدى السجناء، مما أدى إلى نشوء نزاع قانوني طويل الأمد بشأن الحدود المفروضة على صلاة الجماعة؛ حيث حذر المسؤولون في المذكرات المرفوعة للمحكمة من خطر التطرف، لكن مكتب السجون ليس لديه برامج لنزع التطرف على غرار تلك الموجودة في الكثير من البلدان.

الإفراج من دون ضجة عن عدد كبير من المسجونين: حيث تم إطلاق سراح أكثر من 300 سجين منذ عام 2001 بعد انتهاء مدة عقوبتهم، ولم تكن الجرائم التي أدينوا فيها تحتوي على شكل من أشكال العنف المباشر، لكن على «دعم مادي» لإحدى الجماعات الإرهابية، مثل الاحتيال المالي أو التزوير الوثائقي، أو الانتهاكات المتعلقة بالأسلحة، وغيرها من الجرائم الأخرى. ويعد نحو نصف هؤلاء السجناء من المواطنين الأجانب، الذين تم ترحيلهم بعد إطلاق سراحهم، بينما اندمج الأميركيون منهم في المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء البلاد، رافضين إجراء المقابلات مع وسائل الإعلام والصحافة، محاولين تجنب اهتمام الآخرين بهم.

ندرة حالات الانتكاس: حيث على النقيض مما يحدث في معتقل غوانتانامو، الذي تقول وزارة الدفاع إن نحو 25% من السجناء الذين أفرج عنهم منه يعرف عنهم أو يشتبه في انضمامهم لاحقا لجماعات متشددة، يبدو قيام نزلاء السجون الفيدرالية، الذين كانت لهم صلات بالإرهاب في الماضي، بالتخطيط للقيام بأعمال عنف بعد الإفراج عنهم أمرا نادرا للغاية؛ حيث تراقبهم الحكومة عن كثب، من خلال التقارير المنتظمة التي يرفعها ضباط مخابرات السجن إلى وزارة العدل حول الرسائل والزوار والمكالمات الهاتفية للسجناء الذين لهم صلة بالإرهاب. وقد اقترح مجموعة من العلماء عام 2009 إجراء مقابلات مع الأشخاص الذين سجنوا على خلفية قضايا تتعلق الإرهاب لمعرفة الكيفية التي سلكوا بها هذا الطريق، وعلى الرغم من موافقة وزارة الأمن الداخلي على هذا الاقتراح وعرضها القيام بتمويله، فإن مكتب السجون رفض منح أحد حق إجراء مقابلات مع السجناء، متحججا بأن المشروع سيستغرق الكثير من وقت العمل الخاص بالموظفين العاملين في السجون.

وقال غاري لافري، مدير مركز دراسة الإرهاب الوطني في جامعة ماريلاند، الذي كان المفكر الرئيسي في هذا الاقتراح: «هناك جدل كبير على المستوى الوطني حول مدى خطورة هؤلاء الناس، وأنا أعتقد، كمواطن، أنه يجب أن يقوم شخص ما بدراسة هذا الأمر».

ولم يسمح مكتب السجون لأي مسؤول بإجراء مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، كما رفض 3 من آمري السجون السماح للصحافيين بزيارة السجناء، لكن رسائل البريد الإلكتروني ورسائل البريد العادي التي يرسلها السجناء تتيح إلقاء نظرة نادرة، وإن كانت محدودة، على عالمهم الخفي. ولننظر على سبيل المثال إلى قضية راندال تود روير، 38 عاما، الذي وُلد في ولاية ميسوري، والذي اعتنق الإسلام وسمى نفسه إسماعيل؛ حيث كان روير قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر أحد النشطاء الإسلاميين الشباب الذين يعملون مع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، والجمعية الإسلامية الأميركية، والذين يعقدون اجتماعات مع أعضاء الكونغرس، ويزورون الرئيس كلينتون في البيت الأبيض. وقد أمضى روير، حتى اليوم، ما يقرب من 8 سنوات في السجن من مدة عقوبته التي تصل إلى 20 عاما؛ حيث أقر بأنه مذنب عام 2004 لقيامة بمساعدة عدد من أصدقائه من الأميركيين في الانتقال إلى معسكر تدريب تابع لجماعة عسكر طيبة، وهي جماعة متطرفة تحارب الحكم الهندي في كشمير، وقد صنفت الولايات المتحدة في وقت لاحق الجماعة على أنها جماعة إرهابية وألقت عليها باللوم في هجمات مومباي التي وقعت عام 2008.

* خدمة «نيويورك تايمز»