عمرو حمزاوي: تيارات متشددة شنت الحرب ضدي.. ولن أتراجع عن مشروع الدولة المدنية

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» بعد فوزه بعضوية البرلمان المصري إن المهمة ما زالت صعبة ويجب احترام صناديق الاقتراع

د. عمرو حمزاوي متحدثا لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

اعتبر كثيرون الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الفائز في المرحلة الأولى لانتخابات البرلمان المصري الحالية، ظاهرة استثنائية في عالم المرشحين، وأطلقوا عليه الظاهرة (الحمزاوية)، نظرا لتقديمه نفسه للرأي العام بصيغة حديثة تتواكب مع الألفية الجديدة على المشهد السياسي. وعلى الرغم من أن حمزاوي حسم المنافسة في دائرته الانتخابية بشرق القاهرة لصالحه، فإنه اعترف في حوار مع «الشرق الأوسط» بتعرضه لحملة شرسة من خصومة، واصفا إياها بالحملة «غير الأخلاقية وغير الشريفة».

وقال حمزاوي إن مهمة التيار الليبرالي في الانتخابات الجارية ما زالت صعبة، إلا أنه شدد على ضرورة احترام نتائج الاقتراع، رغم أنه أشار إلى تعرضه لحرب ضده من تيارات دينية متشددة، وأضاف موضحا أن استغلال البعض لوجوده مع الفنانة المصرية بسمة أثناء تعرضهما لحادث سطو مسلح الصيف الماضي، أصابه بالفزع.

وأقر النائب حمزاوي بأنه أساء التعبير حينما تحدث عن الزواج المدني، قائلا إنه لم يقصد التعدي على الشريعة الإسلامية، وأشار إلى أنه متدين، حيث أدى فريضة الحج، لافتا إلى أن والدته وشقيقته محجبتان، مبديا تعجبه من كثرة الاتهامات التي وجهت إليه في الأشهر الماضية، وأضاف أن اتهامه بأنه يحمل أجندة أميركية لتنفيذها داخل البرلمان شائعة رخيصة. وعلق حمزاوي على تشكيل حكومة الجنزوري الجديدة بقوله إن المطلوب حكومة حقيقية تتخذ إجراءات على الأرض. وإلى تفاصيل الحوار..

* كيف حسمت فوزك بمقعد دائرة مصر الجديدة بفارق ثلاثة أضعاف عن مرشح حزب الحرية والعدالة (الإخواني)؟

- أعتقد أن الناس انتخبوني بهذه النسبة المرتفعة لأنني أدافع عن مشروع سياسي بصورة واضحة، وهو مشروع الدولة المدنية.. دولة مواطنة، وحقوق مدنية متساوية، بها تداول للسلطة، بالإضافة إلى أن مجمل مواقفي على الساحة السياسية في الفترة الماضية جعلت قطاعا واسعا من الناس يتأكد من أنني أملك مواقف ثابتة ومحددة. والناس تبحث عن برلمانيين أكفاء يستطيعون القيام بمهامهم بشكل جيد داخل البرلمان وألا تختزل مهمته في تقديم خدمات خاصة للبعض. فضلا عن أن البعض صوت لصالح المشروع المدني الذي أتبناه احتجاجا على اجتياح المشروع الديني وتيار الإسلام السياسي.

* حملات كثيرة شنت ضدك أثناء الفترة الانتخابية. وكنت تلتزم الصمت حيالها، لماذا؟

- بالفعل تعرضت لحملات موجهة غير شريفة وغير أخلاقية، وقد امتنعت طوال الحملة الانتخابية عن الدخول في معترك هذه الحملات والتعرض لهذه الحرب الشعواء أو التعقيب عليها. فقد فضلت أن أركز على الحملة الانتخابية بمعناها الإيجابي، ورفضت التورط في الحديث عن الآخرين بأي شكل من الأشكال. ولم تخرج مني كلمة واحدة عن أي مرشح آخر، لأن الفوز في الانتخابات لا يكون أبدا من خلال الدعاية السلبية للمرشح المنافس، بل بالتواصل مع الناس على أرض الواقع.

* إحدى هذه الحملات طالت حياتك الشخصية، أليس كذلك؟

- نعم بكل آسف. وكانت شيئا مفزعا بالنسبة لي، وذلك إثر تعرضي لحادث إجرامي (سطو مسلح على سيارة كان يستقلها على طريق مدينة 6 أكتوبر) مع الفنانة (المصرية) بسمة، حيث تمت محاولة توظيفها ضدي، لكني سجلت حقيقة موقفي للرأي العام حينها بكل صدق وهذا لاقى قبولا لديهم، فإذا لم أستطع أن أدافع عن حقي الشخصي فلن أستطيع الدفاع عن حقوق الناس.

* من كان يقف وراء هذه الحملات المضادة؟

- أحد مصادر هذه الحرب تيارات دينية متشددة تدعي احتكار الحديث باسم الدين في السياسة، وتصنف كل من يخرج عن مشروعها السياسي باعتباره خارجا عن الملة، وهذه الحرب كانت معلنة ضدي منذ 12 فبراير (شباط) الماضي واستخدمت فيها القنوات الدينية التابعة لهذه التيارات، وبلغ الحد بهذه القنوات خروج شيوخها للرأي العام ليكفروا ويخونوا علانية كل من هو ليس معهم، ودعوة الناخبين صراحة إلى عدم التصويت لهم. وهذا تدخل سافر في إرادة الناس ودعوات غير أخلاقية، استغل فيها ضدي كذلك خلفيتي المهنية وأنني عملت لفترة في الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، فعرض هذا على الناس على أنه دليل على أنني غير كفء وأنني لست متدينا.

* لغط كبير مثار حول تعريف الدولة المدنية.. فما توصيفك لها وما الذي اعتمدت عليه في حملتك الانتخابية؟

- الدولة المدنية هي دولة مواطنة، دولة حقوق متساوية، دولة قانون، دولة لا تميز بين المصري المسلم والمصري المسيحي، تضمن نفس الحقوق لكليهما، دولة غير عسكرية تخضع فيها كل الهيئات بما في ذلك الهيئات العسكرية والأمنية للرقابة المدنية وتنظم العلاقة ما بين الدين والسياسة.

* لكن حديثك عن الزواج المدني ساهم في إعطاء صورة معينة عن توجهاتك ومن ثم تشويه المعنى المدني الذي تدافع عنه؟

- أعترف أنني أسأت التعبير حينما تحدثت عن الزواج المدني في أحد البرامج التلفزيونية حينما طالبت بالزواج المدني المسموح به في إطار الشريعة الإسلامية، ولكني لم أكن أعني أبدا التعدي على حدود الإسلام أو الشريعة الإسلامية، لكن تم استخدم هذا الأمر ضدي بدرجة مرعبة، في محاولة للترويج إلى أن معتقداتي صادمة للمصريين وثقافتهم وتقاليدهم.

* ألم تفكر في الرد على هذه الشائعات بعد فوزك بمقعد البرلمان؟

- أرفض المتاجرة بالدين والخلط ما بين الدين والسياسة، ولكن أنا إنسان ملتزم دينيا، والبعض من أصدقائي طلب مني أن أعلن عن هذا الالتزام الديني من خلال أنني قمت بأداء فريضة الحج مثلا العام الماضي، وأن والدتي محجبة وشقيقتي كذلك، ولكن كل هذه الأمور أنا رفضتها تماما.. لأن الناس يجب أن تقيمني من خلال مشروعي السياسي وليس من خلال التزامي الديني، لأن هذا الالتزام يخصني ويخص المقربين مني فقط.

* بعد اكتساح التيار الإسلامي لنتائج المرحلة الأولى، كيف ينسق التيار الليبرالي أوضاعه لمواجهة المرحلتين الثانية والثالثة؟

- استطعنا الوصول إلى تنسيق كامل حول المقاعد الفردية للمعسكر المدني وقوائم الأحزاب (ذات التوجهات المدنية والقريبة منها) في الكتلة المصرية والثورة المستمرة، والعدل والوعي، الإصلاح والتنمية، وسيكون لهم مرشح واحد فقط سيزكى عن المقعد الفردي فئات أو عمالا، وهي محاولة لإعادة التشكيل الداخلي لنا، وأتمنى من حزب الوفد (الليبرالي) أن ينضم إلينا، لأنه حتى الآن خارج التصنيف في هذا التنسيق، وأمامه فرصة كبيرة للوصول لنتائج جيدة.

* لكن المؤشرات تقول إن المهمة صعبة؟

- أعترف أن المهمة صعبة على التيار المدني بالفعل، لكن نتائج صندوق الانتخابات يجب أن تحترم مهما كانت، والسؤال الأهم هنا «هل كتلة الإسلام السياسي كتلة متماسكة»؟ أعتقد أن الأمور ليست كذلك، وهناك هامش من الاختلاف في ما بينهم، ويجب أن يتم استغلال هذا الهامش لصالح التيار المدني بإيجابية، وأملي أن يستطيع المعسكر المدني أن يحصل على نسبة الثلث زائد واحد (وهي نسبة فارقة في التصويت على القرارات البرلمانية الحاكمة) ونحن نجتهد للحصول هذه النتيجة في المرحلتين القادمتين.

* هل من الجائز في التجارب السياسية أن تتحول قاعدة شعبية إلى قاعدة انتخابية بسهولة؟

- لا.. هذا أمر نادر الحدوث بالفعل في العلوم السياسية، واللافت فعليا أنهم استطاعوا تحويل هذه القاعدة الاجتماعية إلى قاعدة انتخابية في صناديق الانتخابات، وبنظرة تحليلية كان هناك عاملان أساسيان، القنوات الدينية التي روجت لهم بقوة وبعنف شديد للأسف، من خلال الإشارة تحديدا بالتصويت لصالح فلان ولا تصوت لصالح فلان، فضلا عن استهدافهم لقطاع كبير من الناخبين في مصر.. المأزومين اقتصاديا واجتماعيا الذين تجاوبوا معهم لأن خطابهم الديني كان واضحا وحادا، يعمل على حدود الله من وجهة نظرهم.

* هل ترى في تكوين المجلس العسكري لمجلس استشاري، يضم 30 شخصية من رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة، محاولة استرضاء للشارع المدني عقب العديد من الإخفاقات؟

- لا أعرف ما هي وظيفة المجلس الاستشاري الذي كونه المجلس العسكري مؤخرا وما ستكون علاقته بوضع الدستور. فوفقا للإعلان الدستوري الحالي، فإن هذا المجلس لا صلاحية دستورية له في وضع الدستور، وكونه يحصل على بعض الصلاحيات الموازية فهذا إجراء غير ديمقراطي. وأنا ضد المجلس الاستشاري جملة وتفصيلا، وأرى أنه مؤسسة غير مبررة، وتأخر عليها الوقت كثيرا لكي يتم تشكيلها، وأتمنى أن تكون صلاحياته متعلقة فقط بالإشارة على المجلس العسكري في إدارة الشؤون التنفيذية للفترة المتبقية للمجلس العسكري في إدارة البلاد.

* البعض وجه لك اتهامات بأنك تعمل من خلال أجندة أميركية، خاصة في ظل عملك في مؤسسة كارنيغي لأبحاث السلام.

- مؤسسة كارنيغي ترجمتها الحرفية «وقفية كارنيغي لأبحاث السلام»، وهي مؤسسة مستقلة تمول من داخلها ولا تمول من خارجها، بمعنى واضح لا تمول من أطراف سياسية خارجية مثل الكونغرس الأميركي، وهي ذات سمعة عالمية طيبة ولا تربطها بالإدارة الأميركية أو أي دوائر ضغط أي علاقات من أي نوع. وكان اتهامي بأني أحمل أجندة أميركية سأعمل على تنفيذها حال دخولي البرلمان شائعة رخيصة شأن العديد من الشائعات المغرضة التي حوربت بها كثيرا طوال الفترة الماضية.

* يقال إن انسحابك من «الكتلة المصرية» كان بسبب وجود حزب «المصريين الأحرار» الذي يرأسه رجل الأعمال نجيب ساويرس؟

- انسحابي من «الكتلة المصرية» لم يكن له علاقة بكون حزب «المصريين الأحرار» يرأسه رجل الأعمال نجيب ساويرس. وما أشيع عن وجود بعض الاختلافات بيننا، بل انسحابي كان له علاقة بأن «الكتلة المصرية» حينما تأسست كان بها 23 حزبا، ثم انسحبوا الواحد تلو الآخر إلى أن وصل عددهم إلى ثلاثة أحزاب فقط، بسبب وجود بعض الاختلافات في إدارة العمل الانتخابي.

* هل تتوقع أن يتغير المزاج الانتخابي في مصر بعد التكتلات السياسية الجديدة؟

- المزاج الانتخابي المصري لن يتغير بسهولة، وقناعتي أنه لا بد من دراسة الأمر بصورة أكاديمية. ولا بد من تحليل السلوك التصويتي للمصريين في مختلف الدوائر وارتباطها بالنتائج، وهي مهمة ملقاة على عاتق البحث الأكاديمي في الفترة القادمة حتى نستطيع أن نخرج بخريطة انتخابية، نستطيع من خلالها معرفة الكتل الانتخابية وتفضيلاتها. وأعتب على الإعلام الترويج لاكتساح التيار الإسلامي بناء على نتائج المرحلة الأولى، فهذا خطأ كبير لأن نتائج المرحلتين الثانية والثالثة لم تحسما بعد، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن البرلمان ستكون تشكيلته النهائية معتمدة على المرحلة الأولى فقط.

* هل تعتقد أن الصلاحيات الممنوحة لحكومة الدكتور كمال الجنزوري يمكن أن تنقذ مصر في المرحلة القادمة؟

- نحن نريد حكومة حقيقية وليست سكرتارية للمجلس العسكري، وهذه الصلاحيات لا بد أن تترجم إلى إجراءات على الأرض، من خلال خطوات فورية تنقذ الوضع في كافة المناحي الاقتصادية والاجتماعية وليس الجانب السياسي فقط.