كاميرون يواجه أزمة داخل تحالفه الحكومي بعد نقضه اتفاقية «اليورو»

ساركوزي يتحدث عن «أوروبا جديدة» لا تشمل بريطانيا.. وكليغ يغيب عن البرلمان

نائب رئيس الوزراء البريطاني نك كليغ، يغادر المنزل في طريقه إلى صالة الألعاب الرياضية في حي باتني جنوب لندن، أمس (رويترز)
TT

يواجه رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، مصاعب متصاعدة داخل حكومته الائتلافية على أثر رفضه المصادقة على اتفاقية أوروبية لمعالجة الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو يوم الجمعة الماضي. وعلى الرغم من أن استطلاعا للرأي أظهر، أمس، أن 57 في المائة من البريطانيين يوافقون كاميرون رأيه، فإن كاميرون يواجه مأزقا مع حزب الليبراليين الديمقراطيين، الذي يشارك المحافظين في الحكومة الائتلافية البريطانية منذ العام الماضي. فبعد أن عبر رئيس حزب الليبراليين الديمقراطيين، نيك كليغ، وهو الآن نائب رئيس الوزراء البريطاني، عن استيائه من قرار كاميرون في تصريحات نشرت أول من أمس، قرر أمس عدم حضور الجلسة البرلمانية التي عقدت في البرلمان البريطاني دافع فيها كاميرون عن قراره لعدم الموافقة على الاتفاقية مما أدى إلى إفشالها وأدى إلى عمل دول منطقة اليورو على حلول اقتصادية ومراجعة الاتفاقية الأوروبية من دون مشاركة بريطانيا.

في جلسة برلمانية ظهر أمس، استمرت ساعتين قدم خلالها 101 نائب أسئلتهم إلى كاميرون، دافع كاميرون مجددا عن قراره نقض الاتفاقية مما أدى إلى اتفاق الأعضاء الـ26 الآخرين في الاتحاد الأوروبي للعمل على معاهدة جديدة من دون بريطانيا. وقال في بيان مطول أمس: «ذهبت إلى بروكسل بهدف واحد وهو حماية المصالح البريطانية». وصفق أعضاء الحزب الجمهوري لكاميرون بينما تصاعد الضجيج من قبل المعارضة المنتقدين لهم. وفي قاعة البرلمان التي امتلأت أمس، ظهرت الانقسامات السياسية بينما كان الأمر الأبرز غياب كليغ في محله التقليدي جالسا إلى جوار كاميرون. وكان كليغ قد صرح أول من أمس لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنه يشعر بـ«إحباط مرير» بسبب نقض كاميرون للاتفاقية الأوروبية. وقبل أن يلقي رئيس حزب العمال المعارض، إيد ميليباند، خطابه حول القضية، سأل كاميرون: «أين نائبك نيك كليغ؟.. إذا لم تكن تستطيع أن تقنعه هو بموقفك، فكيف يمكنك إقناع أي طرف آخر؟»، ولكن لم يرد كاميرون على تلك الأسئلة.

وقال كاميرون: «تم الاتفاق على انضباط أكبر من أجل إعادة الثقة في السوق.. نحن نريد من منطقة اليورو أن تحل مشاكلها لأنها تؤثر سلبا على الاقتصاد البريطاني أيضا، السؤال ليس ما إذا كنا نريد الانضباط الأكثر، بل كيف يتم تحقيق ذلك»، في إشارة إلى ضوابط جديدة في أسواق المال لمنع أزمة اقتصادية جديدة. وأضاف: «الخيار بين اتفاقية من دون الضوابط الصحيحة أو عدم التوصل إلى اتفاقية.. الخيار لم يكن سهلا».

وفي وقت تثار تساؤلات حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بعد أن باتت غائبة عن المشاورات خلال المرحلة المقبلة لاتفاقية جديدة حول عملة أوروبا الموحدة، أكد كاميرون: «بريطانيا ما زالت عضوا في الاتحاد الأوروبي، والعضوية مهمة لمصالحنا الوطنية». ولكنه لفت إلى أن بريطانيا اختارت أن تبقي على حرية قرارها، من بين ذلك عدم الانضمام إلى اتفاقية «شنغين» لتأشيرة الدخول في أوروبا الموحدة التي لم تشترك فيها لندن. وأكد مجددا رفضه الانضمام إلى منطقة اليورو الموحدة، قائلا: «ما دمت رئيسا للوزراء، فلن ننضم إلى (اليورو)».

وعلى الرغم من مطالبة حزب العمال بإجراء استفتاء في بريطانيا لمعرفة رأي الشعب البريطاني بالموقف البريطاني من عدم المشاركة في صياغة جديدة للاتفاقية الأوروبية، رفض كاميرون ذلك، قائلا: «لا توجد ضرورة لإجراء استفتاء مع إبقاء السلطات بدلا من التخلي عنها». وحصل كاميرون على دعم سياسي جديد بعد نشر صحيفة «ذا تايمز» نتائج لاستطلاع للرأي أظهرت أن 57 في المائة من البريطانيين يتفقون مع استخدام كاميرون حق النقض، بينما 19 في المائة يعارضون.

ومن جهة أخرى، سارعت حكومة كاميرون، أمس، لنفي وجود ثغرات كبيرة في العلاقات مع فرنسا بسبب «الفيتو» البريطاني. وقال كاميرون، أمس: «على عكس التقارير الإخبارية الصادرة، ما زلت أتمتع بعلاقات جديدة مع الرئيس الفرنسي»، نيكولا ساركوزي. وهذا ما أكده وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ قائلا إن العلاقات بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي كانت ولا تزال «جيدة جدا» على رغم الموقف البريطاني الرافض للاتفاق الذي توصل إليه قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل قبل يومين.

وقال هيغ لقناة «سكاي نيوز»: «لم تكن سياسات بريطانيا وفرنسا الخارجية يوما بهذا القرب كما كانت عليه خلال هذا العام»، مشيرا في هذا السياق إلى التدخل في ليبيا الذي شكل البلدان رأس حربة فيه. وأضاف الوزير البريطاني: «هذا الوضع مستمر وستعقد قمة بريطانية - فرنسية خلال الأسابيع المقبلة»، واصفا العلاقة بين كاميرون وساركوزي بأنها «جيدة جدا».

وبعد رفض كاميرون الموافقة على تعديل معاهدات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، تحدث الرئيس الفرنسي عن «شروط غير مقبولة» تضعها لندن في هذا المجال.

وفي مؤشر إلى استعداد فرنسا وألمانيا التحرك من دون بريطانيا، لفت ساركوزي في حوار مع صحيفة «لوموند» إلى ظهور «أوروبا جديدة» بعدما اتفق قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي على كتابة معاهدة جديدة بين الحكومات من دون بريطانيا. وقال ساركوزي: «يجب أن نرى أن هناك أوروبا أخرى تولد الآن: وهي واحدة من منطقة اليورو سيكون الأساس فيها التقاء الاقتصادات والقواعد المالية والضرائب». وأضاف ساركوزي أن حقيقة أن قادة الاتحاد الأوروبي يتولون مسؤولية إدارة الاقتصاد تمثل «تقدما ديمقراطيا لا يقبل الجدل مقارنة بالموقف السابق، حيث كان يتم تنظيم كل شيء عن طريق البنك المركزي الأوروبي والمفوضية ومعاهدة الاستقرار». وأضاف ساركوزي إن الدول الـ26 الباقية سوف تنتهي من صياغة الأوجه القانونية للمعاهدة في خلال 15 يوما. ومن المتوقع أن تعرض الصيغة النهائية بحلول شهر مارس (آذار) المقبل. وينص الاتفاق على منح المفوضية الأوروبية مزيدا من الصلاحيات لمراقبة وفرض عقوبات على موازنات الدول مما أثار مخاوف في بعض الدول، ومنها فرنسا، بشأن فقدان السيادة الوطنية.

واعتبر رئيس حزب العمال البريطاني، ميليباند، أن عدم مشاركة بريطانيا في محادثات صياغة التعديلات الجديدة يشكل «اتفاقا يضر بريطانيا وأفقدنا مكاننا على طاولة المفاوضات»، مضيفا: «سيقرأ رئيس الوزراء عن خطط تؤثر على الاقتصاد البريطاني في الصحف». وتابع: «إنه لم يضمن أي نقطة تضمن حقوقنا».