الطلبة الأفغان يتعلمون القراءة باستخدام القصص الشعبية

عقود من الحرب وحكم طالبان تسببا في تدمير النظام الدراسي في البلاد

نصف سكان أفغانستان لا يستطيعون القراءة بسبب الحروب وطالبان («واشنطن بوست»)
TT

نهضت مرضية محسني عن مقعدها واتجهت إلى مقدمة الصف. وتبلغ مرضية 18 عاما، إلا إنها أكثر طولا وأكبر سنا من الفتيات الأخريات، كما أنها تتحدث بصوت خافت خجول، حتى إنك تضطر إلى الإنصات إليها بانتباه عندما تفتح كتابها وتبدأ القراءة.

وبدأت مرضية في القراءة: «في يوم من الأيام، وفي أحد البلاد البعيدة، كان هناك بلدة وفي هذه البلدة كانت توجد دجاجة حمقاء للغاية».

جدير بالذكر أن أكثر من نصف سكان أفغانستان لا يستطيعون القراءة، كذلك لم تكن مرضية تستطيع القراءة لفترة طويلة جدا من عمرها، فقد أدت عقود من الحرب وحكم طالبان إلى إجبار الفتيات على الخروج من الصفوف الدراسية، مما تسبب في تدمير النظام الدراسي هناك. على الرغم من ذلك كان هناك ثروة من القصص الشعبية امتدت لأجيال تصف الحياة في القرى الأفغانية، وتمتلئ تلك القصص التي تروي شفاهة بحيوانات تتكلم وزوجات مزارعين وامرأة استبدلت عن طريق الخطأ بيضة عقاب ببيضة حمامة، وكذلك دجاجة مشاكسة أقنعت أهل البلدة أن الأرض ستبتلعهم أحياء.

واصلت مرضية القراءة: «الحمقى فقط هم من ينصتون إلى الدجاجة في المقام الأول، هل تعتقدون أن الدجاجة تعلم شيئا فقط لأنها فقط تستطيع التحدث؟».

قصة تحول هذه الأساطير إلى كتب تساعد ما يزيد على مليون طفل أفغاني على تعلم القراءة عجيبة أيضا، فقد حدثت في ثلاث قارات وامتدت إلى ما يقرب من خمسة عقود، حتى قبل أن تصبح الحرب مرادفا لأفغانستان.

ففي عام 1963، التقت سالي مالام، سيدة بريطانية، كانت في عمر مرضية وقتئذ، بإدريس شاه، مؤلف ومعلم للتراث الأفغاني يعيش في إنجلترا قام بنشر الكلاسيكيات الصوفية مترجمة. وجمع شاه مئات القصص الشعبية من أفغانستان والمنطقة المحيطة بها حتى يتمكن من روايتها إلى أسرته وأصدقائه.

وقالت مالام: «لقد كان راوية مدهشا. وكانت هذه القصص تبدو كما لو أنها جزء لا يتجزأ من الذكريات المرحة التي يرويها عن أفغانستان، الأرض التي أحبها، حيث أشجار الفاكهة التي تنتج أفضل ثمار، وحيث الجبال والأزهار والوديان الرائعة، وحيث الرجال والنساء والأطفال الشجعان والشرفاء والحكماء - أو الذين تعلموا أن يكونوا كذلك».

بدأت مالام حياتها العملية في النشر، الذي قادها مؤخرا إلى الولايات المتحدة، حيث عملت في منظمة غير ربحية تقوم بنشر الكتب التعليمية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 1996، أي قبل شهر من موت شاه، عادت مالام إلى لندن لزيارته. وعلى الرغم من أنه كان قد نشر عشرات الكتب في هذا الوقت، فإنها لم تر قصص الأطفال مطبوعة. وقالت: «لقد قال إنه لم يفعل أي شيء بشأن تلك القصص، لذا تحمست للغاية، وعدت إلى المنزل ومعي مخطوطة لتلك القصص».

لم تلعب الكتب أي دور في طفولة مرضية وبلقيس، أختها الصغيرة في كابل، حيث كانتا قد بدأتا العمل في نسج السجاد في السادسة من العمر، وذلك لإعالة أسرتهما، إذا توفيت والدتهما نتيجة لإصابتها بمرض السل ولم يكن والدهما يستطيع العمل بسبب المرض. وفي الشهر الواحد، ومن خلال العمل نهارا وليلا في المنزل، تستطيع كل واحدة منهن صنع أربع ياردات من السجاد وكسب مائة دولار. حتى في المدارس العامة، التي تكون الكتب الدراسية مجانا بها، يقوم الطلبة بشراء الأقلام والأوراق، وهي نفقات لا تستطيع الأختان تحملها، كما ذكرتا.

وقالت بلقيس: «لقد كنا نعمل بجد، منذ الصباح وحتى المساء. وفي كل ليلة كنت أمكث لوقت طويل للغاية لعمل المزيد من السجاد. لم أعتقد يوما أنني سأفعل أي شيء آخر بجانب عمل السجاد».

وتذكرت بلقيس إحدى المحاولات المحرجة، التي انتهت بالفشل، لإيجاد غرفة في مستشفى لجدتها لأن أي منهما لم تستطع قراءة العلامات الموجودة هناك. وعندما تأتي دعوات الزفاف إلى المنزل، تدقق الأختان النظر في الرموز غير المفهومة. كذلك فهما تتجاهلان الرسوم التوضيحية الخاصة بالسجاد لأنهما لا تستطيعان فهمها. وقالت مرضية: «كنت أعتقد إنني سأظل أُمّية إلى الأبد».

وفي عام 1998، نشر قسم «هوبي بوكس»، الذي يتبع معهد دراسة المعارف البشرية، الذي تعمل به مالام مديرة للنشر، أول أربع قصص أطفال لشاه في الولايات المتحدة. واختارت مالام، التي تعيش في لوس ألتوس، بولاية كاليفورنيا، فناني منطقة الخليج لتوضيح القصص بواسطة الرسوم. وارتدت الشخصيات الملابس الأفغانية، حيث ارتدى الرجال العمامات، بينما ارتدت النساء الحجاب، وقام الفنانون بمحاكاة البنايات الأفغانية والمناظر الطبيعية هناك.

وبعد عدة أعوام، قررت مالام أن «تعيد» الكتب إلى أفغانستان، حيث وجدت ناشرا وقامت بترجمة الكتب إلى اللغتين الأفغانيتين الرئيسيتين، الدارية والبشتو، كذلك اشتركت مع منظمة أفغانية غير ربحية تدعى «منظمة خاتيز لإعادة التأهيل» ووزارة التعليم، لتوزيع تلك الكتب على المدارس ودور الأيتام.

وقالت: «إذا لم يكن لدى الأطفال شيء، وإذا كنت تريد أن تعلمهم وتجعلهم يقدرون الكتب، فعليك أن تمنحهم هدية. ينبغي أن تمنحهم كنزا. وهذا هو الكنز».

وقد اهتمت سفارة الولايات المتحدة بهذا المشروع العام الماضي، وقدمت منحة مقدارها 4.5 مليون دولار غطت المشروع بشكل كبير، حيث تم تسليم نحو مليون كتاب احتوت على ست قصص مختلفة. كذلك من المخطط أن يصدر كتابان آخران و1.5 مليون نسخة أخرى.

وقد شاركت الكثير من وحدات الناتو التي تركز على العمل التنموي في أفغانستان في توزيع الكتب على المدارس المحلية، بما في ذلك معاقل طالبان في جنوب أفغانستان.

كانت هناك تحديات غير عادية أثناء الترويج للكتب في دولة تنتشر فيها الأمية بنسبة كبيرة. لجعل الآباء مهتمين بقراءة القصص لأطفالهم، فقامت السفارة الأميركية بتمويل برامج إذاعية لإذاعة القصص، مع نماذج لفظية تخبر الآباء متى ينتقلون من الصفحة. وساعدت الدورات التدريبية المدرسين على تعلم كيفية تقديم ومناقشة المواد، كما قدمت الإرشادات البسيطة، مثل كيفية الإمساك بالكتاب وجعله مفتوحا أمام التلاميذ، حتى يمكنهم رؤية الصور أثناء القراءة.

وقالت حبيبة نيازي، مدرسة حضانة حضرت إحدى تلك الدورات التدريبية: «يستمتع التلاميذ بالقصص، ولا سيما بالحيوانات. إنهم يريدون معرفة أنواع تلك الحيوانات، وماذا تأكل وأين تعيش».

وقد علمت مرضية وبلقيس من أحد أقاربهما عن مؤسسة آشيانا، منظمة في كابل تدير مدارس لأطفال الشوارع والأطفال الفقراء الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة. وكان التعليم بها مجانا، كما تقوم المدرسة بتوزيع حصص غذائية على التلاميذ. وقد سمحت لهم زوجة أبيهم، التي كانت تقوم ببيع البضائع المخبوزة خارج المنزل، بحضور تلك الدروس بدءا من العام الماضي.

وحتى تتمكنا من الوصول إلى المدرسة كل يوم تستيقظان فجرا ثم تسيران لمدة نصف ساعة على أحد الطرق الرئيسية ثم تقضيان ساعة في الحافلة التي تقلهما إلى هناك. وفي المساء، تقومان بنسج أغطية الوسائد وأغطية الموائد للحصول على أموال إضافية.

وقالت إحدى المدرسات التي تدرس لهما: «يأتي بعض التلاميذ إلى هنا وهم يعرفون القليل عن القراءة، لكن هاتين الأختين لم تكونا تعلمان شيئا. إلا أن مرضية ذكية للغاية. وهي الآن تحتل المرتبة الأولى في الصف، بينما تحتل أختها المرتبة الثانية».

وعندما تعلمت الأختان القراءة، انكبتا على قصص إدريس شاه، في المدرسة وفي المنزل أيضا. وهما تستطيعان قراءة اللوحات الإعلانية والعلامات على الصيدليات والمجلات ودعوات الزفاف. وكلاهما تريد البقاء في المدرسة أطول فترة ممكنة. وقالت مرضية إنها تريد أن تصبح طبيبة، بينما قالت بلقيس إنها ترغب أن تصبح مدرسة.

وقالت مرضية: «أستطيع الآن القراءة والكتابة، أشعر بالدهشة الشديدة لذلك، لقد كان الأمر صعبا في البداية، إلا أنني كنت مهتمة للغاية بالتعلم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»