لافتات المرشحين تحاصر تمثال نجيب محفوظ بالجيزة

بعد تصريحات سلفية تتهمه بإشاعة الرذيلة في المجتمع

تمثال نجيب محفوظ بالجيزة وسط لافتات المرشحين (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

بكى نجيب محفوظ مرتين، مرة حين حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988 وحفر اسم العرب في سجلها إلى الأبد، ومرة على سرير المستشفى وهو يصارع الموت بعدما طعنه شاب ينتمي لجماعة التكفير والهجرة، أحد التيارات السلفية المتشددة، بسكين في رقبته محاولا اغتياله أمام منزله بينما كان يتأهب لتمشيته الصباحية المعتادة التي كانت تنتهي بفنجان قهوة يحتسيه بمقهى «علي بابا» المطل على ميدان التحرير، متأملا ملامح البشر، وروائح أحلامهم وأوجاعهم، وهم يمرون بالميدان الشهير، الذي أصبح أيقونة الثورة المصرية، بقلب العاصمة القاهرة.

لم يشكُ نجيب محفوظ، تحمل آلام الطعنة بحكمة الشيوخ وخبرة السنين، وبصيرة المبدع الخلاق.. وقتها اعترف الشاب بجريمته، وقال في التحقيقات أمام النيابة إنه سيكررها لو أتيحت له الفرصة ثانية، واعترف أيضا بأنه لم يقرأ شيئا لنجيب محفوظ، ولا حتى رواية «أولاد حارتنا» التي أهدروا بسببها دمه، ولم يكن محفوظ حانقا عليه، بل كان يتمنى ألا تمتد إليه حبال المشنقة. لكن محفوظ الذي رحل عن عالمنا قبل نحو ست سنوات، لم يكن يدري أن محاولة اغتياله ستتجدد، على يد التيار نفسه وفي زمن مصر الثورة، وأن عليه أن يعيد النظر في «أحلام فترة النقاهة» التي خلدها في إحدى روائعه الروائية، خاصة بعد أن أصبح أدبه مصدرا لإشاعة الرذيلة في المجتمع المصري، بحسب تصريحات أحد قيادات هذا التيار على إحدى الفضائيات.

يطلق محفوظ ضحكته المجلجلة، وكأن لسان حاله يقول: لقد احترمت عاداتكم وتقاليدكم ووثّقت نضالكم وتاريخكم الوطني والاجتماعي والسياسي في أعمالي، وأضفت إلى معارفكم الإنسانية والفكرية متعة كيف تحكي وتسرد، كيف تضحك وتبكي كطفل يلاعب الحياة، وصنعت من محبتكم تميمة علقتها في عنقي، أنا عشتكم روحا وجسدا، وتنفست أوجاعكم وهمومكم بحب وحرية، فلماذا إذن تحاصرون وتشوهون تمثالي المتواضع، بكل هذه اللافتات والملصقات الدعائية الفجة.. لماذا تستكثرون هذا الحيز الرخو من الفراغ حولي، وتزاحمون حتى نسمة الهواء التي تؤنس وحدتي، ثم ماذا تفعلون حين تمر حسناء، وتلاطفني قائلة: «صباحك سكر يا أستاذ.. هل تعصبون عينيّ، أو تغطونني بالشمع (في إشارة لدعوة أحد السلفيين بتغطية التماثيل الأثرية بالشمع باعتبارها محرمة شرعا)».

تذبل صرخة محفوظ، وينكفئ تمثاله على ظله، بينما يشتد حصار اللافتات لمرشحي البرلمان المصري من حول التمثال وعلى قاعدته، في كرنفال عشوائي صاخب من الألوان والخطوط والرسوم والرموز الانتخابية، مبددا بقعة الضوء التي ينتصب في وهجها التمثال بميدان سفنكس الشهير بمحافظة الجيزة. وعلى بعد خطوتين طوى أحد عمال النظافة بالميدان مكنسته تحت إبطه وجلس على حافة الرصيف، وحين باغته: عجبك المشهد؟! رد غاضبا: «والله حرام، النجيلة، داسوها بأقدامهم، والمنظر بقى وحش.. دول ناس مش كويسين، شوهوا التمثال، وده نجيب محفوظ، كلنا بنحب نتفرج على أفلامه في السينما، وكمان جاب لمصر جايزة عالمية».

صمم تمثال نجيب محفوظ النحات المصري الشاب سيد عبده سليم، بمناسبة احتفال محافظة الجيزة ببلوغه عامة التسعين، ورغم أن اللائحة تقتضي عدم وضع الإعلانات في محيط تماثيل الميادين، فإن مرشحي الانتخابات البرلمانية، أصروا على أن يزاحموا محفوظ تمثاله، ربما لأن بعضهم رأى أن وضع لافتته بجوار صاحب «نوبل» يحقق له نوعا من الجذب الدعائي، بينما لم تسلم نيات مرشحين آخرين يرى بعضهم أن أدب محفوظ خطر على السلوك العام.