برهم صالح: انتهى زمن الاستبداد.. والعنف لن يجدي مع السوريين

رئيس حكومة إقليم كردستان لـ «الشرق الأوسط» : لا أريد ولا أسعى إلى التمديد لمنصبي

برهم صالح
TT

قال رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، برهم صالح، إن المصلحة العراقية تكمن في الحصول على ضمانات أميركية ودولية لحماية العراق، لكنه رفض زج العراق في سياسة المحاور وركز على رغبة بغداد في إقامة علاقات «متوازنة» مع الجميع.

وفي حوار خاص ومطول مع «الشرق الأوسط» حث صالح العراقيين على التفاهم والاصطفاف وحل مشاكلهم السياسية، التي منها تنفذ الاختراقات الأمنية، كما حثهم على ملء الفراغ الأمني والاستراتيجي الناتج عن الانسحاب الأميركي «وإلا فإن الآخرين سيملأونه». ونفى صالح أن يكون أكراد سوريا «يقفون في الصفوف الخلفية» للحركة الاحتجاجية القائمة في سوريا منذ 9 أشهر. غير أنه اعترف بأنهم «حذرون لأن ما يسمعونه من بعض أطراف المعارضة (السورية) مقلق في ما يتعلق بالحقوق الكردية».

وانتقد برهم صالح، بشكل غير مباشر، موقف حكومة بغداد من الوضع في سوريا، وأكد أن له الحق في التعبير عن وجهة نظره.

وفي موضوع بقائه على رأس الحكومة في كردستان، أعلن صالح أنه قد أنهى ولايته وأنه لا يطلب ولا يسعى وراء تجديدها. ولدى سؤاله عن التدخلات الخارجية، وتحديدا الإيرانية، في الشؤون العراقية، دعا صالح جيران العراق كلهم إلى الامتناع عن التدخل في الشأن العراقي لأن ذلك يعني «مزيدا من التعقيد والمشاكل». وإلى نص الحوار..

* ما سيكون عليه شكل وإطار العلاقات العراقية - الأميركية بعد اكتمال انسحاب القوات الأميركية من العراق؟

- لا شك أن الانسحاب الأميركي نهاية حقبة. الآن ستبدأ مرحلة جديدة بالكامل ومن مصلحة العراق أن يبني علاقات متوازنة مع جيرانه ومع العالم والولايات المتحدة التي لها مصالح مهمة في المنطقة، ومصلحتنا نحن أن يكون لنا معها في المستقبل علاقات متوازنة أيضا. لدينا اتفاقية مع واشنطن اسمها «اتفاقية الإطار الاستراتيجي» وهي تنظم العلاقات في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية. ومن مصلحة العراق، من وجهة نظري، أن يعمل على الاستفادة من الولايات المتحدة في هذه المجالات والحصول على ضمانات أميركية ودولية لحماية العراق من تحديات قادمة، علما بأن المنطقة تعيش مرحلة حرجة في الوقت الراهن.

* ما هو شكل هذه الضمانات التي تريدها؟

- العراق قرر من جانبه وبالتوافق مع الولايات المتحدة إنهاء الوجود العسكري الأميركي و«الأطلسي». لدينا قدرات عسكرية وهناك من يقول - وأنا أوافقهم الرأي - إن القدرات العسكرية العراقية الآن غير كافية للدفاع عن كل العراق. وفي رأينا، يجب أن يكون العراق طرفا في منظومة أمنية إقليمية ودولية تحافظ على سيادته وأمنه، خصوصا أن الأمن لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عما يجري في المنطقة ككل. ونحن نعتقد أن ثمة مجالات عديدة في مجلس الأمن الدولي وفي المنظمات الإقليمية والدولية بالإضافة إلى العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة ضمن المحافظة على السيادة العراقية وعلى القرارات التي اتخذها العراق لتنفيذ الاتفاقية الأمنية التي تنص على سحب القوات الأميركية.

* هناك فراغ أمني واستراتيجي في المنطقة سينتج عن الانسحاب العسكري الأميركي الكامل من العراق. من سيملأ هذا الفراغ علما بأن هناك مخاوف كثيرة من أن تكون إيران من سيملأ هذا الفراغ؟

- نحن كأكراد كان لدينا موقف واضح: لم نكن محملين باعتبارات آيديولوجية عندما تناولنا موضوع الوجود الأمني الأميركي في العراق، فأعلنا أن نوعا من هذا الوجود لما بعد 2011 سيكون مفيدا لمنع حدوث أي فراغ في العراق قد تستفيد منه أطراف لا تبحث عن المصلحة العراقية. ولكن حصل ما حصل، ونحن ملتزمون بالقرار العراقي، ونحن نقول الآن: في ضوء هذا الانسحاب والمتغير الاستراتيجي الكبير الذي طرأ على العراق، ودرءا لأي فراغ قد تملأه قوى غير صديقة للعراق، المطلوب أن يكون هناك اصطفاف وطني واضح وصريح لمعالجة مشاكل العراق السياسية، لأن الوضع الأمني ما زال عرضة للمشاكل والتحديات، ولكن في النهاية المشاكل السياسية هي التي تشكل المنفذ للخروقات الأمنية والمنطلق للقوى التي لا تريد للعراق خيرا. وأضيف أننا نريد حوارا وطنيا داخليا. في النهاية، على العراقيين أن يملأوا الفراغ، لا بل أن يمنعوا حدوثه، وإن لم نفعل نحن فسيملأه الآخرون.

* المنطقة كما نراها تعاني من اضطرابات مختلفة: سوريا، والملف النووي الإيراني، والملف الفلسطيني، وأمن الخليج، ووضع اليمن... هل يكفي، في رأيك، الحوار الوطني في العراق لسد الفراغ وتوفير الاستقرار؟

- أنا لا أستخف بحجم المتغيرات في المنطقة فهي كبيرة وعميقة وبنيوية وتداعياتها على العراق ليست طفيفة، لكن ليس هناك بديل لنقطة الانطلاق التي هي التماسك والاصطفاف الوطني لمواجهة هذه التغيرات والتحديات. هذا هو الشرط الأساسي، ولكنه ليس الشرط الكافي، إذ إن المنطقة بحاجة إلى تفاهمات إقليمية تتجاوز الأنماط التقليدية السابقة. المنطقة مقبلة على تحولات مهمة؛ أولها أنه لم يعد بالمستطاع حكم شعوبها بأنظمة استبدادية. وثمة مفهوم آخر مهم هو الأمن الإقليمي، إذ لا يمكن أن يكون العراق في مخاض ومشاكل والمنطقة في مأمن والعكس بالعكس أيضا. الأمن منظومة متكاملة ولذا فثمة حاجة لتفاهم هذه الدول على مبادئ منها احترام السيادة واستقلالية القرار وعلى خلق شبكة مصالح مترابطة اقتصادية، سياسية وأمنية. وأود أن أضيف أنه على الرغم من مشاكل المنطقة الكبيرة، فإنه يمكن تحقيق هذا الهدف، ولنتعظ بما قامت به أوروبا رغم المجازر التي حصلت في حربين عالميتين.

* ما الذي يمنع العراق من الوصول إلى معاهدة دفاعية مع واشنطن التي لها العديد من المعاهدات في المنطقة؟ هل ذلك يعود إلى الخلاف الداخلي العراقي بالدرجة الأولى حول النظرة إلى الولايات المتحدة؟ هل هو التأثير الإيراني؟

- لا شك أن الوضع الداخلي كان عاملا أساسيا «في إنهاء الوجود العسكري الأميركي»، لأن قرارا كهذا هو بالدرجة الأولى قرار وطني لا يمكن لأي طرف أن ينفرد به. لكن موضوع إبرام معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن أو بلدان أوروبية، مع دول الجوار أو مع الحلف الأطلسي سيكون مطروحا على القيادة العراقية، ويتعين الاتفاق عليها وفق ما نراه مناسبا للمصلحة الوطنية.

بعض القيادات العراقية الأساسية طرح في السابق مشروع عقد اتفاقية من هذا النوع على غرار ما هو موجود مع بلدان خليجية. لكن اليوم القيادة العراقية مطالبة بدراسة كل الخيارات الممكنة. المهم أن تتوافر رؤية وطنية إزاء ما هو مطلوب للعراق. نحن لا نريد أن نزج بالعراق في محاور ضد الآخرين ومصلحتنا الأساسية هي الحفاظ على أمننا واستقرارنا وتسخير مواردنا الطبيعية لخدمة العراقيين. ونحن نعرف أن الآيديولوجيا والاعتبارات السياسية الضيقة تحول دون بلورة وتغليب هذه المفاهيم. ولكن في ظروف أهدأ يمكن أن نبحث ونستكشف مثل هذه الآفاق.

* الملف الملتهب اليوم هو الملف السوري.. ونحن نعلم أن هناك مشاورات مكثفة بينكم وبين الأكراد في سوريا الذين يجيئون ويذهبون إلى أربيل. وسؤالي هو: لماذا يلزم أكراد سوريا الصفوف الخلفية في الحركة الاحتجاجية ضد النظام السوري؟

- لا أعتبر أن أكراد سوريا في الصفوف الخلفية ولكن هناك حذر في بعض الأوساط الكردية، وهو حذر مشروع، لأن ما يسمعونه من بعض أطراف المعارضة مقلق في ما يتعلق بالحقوق الكردية. وأنا شخصيا التقيت القيادات الكردية التي جاءت لزيارتنا في أربيل. والمصلحة الكردية الأساسية تكمن في التغيير الديمقراطي والإتيان بنظام يحترم التعددية الكاملة في المجتمع السوري والحقوق الوطنية الكردية. الأكراد جزء من النسيج الوطني السوري، وأنا أقول لك من غير تردد إن زمن الحزب الواحد انتهى والاستبداد، ونحن داعمون بكل ما أوتينا من إمكانيات لتغيير ديمقراطي سلمي قائم على أساس احترام المواطنين السوريين، ومنهم المكون الكردي.

* ولكن لا نرى أن المناطق تتظاهر أو تشارك في الأعمال الاحتجاجية والإضرابات وخلافه.. ما هو السبب؟

- فهمنا من حديثنا مع المجلس الوطني الكردي الذي زارنا مؤخرا، أن موقفهم واضح وصريح في ما يتعلق بضرورة مجيء نظام ديمقراطي وإنهاء الاستبداد وحكم الحزب الواحد. لك أن تسأل القيادات الكردية في سوريا عن مدى تجسيد هذا الموقف على مستوى الشارع. فهمي أنا أن القيادة الكردية في سوريا تطالب بالضمانات الديمقراطية والتغيير وبدولة ديمقراطية مدنية تؤمن الحقوق الوطنية للكرد وللمكونات الأخرى للشعب السوري.

* ما هي النصائح «السياسية» التي تعطيها لأكراد سوريا؟

- هم أدرى بأوضاعهم منا نحن. علينا أن نكون حذرين، وأن لا نعطي، نحن في كردستان العراق، الانطباع أننا نتدخل في الشؤون الداخلية السورية. نحن معنيون بما يحصل في سوريا ونعتبر أن القتل والعنف لن يجديا نفعا ونحن قلقون على الضحايا المدنيين الذين يسقطون يوميا. ووجداننا ومواقفنا واضحة، ونقول إن التجربة العراقية مليئة بالعبر، وصدام حسين لم يتمكن من الشعب العراقي لا بالأسلحة الكيماوية ولا بالسجون ولا بالتنكيل. وانتهى زمن الاستبداد والناس يريدون الحياة الكريمة والشعب السوري لا يختلف عن غيره من الشعوب ولن يجدي العنف معه. ونحن نؤيد المشروع الديمقراطي وإصلاحات ديمقراطية حقيقية تنهي سلطة الحزب الواحد ومصادرة الحريات وظاهرة العنف في سوريا. ولن أعطي لنفسي الحق في أن أضفي صفة الديمقراطية على غيري أو أنزعها عنه. الشعب السوري يقرر ذلك والقوى الممثلة للأكراد هم من يحددون الديمقراطيين والحريصين على النظام الديمقراطي المستقبلي في سوريا.

* أنت رئيس حكومة إقليم كردستان.. هل تجد أن الموقف العراقي الرسمي «المركزي» يعكس توجهاتكم أنتم في كردستان؟

- هناك الكثير من المسائل التي لا تمثل فيها الحكومة الاتحادية رؤيتنا. هوشيار زيباري عبر عن الموقف العراقي الرسمي. والدولة الاتحادية صاحبة القرار في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. لكنني كمواطن عراقي، وكرئيس حكومة كردستان، لي الحق بأن أبدي وجهة نظري. وأكرر أننا نرى أن نظام الحزب الواحد انتهى ولن يجدي العنف على الإطلاق في منع شعوبنا في المضي إلى ما يرتضونه.

* أنتم كأكراد عانيتم كثيرا من حزب البعث ومن صدام، وقبل سنوات قليلة طلب العراق من الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في العمليات الإرهابية التي اتهمتم سوريا بالوقوف وراءها. فكيف يمكن تفسير وقوف العراق الرسمي اليوم إلى جانب النظام السوري؟

- إذا كنت سألت إخواننا في بغداد، فقد ينكرون هذه التهمة «دعم نظام دمشق». وهذا السؤال يجب أن يوجه إلى بغداد. «أنا أفهم» هذا الموقف على أنه رغبة في الابتعاد عن التدخل في الشأن السوري. أما موقفنا نحن فقد عبرت عنه كما سبق.

* هل لقاؤنا المقبل سيكون بصفتك رئيسا لحكومة إقليم كردستان أم بصفة أخرى؟

- لدينا اتفاق بين الحزبين «الكرديين» الرئيسيين للتداول على هذا المنصب كل سنتين وهذه المدة تنتهي مع نهاية هذه السنة. وأنا أتمنى أن تنتهي هذه المسؤولية. هي شرف كبير ومسؤولية كبيرة وخلال السنتين الماضيتين قدمت خدمات لشعبي مع زملائي في مجلس الوزراء. ومن سيأتي بعدي لتحمل هذه المسؤولية يستحق مني ومن غيري كل دعم.

أما بخصوص المنصب الآخر، فليس هناك شيء محدد «حتى الآن». ولكنني أؤكد أنني سأبقى ملتزما بمشروع سياسي يهدف إلى تحقيق وتعميق الإصلاحات الديمقراطية المطلوبة في كردستان.

* هل تريد القول إن موضوع تركك رئاسة الحكومة محسوم؟

- من جانبي الشخصي، هذا الأمر محسوم. لا أطلب التمديد ولا أسعى إليه. أنا خدمت سنتين وكانت مدة الخدمة مليئة بالسجالات، وأعتقد أنني قمت بواجباتي تماما.

* ولكن قد لا يطلب رأيكم للتمديد على رأس الحكومة..

- هذا الموضوع افتراضي ولست بصدد مناقشته. الأمر محسوم في قرارة نفسي. ولا أسعى ولا أطلب ذلك.

* هل حسم موقع كردستان داخل العراق بشكل نهائي أم أن الأمر ما زال موضع نظر «وفق الظروف»؟

- إقليم كردستان حسم أمره لجهة الانخراط في مشروع عراق ديمقراطي اتحادي. العراق يقوم «اليوم» على أساس دستور استفتي بشأنه الشعب العراقي، وهو الضامن للوحدة العراقية وباحترام هذا الدستور سيبقى العراق موحدا. ولكن أي انتكاسة في «تطبيق» الدستور أو انتقاص منه سيضرب الوحدة العراقية في الصميم. لن نرجع مرة أخرى إلى الاستبداد ولن نقبل العودة إليه، وأنا لا أتكلم ككردي، وإنما أيضا من منظور أهل البصرة والأنبار وبغداد.. كل كردي يطمح بصدره إلى الاستقلال. ولست بصدد إنكار الحالة الوجدانية لكل كردي. ونحن كغيرنا من شعوب العالم لنا الحق في التمتع باستقلالنا. لكنني أقول مرة أخرى إن الكرد قاموا باختيار دقيق. ربما إبان سقوط صدام كان هناك من يقول للكرد أن انفصلوا عن العراق، وربما كنا منفصلين «فعليا» إذ لم يكن للحكومة المركزية أي حضور في كردستان. وبعد السقوط، عاد الكرد إلى العراق، وهم الآن المنطقة الأكثر استقرار في العراق وأستطيع القول إنهم الأحرص على العراق الديمقراطي، وعلى مستقبل العراق. التقسيم لن يأتي من الكرد، وإذا أتى فسيأتي من أولئك الذين يريدون أن يفرضوا على العراق نظاما مركزيا شموليا لن يقبل به العراقيون والكرد معا.

* لكن الدستور هو نص ويمكن تفسيره بأكثر من وجه؟

- هناك آليات للتفسير والنصوص واضحة حول عراق ديمقراطي اتحادي مع صلاحيات واضحة للمركز وللأقاليم.

* أنت تتحدث عن أقاليم، ولكن في الواقع ليس هناك سوى إقليم واحد..

- نعم.. ولكن هناك آليات لتشكيل أقاليم أخرى. هذا أمر اختياري وليس إلزاميا، وإذا وجدت محافظات تريد تشكيل أقاليم، كما نسمع الآن، فثمة آليات دستورية يتعين السير بموجبها. لكن ستبقى لكردستان خصوصية واضحة لخلفيته التاريخية. ومع ذلك أستطيع القول، وبناء على تجربتي في بغداد (كنائب رئيس الوزراء سابقا)، إن الدولة المركزية فشلت فشلا ذريعا في تلبية مطالب المواطن العراقي من حيث الخدمات. وهناك مطالبات من المحافظات في أكثر من جهة لانتزاع عدد من الصلاحيات الدستورية كي تتمكن من الاستفادة من مواردها لخدمة هذه المناطق والمحافظات. هذه الأنظمة «المركزية» انتهت حتى في الشرق، وأعطيك مثلا على ذلك، الإمارات حيث تغلب اللامركزية. فضلا عن ذلك، فإن تحكم الدولة «المركزية» في مفاصل الدولة قد انتهى أيضا. وتجربة كردستان رائدة لجهة تفعيل القطاع الخاص وللنهوض ببلدنا.

* ولكن مؤخرا وقعتم عقدا مع شركة «أكسون موبيل» للتنقيب عن النفط.. وأنت وصفت العقد بأنه «متكامل وشرعي». لكن نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط انتقداه بقوة وبالتالي ليست هناك موافقة على ما تقومون به..

- صحيح.. ومع الأسف التفسيرات متباينة حول هذا الموضوع. ونحن نختلف اختلافا جذريا مع هذه التصريحات إذ لدينا حقوق دستورية واضحة، حيث ينص الدستور على أن الحقول غير المنتجة تعود إدارتها للأقاليم. وأضيف أن العراق اليوم بحاجة إلى تطوير موارده. وبموجب اتفاق مع رئيس الوزراء، نوري المالكي، توصلنا إلى إنتاج 100 برميل في اليوم عبر الأنبوب النفطي العراقي - التركي وموارده عادت إلى الخزينة المركزية حسب الدستور، وكردستان حصلت على 17 في المائة من هذه العائدات، وبقية أنحاء العراق على 83 في المائة. ولكن مع الأسف الشديد، هناك مغالطات كثيرة ترتكب بحق السياسة النفطية لكردستان، وأغتنم الفرصة لأؤكد التزامنا نص الدستور، وعلى حقوقنا الدستورية، وأقول بكل صراحة إنه لا نستطيع تسليم كل مقادير الاقتصاد ومستقبله إلى حفنة من البيروقراطيين في بغداد ليقرروا ما يريدون. ثم نحن نتساءل عن التأخير عن إقرارا قانون النفط رغم وجود اتفاق سابق على تقديم المشروع إلى البرلمان قبل نهاية هذه السنة، خصوصا أن العراق بحاجة إلى هذا القانون لتنظيم التعامل مع الملف النفطي بشكل واضح.

العراق بحاجة إلى عائدات إضافية للاستجابة للحاجات السكانية ولتمويل عمليات إعادة الإعمار. وكردستان أنتجت هذا العام ما معدله 100 ألف برميل/ يوم والعام المقبل سنصدر 175 ألف برميل وفي عام 2015، ربما سنضيف مليون برميل يوميا على الإنتاج العراقي إذا نجحنا في خططنا. هذا هو المطلوب بعيدا عن السجالات السياسية، أي أن نعمل معا على تعظيم عائداتنا وتسخيرها لخدمة المواطن العراقي.

* متى ستجدون حلا لموضوع كركوك، أم أنها ستبقى موضع تنازع؟

- آلية الحل موجودة في الدستور، وهي المادة 140، التي تؤكد على إزالة سياسات التطهير العرقي «أيام صدام». بعض الخطوات نفذت، ولكننا بحاجة إلى خطوات إضافية. كركوك تجسد المعاناة العراقية. والدولة العراقية الجديدة، لتكون في وئام وسلام مع نفسها وشعبها، يجب أن تزيل تلك المظالم وأن تعود كركوك إلى واقعها القديم، ويخير أهل كركوك في تقرير انتمائهم الإداري على أساس الرجوع إما إلى كردستان أو اختيار حال آخر. أنا أرى – ككردي - أن كركوك جزء مكمل لكردستان، لكن يختلف معي الشقيق العربي أو التركماني. إذن كيف الحل؟ هو في العودة إلى الناس، أي للاستفتاء.

* الذي يقول استفتاء يقول لوائح، والحال أن الخلاف قائم على اللوائح؟

- لدينا آلية لتحديد من هم أهل كركوك الأصليون وقبل سياسة التطهير العرقي.

* كثير من الناس يتخوفون من تعاظم الدور التركي في المنطقة.. ما رأيك في ذلك؟

- تركيا دولة جارة لنا، وهناك تغيير كبير في التعاطي التركي مع كردستان العراق. الشركات التركية والاستثمارات في قطاع الغاز والبنى التحتية تنشط عندنا. وليس عندي شك في أن سياق التعاطي التركي مع كردستان مختلف عما كان عليه سابقا. تركيا دولة ناهضة وقوة اقتصادية كبيرة ونموذج سياسي لا يمكن الاستخفاف به. ومن منظوري – ككردي – لدي ملاحظات هنا وهناك، لكن قوة النموذج التركي للعالم الإسلامي واضحة، ونتمنى أن تتعزز التجربة الديمقراطية في تركيا ومعها الانفتاح، وأملنا أن تصل إلى نتائج حقيقية إزاء المسألة الكردية «في تركيا» وتثبيت هذه الهوية. وأقول إن التجربة العراقية مهمة.

* هل تشير إلى الحكم الذاتي؟

- لا أقصد ذلك. أعني أن الإقرار بالهوية الكردية تثبيت للهوية وليس عكس ذلك. وأكراد تركيا يقررون ما يريدونه من تركيا من خلال أحزابهم وفي برلمانهم. والعنف لن يكون طريقا لمنع الهوية الكردية.

أما بخصوص الدور التركي، فإننا علاقاتنا متوازنة مع تركيا، وكذلك مع إيران. إيران دولة جارة مهمة. التبادل التجاري مع تركيا تجاوز الـ8 مليارات دولار «مع كل العراق». والتبادل التجاري مع إيران يتراوح ما بين 4 و5 مليارات دولار. ونحن نريد أن تتحول كردستان إلى حلقة تواصل بين شعوب هذه المنطقة. ولا نريد أن نكون جزءا من محاور تستخدم ضد الآخر، بل جزءا من نظام إقليمي مستقر يستند إلى الديمقراطية واحترام الحقوق.

* لكن هناك أصوات كثيرة تقول إن النفوذ الإيراني يتعاظم في العراق إلى درجة أن إيران تؤثر على القرار السياسي في العراق وعلى سياسته الخارجية ومن ضمنها سوريا ودول الجوار؟

- أقول لجيران العراق كلهم إن التدخل في الشأن العراقي يعني مزيدا من التعقيد والمشاكل. إيران دولة جارة مع حدود مشتركة تصل إلى 1400 كيلومتر. لديها مشاكل تاريخية وملف العلاقات العراقية - الإيرانية شائك ومعقد. ونرى أن مصلحة العراق هي في علاقات جيدة ومتوازنة مع إيران. لا نريد أن ندخل مرة أخرى في حرب طاحنة مع إيران، ويقينا لسنا بصدد ذلك. وأؤكد أن الأجدر بإيران احترام السيادة العراقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية.

* هذا من حيث المبدأ. وسؤالي يتناول الواقع كما هو اليوم..

- هذه قناعتي، وأريد للعراق أن يكون في حالة سلام وحسن جوار ممتازة مبنية على مصالح سياسية، أمنية واقتصادية مشتركة مع إيران. وإيران دولة مهمة في المنطقة ولها نفوذ، ليس فقط في العراق، ولكن في كثير من الدول. ولكن السؤال يعود للعراقيين ويتناول مدى قدرتهم على تحقيق اصطفاف وطني ومنع أي تدخلات مضرة بالعراق.