الكيب لـ «الشرق الأوسط»: إذا شعرنا بخطر من وجود عائشة القذافي في الجزائر سنطلب تسليمها لنا

رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا: مشاركة المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة سيف الإسلام قيد الدراسة

د. عبد الرحيم الكيب (رويترز)
TT

قال الدكتور عبد الرحيم الكيب، رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا، إن المظاهرات التي شهدتها مدينة بنغازي أول من أمس للمطالبة بتطهير المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الجديدة، تعتبر حراكا شعبيا ممتازا، مؤكدا أن المطالبة بتطهير المجلس والحكومة من أية عناصر محسوبة على نظام العقيد الراحل معمر القذافي لا تمثل أي خطأ على الإطلاق. وأضاف الكيب في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» جرى عبر الهاتف في ساعة مبكرة من صباح أمس من مقره في طرابلس، ودام 30 دقيقة: «لا توجد مشكلة في هذه المطالب، ولو كانت هناك إثباتات ضد أي مسؤول في المجلس أو وزير في الحكومة بما في ذلك أنا شخصيا، آنذاك يجب علينا أن نتخذ موقفا صارما».

وتمثل هذه التصريحات الخاصة أول رد فعل رسمي يصدر عن الكيب في أعقاب المظاهرة الحاشدة التي شهدها أول من أمس ميدان الشجرة في قلب بنغازي، المقر السابق للمجلس الوطني ومعقل الثوار، والتي تعتبر الأولى من نوعها منذ تأسيس المجلس في مارس (آذار) الماضي، وإسقاط نظام القذافي.

وأبلغ رئيس الوزراء الليبي «الشرق الأوسط» أن ثوار مدينة مصراتة طلبوا من تلقاء أنفسهم مغادرة طرابلس بعدما شعروا بانتهاء دورهم، كما كشف النقاب عن أن الكثير من الكتائب الأخرى للثوار ستغادر بكرامتها المدينة. لكنه استدرك قائلا: «وعندها سيطفو على السطح المجموعات الأخرى التي لديها أجندات خاصة بها».

وقال الكيب إن حكومته التي تستعد لبدء محاكمة سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي والمعتقل حاليا لدى ثوار الزنتان، تدرس أيضا إمكانية مشاركة المحكمة الجنائية الدولية من عدمها في هذه المحاكمة.

وقلل الكيب من أهمية وجود عائشة ابنة القذافي في الجزائر بسبب تصريحاتها التي حثت فيها الشعب الليبي على التظاهر ضد المجلس وإسقاط حكومته، لافتا إلى أن هذا الملف لن يعيق التحركات التي قال إنها تجري حاليا لتعزيز العلاقات بين ليبيا والجزائر في المرحلة المقبلة. ومع ذلك قال الكيب إن «الموقف قد يتغير تماما، إذا شعرنا بأنها تسبب خطرا لنا سنطالب بما يمكن فعله معها بما في ذلك تسليمها ومحاكمتها».

* كيف تنظر إلى المظاهرات التي جرت مؤخرا في مدينة بنغازي للمطالبة بالقضاء على الفساد والتطهير؟

- أعتقد أن هذا حراك شعبي ممتاز، وشيء جيد أن يخرج الناس ليعبروا عن رأيهم في إطار ديمقراطي. وكون الناس طالبوا بتطهير المجلس الوطني من أي عناصر يعتقد أنهم محسوبون على النظام السابق فذلك ليس خطأ، خصوصا إذا كان هناك إثبات على أي شخص أنه محسوب بشكل واضح على النظام السابق، بأنه أساء لليبيين عن طريق القتل أو التعذيب أو الاستيلاء على المال العام، فلا بأس من ذلك، دعهم يتكلمون ويتظاهرون، هذا حقهم وعلينا احترامه بشكل كامل.

* أنت إذن لا ترى غضاضة في مظاهرات بنغازي ولا تراها ضد الحكومة؟

- حتى لو كان المقصود بها الحكومة أو كانت بالأساس ضدها، فلا توجد مشكلة. وأنا قلت منذ البداية إنه لو كانت هناك أية إثباتات ضد أي عضو من أعضاء الحكومة بما في ذلك شخصي المتواضع، فليس هناك مشكلة في أن يرحل هذا الشخص أو أن يُطرد فورا ما دام هناك ما يدينه.

* وهل يوجد ضمن حكومتك أحد من فلول النظام السابق؟

- أنا لا أعتقد ذلك، ولكن إذا كان هناك إثبات على أي شخص منا فلا توجد مشكلة.

* هل ترى أن المجلس الانتقالي به بعض فلول نظام القذافي أيضا؟

- دعني أقُل لك شيئا. أنا أعتقد أنه ليس في الحكومة ولا في المجلس الانتقالي أي فلول، ولا يمكن أن يرضى أحد بوجود من أساءوا لليبيا.

* شهدت طرابلس اشتباكات منذ يومين، وقيل إنه كانت هناك محاولة لاغتيال خليفة حفتر، رئيس هيئة الأركان، ماذا حصل، وكيف تنوي حكومتكم تدارك مثل هذه الخلافات مستقبلا؟

- نحن الآن بصدد إعادة بناء الجيش الليبي، وسنعلن عن برامج لمحاولة استيعاب الثوار في وزارتي الدفاع والداخلية، وأيضا ستكون هناك برامج لإعادة تأهيل الشباب، وإتاحة الفرص لهم للتدريب على برامج جديدة تؤهلهم لأن يعودوا للحياة الطبيعية لكي يساهموا في بناء ليبيا الجديدة، وأنا أعتقد أن هذه البرامج ستساهم مساهمة فعلية في إعادة الأمن إلى طبيعته، وأعتقد أن هذا هو برنامجنا، وإن شاء الله سنعلن عنه في الأيام القريبة.

* لكن ما جرى هل كان محاولة لاغتيال اللواء حفتر؟

- إطلاق النار موجود أحيانا ولعدة أسباب، بعض منها يكون مثلا لوجود خلافات شخصية أو لأسباب أخرى غير معروفة. ونحن لا نعرف بالتحديد ماذا حدث وما أسباب وملابسات ذلك، وما زلنا بصدد التحقيق فيه.

* بالأمس كانت هناك اشتباكات بين ثوار الزنتان والمشاشية.

- أجل، هذا صحيح ومؤسف للغاية. لكن نحن بصدد محاولة فهم ماذا حدث والتحقيق فيه.

* يبدو أن ملف الثوار يمثل شبه صداع مزمن للحكومة إذا لم يتم حسمه.

- مزمن؟ لا أعتقد ذلك، ولكن قبل أن نقول لك طبيعة هذا الملف لا بد أن نضع أمام الثوار خيارات أخرى غير حملهم السلاح في الشوارع، وفي البداية تكلمنا عن وضعنا خطة لسحب السلاح من الثوار، وهو أمر لا يتم بجرة قلم أو باتخاذ قرار حتى لا يكون له تبعات سلبية، وبالتالي أخذنا وقتنا. والآن نحن نبحث في برامجنا كيفية سحب السلاح، ومن خلال وضع برامج سنعلن عنها، وستجعل الشباب يتركون السلاح والانخراط في العمل وأنشطة أخرى، ويكون لها مردود إيجابي على حياتهم، وأيضا على مستقبل وعملية إعادة بناء ليبيا الجديدة.

* المجلس المحلي لطرابلس أعلن عن تلقيه مهلة من مكتبك لسحب السلاح، وأنت نفيت المهلة.

- ما حصل كالتالي. لم يصدر أي بيان من مكتبي بتاتا يحدد مهلة مدتها 15 يوما. وأعتقد أنه كان هناك لبس. ولو قرأت البيان المكتوب بالإنجليزية والآخر المكتوب بالعربية والصادر عن المجلس المحلي لطرابلس، ستجد أن ثمة اختلافا بينهما، وترى أن الفقرة الخاصة بتحديد مهلة الـ15 يوما ليست مذكورة في البيان الإنجليزي، ولكن فقط في البيان العربي، فهناك لبس.

* هل تلمح إلى محاولة صدام مبكر بين حكومتك والثوار؟

- لا، بالعكس. نحن علاقتنا مع الثوار جيدة جدا حتى الآن.

* أقصد هل هناك من يحاول افتعال صدام بين الثوار والحكومة؟

- يجوز. فهناك من لديه أجندة خفية، ولكنني لم أشكك في نيات أحد، ونفينا هذا الخبر لأنه لم يصدر عنا، ولو صدر عنا لتبنيناه. صحيح أننا اجتمعنا وتناقشنا بشأن وجود الثوار في مدينة طرابلس، بيد أنه لم يصدر عنا بتاتا أي تحديد للمهلة، إن علاقتنا جيدة جدا مع الثوار، ونعتقد أن لدينا أسلوبا خاصا للتعامل معهم، وعلى سبيل المثل كنا مؤخرا على اتصال مع ثوار مدينة مصراتة، وهم من طلبوا الخروج من طرابلس دون أي ضغوط، وشعروا بانتهاء دورهم إلى حد ما في تأمين مدينة طرابلس، والمحافظة على مكتسبات الدولة، وهناك كتائب أخرى ستخرج بكرامتها وباحترام كامل وبتقدير منا لها على جهودها، وآنذاك ستطفو على السطح المجموعات الأخرى التي لديها أجندات خاصة بها.

* وكأنك تقول إنه ليس كل الثوار سيخرجون بهدوء ولكن هناك من سوف تجبرونهم على الخروج.

- لا. أنا أقول إن الشعب في حد ذاته سيخرج إلى الشارع، وهو يعرف بالتحديد ماذا يريد، ومن يخدم مصلحته ومصلحة الوطن.

* هنا تبدو كأنك تستخدم الرأي العام المحلي في مواجهة الثوار في ظل غياب الجيش؟

- لا بالعكس. الرأي العام قال كلمته وسيقولها مرة أخرى عندما يشعر انه يريد أن يتكلم. أما بالنسبة للجيش فنحن بصدد تكوينه وإعداده، وبإذن الله سيقوم بدوره عندما تكون هناك ضرورة. نحن لا نريد للدماء الزكية أن تهدر مرة أخرى.

* لماذا ملاحقة البغدادي المحمودي آخر رئيس لحكومة القذافي الموجود حاليا في تونس إذا كنا نتكلم عن المصالحة الوطنية؟

- البغدادي المحمودي، هذا رمز من رموز النظام الكبار، وهو أحد الناس الذين أساءوا للشعب الليبي بشكل مباشر، والذين لم يتوانوا قَط في الإساءة إليه واستخدام وإفساد كل ما كان حوله. وكان هناك فساد مالي كبير، وهو على بينة به، وله دور رئيسي وكبير فيه، وهذا شيء واضح لنا، وهو واحد من كبار رموز النظام السابق، وتوجد إثباتات عليه، هناك تسجيلات صوتية وغيرها. والمصالحة الوطنية، كما تعرف، مهمة جدا، فنحن لا نختلف بتاتا في أهميتها، ولكن عندما يصدر قانون العدالة الانتقالية فذلك معناه أن العدالة يجب أن تتحقق، وبالتالي ستكون هناك محاكمات لرموز كبيرة قامت بالكثير من الإساءات للشعب الليبي.

* ما الذي تنوون القيام به ضد عائشة القذافي في سياق تصريحاتها ضد الشعب الليبي وعلاقتكم مع الجزائر؟

- علاقتنا بالجزائر والشعب الجزائري البطل علاقة بعيدة وقديمة. أذكر ونحن أطفال أيام ثورة الجزائر كانت هذه الأخيرة بالنسبة لنا مثلا يحتذى به. وعاش بيننا إخوة وأخوات من الجزائر في تلك الظروف الصعبة في طرابلس، وفي بعض المدن الأخرى، وعاشوا معنا وأصبحوا ليبيين مثلنا، وعلاقتي الشخصية مع الكثير من الإخوة الجزائريين علاقة حميمة وقوية جدا، وهناك علاقات كبيرة وتاريخية بين الشعبين، ونريد أن تكون علاقتنا جيدة مع الجزائر، وهناك تحركات في هذا الاتجاه. ولا أظن أنه ستكون هناك مشكلات في المستقبل. وأعتقد أن الإخوة في الجزائر يعرفون جيدا أن الإساءة إلى الشعب الليبي عن طريق أي من كان غير مقبولة، ولن يرضوا لأي من كان أن يسيء للشعب الليبي. وأتصور بأن هذه الأمور ستنتهي بعد وقت إن شاء الله إن لم يكن في القريب العاجل.

* هل أنتم بصدد طلب تسليم عائشة القذافي لكم؟

- لا أعتقد بأنه سيلحقنا أي ضرر بسبب هذه السيدة التي ذكرتها، إنها لا تسبب لنا أي خطر، ولكن إن شعرنا أنها تسبب خطرا لنا سنطالب بما يمكن فعله معها، بما في ذلك تسليمها ومحاكمتها.

* في البيان الذي أعلنت فيه اعتقال سيف الإسلام القذافي امتنعت عن ذكر اسمه، والآن تمتنع عن ذكر اسم عائشة. ما سبب ذلك؟

- أنا قلت تلك السيدة. وهذا تعبير محترم كما تعلم.

* متى ستبدأ محاكمة سيف الإسلام؟

- هذا سؤال وجيه. ثق أنني سأسال الإخوة المسؤولين عن هذا الأمر، وسنبلغك بشكل واضح عندما تكتمل الصورة لدينا.

* هل ستسمحون للمحكمة الجنائية الدولية بالمشاركة في المحاكمة بشكل أو بآخر؟

- هناك إخوة عاكفون على دراسة هذا الأمر، وسيقدمون لنا تقريرا بشأن ذلك، وسنقرر لاحقا ماذا سنفعل مع المحكمة الجنائية الدولية.

* ماذا عن عبد الله السنوسي، رئيس جهاز المخابرات الليبية الهارب وصهر القذافي، هل هو معتقل أم لا؟

- لا أستطيع أن أؤكد لك خبر اعتقاله إلى أن أتأكد شخصيا من ذلك.

* لكن عبد الله ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، أكد لنا عدة مرات أنه معتقل.

- كما قلت لك. ما زلت لم أتأكد بعد، وعندما أتأكد سأؤكد لك ذلك.

* ماذا تعني بالتأكد؟ هل تقصد رؤيته شخصيا؟

- نعم. مثل المرة السابقة لما ذهبت للزنتان توجهت إلى هناك لسببين. أولا، لرؤية هذا الشخص (سيف الإسلام القذافي) ذهبت لأتأكد أنه معتقل، ومقبوض عليه، وأستطيع إعلان ذلك. والسبب الثاني هو أن أتأكد أنه سليم ومعافى، وبالتالي في هذه الحالة (اعتقال السنوسي) سأتأكد أولا.

* وجهتم مؤخرا نداء للإفراج عن الأرصدة المالية الليبية المجمدة، خصوصا وأنه من دونها لن تفلح حكومتك في عمل أي شيء.

- أجل، صحيح نحتاج إلى هذه الأموال وبشدة في عملية إعادة بناء البلاد التي دمرها وخربها نظام القذافي تماما على مدى أكثر من أربعة عقود.

* هل تلقيتم أية استجابات أم أن هناك من يعترض؟

- هناك وعود جدية، وهناك تجاوب مع طلباتنا، ونعتقد أنه في الفترة القريبة المقبلة سنخاطب مجلس الأمن بشكل مباشر، وأعتقد أننا سنستطيع الحصول عن أموالنا أو جزء لا بأس به منها في فترة قريبة جدا.

* هذا ثاني حوار مطول أجريه معكم. اسمح لي بسؤالك: ماذا اختلف في الدكتور الكيب شخصيا قبل وبعد توليه منصب رئيس الوزراء؟

- ربما الرغبة في مواجهة التحدي زادت لدي، وكذلك إحساسي بأن الشعب الليبي وبلادنا تمر بفترة مهمة في تاريخنا، ولا بد أن نتكاتف ونصبر ونقوم بإنجاز برامجنا حتى نصل بالسفينة إلى بر الأمان.