اقتراح صهر راشد الغنوشي وزيرا للخارجية يثير جدلا بين التونسيين

المنصف المرزوقي يؤدي اليمين الدستورية أمام المجلس التأسيسي أمس بعد انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية (رويترز)
TT

خلق الإعلان عن أن رفيق عبد السلام صهر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية سيكون وزيرا للخارجية التونسية موجة من التعليقات بين مؤيد للخطوة معتبرا إياها في باب المكافأة لأشخاص ذوي مستويات علمية رفيعة ولهم الخبرة الكافية لإدارة مثل تلك المؤسسات بروح جديدة، وبين رافض رفضا قاطعا للفكرة باعتبارها تعيد إنتاج نفس منظومة الحكم في عهد زين العابدين بن علي المبني على القرابة العائلية والمحسوبية. ويشغل عبد السلام حاليا رئيس قسم الدراسات بقناة «الجزيرة» القطرية، وهو متزوج بإحدى بنات الغنوشي.

وقال محمد القوماني, الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية إن الأصل في التعيينات لا ينظر فيه إلى نسب الأشخاص بقدر النظر إلى ذواتهم، ولا يمكن مؤاخذة شخص له كفاءة عالية في إدارة الشؤون العامة لأجل قرابته من زعيم سياسي سيحكم حزبه البلاد خلال المرحلة المقبلة، فقد يكون في ذلك ضيم للشخص وظلم له. واعتبر القوماني أن مؤاخذة العائلات لأسباب عائلية «يعد ضربا من ضروب العقوبة الجماعية التي يحرمها القانون الدولي. وإذا نظرنا إلى الديمقراطيات الغربية يلاحظ أن الأب والابن من بعده بإمكانهما قيادة البلاد مثلما حدث في الولايات المتحدة ولم يعلق أي مواطن أميركي سلبيا على الأمر. إلا أن الموضوع في تونس وخلال هذه المرحلة بالذات يطرح أسئلة كثيرة، وذلك بالنظر إلى حساسية الموضوع في هذا التوقيت بالذات ولالتصاق مسألة تنفذ مجموعة من التونسيين في السلطة بسبب قرابتهم من الحكام، وهذا واضح من خلال حكم بن علي وتقريبه لبطانة كاملة على أساس القرابة من زوجته وسيطرتهم يعد ظلما على مقدرات البلاد».

ويضيف القوماني أن تعيين عبد السلام في منصب وزارة الخارجية التونسية وعلى الرغم من كفاءته العالية كما ذكر قد تكون رسالة سلبية للتونسيين من المفترض تفاديها حتى لا يذهب إلى ظنهم أن «الأقربون أولى بالمناصب»، على حد قوله.

ومن ناحيته, قال نور الدين العرباوي القيادي في حركة النهضة إن اقتراح اسم رفيق عبد السلام لا علاقة له بمصاهرة الغنوشي، بل لكفاءته العلمية الكبيرة. وأضاف العرباوي مدافعا عن هذا الاختيار قائلا إن عبد السلام صاهر الغنوشي وهو محكوم عليه بالإعدام، وكان بالإمكان أن يكون مصيره السجن، ولم يكن يعلم في يوم من الأيام أن حزب الغنوشي سيصل إلى السلطة. وقال إن عبد السلام البالغ من العمر نحو 50 سنة حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، ونشط في السابق في الاتحاد التونسي للطلبة، وهو منتمٍ سياسيا إلى حركة النهضة. إلا أن أمر تعيينه لا علاقة له بمصاهرة الغنوشي، إذ هناك من هم أقرب من عبد السلام إلى الغنوشي ولم يقع اقتراح أسمائهم لحقائب وزارية على الرغم من توفر شهادات علمية رفيعة لديهم. وقالت مصادر إن علي العريض المسؤول في حركة النهضة، وهو سجين سياسي سابق، سيكون وزيرا للداخلية في الحكومة المقبلة التي ينتظر أن يعلن تشكيلها هذا الأسبوع.

وقال العريض لـ«رويترز»: «نعم، اسمي في مقدمة الأسماء المرشحة لهذا المنصب. لائحة الوزراء شبه جاهزة ورئيس الوزراء وحده يمكنه أن يعرضها قبل أن تنال ثقة المجلس التأسيسي».

وأضافت المصادر أن نور الدين البحيري، وهو الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، سيكون وزير العدل المقبل، بينما سيشغل المحامي سمير ديلو، وهو من النهضة أيضا، منصب وزير حقوق الإنسان، وهو منصب جديد.

وحسب نفس المصادر سيكون المناضل الحقوقي والمحامي محمد عبو من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وزيرا مكلفا بالإصلاح الإداري. وسيحافظ وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي على منصبه بعد أن عيّن فيه في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وأدى المنصف المرزوقي الرئيس الجديد للجمهورية التونسية اليمين الدستورية أمام أعضاء المجلس التأسيسي أمس، وذلك بعد حصوله أول من أمس على 153 صوتا من أصوات أعضاء المجلس، وهو ما مثل 71 في المائة من الأصوات. وبدا المرزوقي سعيدا بالمنصب الجديد وهو يعلن أمام أعضاء المجلس عن إدراكه التام لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه خلال هذه المرحلة الانتقالية الثانية المخصصة بالأساس لصياغة دستور جديد للبلاد، ينتظر أن يكون محل جدل قوي بين التيارات الإسلامية الفائزة في انتخابات المجلس التأسيسي والأقلية المعارضة التي تسيطر عليها توجهات يسارية معارضة لتوجه حركة النهضة الإسلامي.

المرزوقي قال إن منصب رئاسة الجمهورية هو «أقصى ما يتمناه ويحلم به إنسان»، وذكر بضرورة البحث عن نقطة التوازن بين المحاسبة والمصالحة في سياسة البلاد. ويعد المرزوقي من بين مؤيدي محاسبة من أجرم في حق التونسيين، وذلك من خلال مجموعة من الحوارات والتدخلات التي نشرت خلال الحملة الانتخابية لحزب المؤتمر الذي كان يقوده.

المرزوقي حاول كذلك الظهور في مظهر المعتدل، وقال إن على التونسيين حماية المتظاهرين إلى جانب حماية المؤسسات، وهو يساند حماية الحريات ويقف ضد من يهددها، ولكن من الجانب الثاني لا بد من حفظ الأمن. وقال كذلك في كلمة مقتضبة أمام أعضاء المجلس التأسيسي إنه مع حماية المنقبات، ولكنه كذلك مع توفير الحماية لـ«السافرات» كما جاء على لسانه في حركة فسرها البعض بأنها تأتي إرضاء لتوجهات الأقلية المعارضة المنادية بالمحافظة على الحريات الفردية والعامة. وبشأن الأقلية المعارضة داخل المجلس التأسيسي، التي رسخت مبدأ الجدل حول كل النقاط المعروضة على أنظار المجلس، قال المرزوقي إنه مع التقييم الصارم لعمل الحكومة الجديدة، إلا أنه دعا المعارضة إلى التحلي بالنزاهة الكافية حتى تكون جزءا من الحل، وأن تسعى إلى اقتراح الحلول عوض إرادة عرقلة برامج الأغلبية التي ستقود البلاد.

وفي لقاء صحافي مقتضب عقب أدائه اليمين الدستورية، قال المرزوقي إنه سيدعو كل الأحزاب السياسية مساء اليوم إلى الاجتماع بنية تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة صاحبة أغلبية الأصوات في نتائج انتخابات المجلس التأسيسي. وكان المرزوقي قد تحول بعد أدائه اليمين الدستورية إلى قصر قرطاج في الضاحية الشمالية للعاصمة حيث عزفت له فرقة عسكرية النشيد الوطني التونسي، والتقى هناك فؤاد المبزع رئيس الجمهورية المؤقت، وأجريت مراسم تسليم السلطة إلى الرئيس الجديد.

وبخصوص الصلاحيات المحدودة لرئيس الجمهورية الجديد، قال نور الدين البحيري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» إن العمل سيكون معتمدا على التوافق ولن يذهب طرف سياسي إلى فرض رؤيته الخاصة على أي طرف آخر إلا بعد مناقشة كل الجزئيات وأخذ رأي الأغلبية حولها. وبخصوص تعيين المرزوقي في منصب الرئيس قال البحيري إنه «من خيرة المناضلين الذين أنجبتهم تونس»، وهو ما يمثل دعما كبيرا للمرزوقي خلال المرحلة القادمة، ومحاولة لخلق علاقة سليمة بين مؤسسة الرئاسة والحكومة الجديدة التي سيقودها الجبالي.

وكانت المعارضة قد قاطعت عملية التصويت لفائدة المرزوقي، وصرح أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي قائلا: «سنصوت بأوراق بيضاء»، وبرر ذلك بأن «خطة رئيس الجمهورية أفرغت من كل محتوى، وأنها غير معلومة الأجل، إذ تبدأ اليوم ولكننا لا نعلم متى ستنتهي، إضافة إلى أن النتائج محسومة قبل عملية الاقتراع على هذا المنصب»، وهو ما اعتبر من قبل الملاحظين رسالة سلبية للأغلبية الحاكمة من قبل الأقلية المعارضة.

وبادر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس بتهنئة المنصف المرزوقي إثر انتخابه رئيسا لتونس، معتبرا أن ذلك يشكل «مرحلة هامة في تعميق المسار الديمقراطي» في تونس، ودعاه إلى القيام بـ«زيارة رسمية» لفرنسا.

كما هنأ أيضا العاهل المغربي الملك محمد السادس منصف المرزوقي بانتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، منوها في رسالة تهنئة بعثها إليه بـ«خصاله الإنسانية الرفيعة، والتزامه الديمقراطي والحقوقي المشهود».

وأشاد الملك محمد السادس بالمسار الديمقراطي الذي انخرط فيه الشعب التونسي بكل مكوناته وتياراته السياسية، معربا للرئيس المرزوقي عن «دعم المملكة المغربية الموصول، ملكا وحكومة وشعبا، لكل الجهود الخيرة المبذولة من أجل تحقيق تطلعات الشعب التونسي الشقيق إلى توطيد دعائم دولة القانون والمؤسسات والحكامة الجيدة، التي تضمن لأبنائها الحرية والكرامة والمواطنة الكاملة وحقوق الإنسان في كل أبعادها».