الانتخابات تطيح برؤوس في الإعلام الروسي

غضب الروس يمتد إلى اللغة قبل الشوارع

رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي يتحدث خلال مؤتمر للحزب في موسكو أمس ( أ ب)
TT

تزامنا مع الانتخابات البرلمانية الروسية، التي انتهت باحتجاجات شعبية، قرر الملياردير إليشير عثمانوف صاحب مؤسسة «كوميرسانت» الإعلامية، إقالة مدير عام الشركة أندري غالييف، ورئيس تحرير مجلة «كوميرسانت - فلاست» التابعة للشركة ذاتها، مكسيم كوفالسكيفي. وعقب صدور هذا القرار، قدم عضو مجلس إدارة المؤسسة ديميان كودريافتسيف، استقالته.

وكان من الواضح أن أسباب حملة الإقالات هذه، كانت نتيجة لمواد وصور نشرتها مجلة «كوميرسانت - فلاست»، التي تعد من أبرز الصحف الرصينة في روسيا، في إطار تغطيتها لاحتجاجات المعارضة الروسية، التي اعتبرت الانتخابات البرلمانية مزورة ويجب إعادتها.

وشرح كودريافتسيف ما يدور من إقالات في المؤسسة، بأنه ناتج عن «الإخلال بالمعايير الصحافية داخل المؤسسة، وقوانين روسيا الاتحادية، إذ تم نشر صور تناقض الأخلاق الصحافية».

ويذكر أن الصور «المخالفة» نشرت في العدد 49 من مجلة «كوميرسانت - فلاست»، وحملت عبارات مسيئة لرئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، ضمن الشعارات التي رفعها ورددها معارضون روس، في الاحتجاجات الأخيرة.

وأثار هذا الحادث تساؤلات كثيرة، حول شرعية هذا القرار الذي اتخذه مالك المؤسسة الإعلامية، إذ إن المجلة بعرضها لهذه الصورة، قامت بعملها الصحافي الطبيعي، وهو نشر الرأي والخبر على حقيقته، دون تحيز أو تعتيم.

وكان هناك شكل جديد من الازدراء والغضب الذي تشهده روسيا وحل اللغز يوجد في اللغة، حيث تسربت الكلمات والعبارات المميزة التهكمية الساخرة إلى المدونات، ثم إلى الأحاديث اليومية، ثم إلى الحوارات الإذاعية حتى وصلت إلى احتجاجات الشوارع التي اندلعت فجأة لتكسر صمت روسيا الطويل. وأضاءت الكلمات المصكوكة الجديدة الطريق وسيتم تكريم أبرز أمثلتها خلال الأسبوع الحالي من قبل هيئة تحكيم مميزة تتولى اختيار كلمة وعبارة وتعبير العام. مع ذلك، هناك كلمة واحدة تكتسب انتشارا يوما تلو الآخر في ظل رفض الشعب وتوبيخه وللسلطات الروسية والسخرية منها. إنها عبارة قديمة اكتسبت معنى جديدا بمرور الوقت، إنها عبارة «فاض الكيل». في وقت من الأوقات لم يكن يفيض الكيل بالروسيين أي كان ما تأتي به الأقدار. وكانت فكرة الاستسلام للقدر هي المشكلة، حيث كانوا يكرسون للسلبية والعجز.

منذ عشرين عاما ومع مشاهدة الروس لانهيار الاتحاد السوفياتي وانزلاق عالمهم نحو هوة الفقر والفوضى، كانت عبارة التعجب التي لم يكن يخلو منها حديث من الأحاديث هي «يا له من كابوس»، فأي شخص يشكو من تسريحة شعره أو شرطي مرور أو سرقة، كنت تسمع ممن حوله هذه العبارة. لكن ما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟

كان الرد المنتشر هو «بوجه عام»، لكن العبارة اكتسبت معنى جديدا يشبه معنى عبارة «لا بد أنك تمزح». لكن يبدو أن الكيل قد فاض بالروس هذه الأيام، فبدلا من الوقوف دون تحريك ساكن، بينما يحدث الكابوس، اتجهوا إلى عدم التسليم بالأمر الواقع. وفي الوقت الذي يواجهون فيه الفساد المستشري والعجرفة والغباء، يقولون: «كفاية، لقد فاض بنا الكيل». وعندما يفيض الكيل بالناس، يعني هذا ضمنا أنهم لن يستطيعوا تحمل المزيد. وتقول أولجا سيفرسكايا، الأستاذة ومقدمة برنامج إذاعي عن اللغة الروسية: «إن هذا من العلامات المميزة لهذا العصر في روسيا. إنه يوضح أنك وصلت إلى آخر مدى، فقد شعرت بالغيظ من كل شيء، ولم تعد قادرا على عمل أي شيء حيال ذلك. نتمنى بالطبع لو أن المرء يستطيع القيام بشيء ما، لكن الأمر يعود إليه في النهاية».

لقد كان الآلاف، الذين تظاهروا يوم السبت ضد ما يعتقدون أنها انتخابات مزورة وضد نظام فلاديمير بوتين، يشعرون بأنهم «يواجهون ما لا يرغبون فيه». ويقولون إنهم سيتظاهرون مرة أخرى خلال نهاية الأسبوع الحالي، ونهاية الأسبوع المقبل. وتعهدوا بعدم تحمل المزيد، بينما يراهن بوتين على تحملهم المزيد.

في زمن الاتحاد السوفياتي، كانت تلك العبارة تعني الحصول على شيء بعد جهد، بينما تطور معناها الآن وأصبح يشير إلى حصول المرء على ما لا يريد. بدأ المعنى الحديث في الظهور خلال العقد الماضي، في أوج عصر الاستبداد الذي كان الروس عازمين على التسامح معه. وشاع استخدام العبارة خلال العام الماضي حتى في الإعلانات مما يدل على التعبير عن الشعور بالازدراء علنا.

وبسبب تاريخ ظهورها، لم تدخل هذه العبارة في منافسة عبارة العام، حيث باركت هيئة تتكون من محكمين اختيروا من قبل المركز الإبداعي لتطوير اللغة الروسية التابع لجامعة بتسبرج، كلمة هي اسم أكثر المدونات الروسية شهرة وهي «روسبيل». وهي تورية لكلمة «مقتطع» لأنه يقال إن البيروقراطيين الروس يقطعون جزءا من كل عقد لأنفسهم. وصك هذا المصطلح أليكسي نافالني، الناشط المناهض للفساد، والذي يقضي حاليا 15 يوما في الحبس بسبب مشاركته في احتجاج الأسبوع الماضي. ويجيد نافالني صك الكلمات المميزة التي تلفت الانتباه، حيث صك تعبير العام الذي اختارته هيئة التحكيم وهو «حزب المحتالين واللصوص» في إشارة إلى حزب روسيا المتحدة الذي أسسه بوتين.

وتولى ميكيل إيبشتاين، الأستاذ الروسي في جامعة إيموري في أتلانتا، مسؤولية تنظيم التحكيم. وكان من بين أعضاء هيئة التحكيم علماء لغة قديمة وكتاب ومثقفين ومنهم سيفرسكايا. رغم أن النتائج الرسمية المسيسة سوف تعلن يوم السبت، يقول إيبشتاين إن الاختيار تم في نوفمبر (تشرين الثاني) قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 4 ديسمبر (كانون الأول). وعبارة العام هي «لقد صوتت مستشفى المجانين لبوتين». وقال في مقابلة تمت عن طريق الهاتف من إنجلترا: «لقد كانت في ضمير الناس». تنبأت قائمة الكلمات بالزلزال المدوي الذي كان على وشك الحدوث، حسب تقرير لـ«واشنطن بوست».

وأضاف: «لقد انتزعت المبادرة اللغوية من فك السلطات». وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها منذ عهد ليونيد بريجنيف، حيث كان يتولى المثقفون فقط الاختيار. ويوضح إيبشتاين قائلا «أينما يحدث ضغط دعائي قوي على اللغة من أعلى، يحوله الروس إلى محاكاة ساخرة. الفرق هذه الأيام هو تراجع انتشار هذه المحاكاة الساخرة في العلن. ويبدو أنهم مستعدون لهذا الآن. هذه المرة من الكلمات التي تشارك في المسابقة في دورتها الخامسة (تويتر) و(فيس بوك) و(ويكيليكس). وقد دخل فعل (تويتت)، (يكتب رسالة على «تويتر») بعد إضفاء اللكنة الروسية له ليصبح (تفي نوت)، حيث تفضل اللغة الروسية اقتراض الكلمات لا اختراع كلمات جديدة. ولا يحب إيبشتاين هذا، لكن لا يملك سوى أن يقر بهذا الواقع».

لو كان المحكمون قد تقابلوا الشهر الحالي بدلا من الشهر الماضي، كان سيكون هناك الكثير من الكلمات المتنافسة على القائمة على حد قول إيبشتاين. من تلك الكلمات «كاروسيل» التي تشير إلى نظام التصويت الدوار، الذي تشارك فيه مجموعة من الشباب تنتقل من مركز اقتراع إلى آخر ليدلوا بأصواتهم في كل منها. وقد دعم هذا كلمة أخرى هي «الشريط الأبيض» الذي بات رمزا للاحتجاجات الروسية.