دبلوماسي أميركي لـ «الشرق الأوسط» : ميقاتي نجح في عدة اختبارات وتنتظره أخرى.. والأسد غير عقلاني

الولايات المتحدة تتخوف من عدائية حزب الله حيال سفارتها في بيروت

دعوات للمساعدة في بلدة قصير على الحدود اللبنانية في صورة مأخوذة من موقع «أوغاريت»
TT

لمح مصدر دبلوماسي أميركي رفيع المستوى إلى أن واشنطن لا تعارض بقاء الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة نجيب ميقاتي الذي «نجح في الكثير من الاختبارات»، مشيرا إلى أن بلاده تشجع سلوك «الوسطيين» في لبنان، موضحا لـ«الشرق الأوسط» وجود 4 ثوابت أميركية في التعاطي مع الشأن اللبناني، أهمها «تحييد لبنان عن تداعيات الأزمة السورية وإبقاء الحكومة بعيدة عن سيطرة حزب الله».

وإذ نفى المصدر ما تردده وسائل إعلام حزب الله عن نشاط الاستخبارات الأميركية عبر سفارة واشنطن لدى لبنان، أكد أن الولايات المتحدة «حذرة جدا أمنيا» دون أن يسقط احتمال أن يكون هذا التصعيد الإعلامي مقدمة لعمل أمني ضد السفارة.

وقال المصدر: «نحن أخذنا في البداية مسافة من الرئيس ميقاتي بسبب ظروف تكليفه، لكن ميقاتي وحلفاءه داخل الحكومة نجحوا في تحييد لبنان عن الوضع في سوريا حتى الآن، كما نجحوا في تمرير استحقاق تمويل المحكمة الدولية. وعلى الرغم من «خطأ» وقعوا فيه عبر التصويت في الجامعة العربية ضد القرار بحق سوريا في بادئ الأمر، لكنهم تجاوزوا هذا الخطأ لاحقا»، مشيرا إلى أن هذا أعطى انطباعا بأن «حزب الله لا يسيطر بالضرورة على الحكومة اللبنانية، مما مكن الولايات المتحدة من متابعة تعاونها مع المؤسسات اللبنانية في مجالات خاصة بالشؤون الاجتماعية وفي مجالات التعاون العسكري مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى.

وإذ اعترف المصدر بأن ميقاتي «نجح في الكثير من الامتحانات»، أكد أن «ثمة امتحانات أخرى مهمة وكثيرة تنتظره في المستقبل». ورأى أن الثلاثي «الوسطي» المؤلف من (رئيس الجمهورية العماد ميشال) سليمان و(النائب وليد) جنبلاط وميقاتي نجح إلى حد كبير في ضبط المسار الحكومي.

وإذ لاحظ المصدر مؤشرات إيجابية أميركية حيال ميقاتي الذي سلمه نائب وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان رسالة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هي الأولى منذ تسلمه منصبه في رئاسة الحكومة اللبنانية. أوضح أن فيلتمان ركز خلال لقاءاته اللبنانية على أهمية «حماية استقرار لبنان في ضوء الوضع السوري الذي لا يمكن التنبؤ بمساراته ونتائجه المستقبلية، بالإضافة إلى أهمية حفاظ النظام المصرفي اللبناني على سلوكه الحالي «الإيجابي جدا» وتطبيق العقوبات الحالية والمستقبلية في حق النظام السوري، بالإضافة إلى مراقبة عملية انتقال الأموال بين البلدين والتأكد من مطابقتها القواعد المعتمدة في هذا المجال وعدم وجود أموال لشخصيات مشمولة بالعقوبات.

كما شدد فيلتمان على ضرورة أن يفي لبنان بالتزاماته الدولية في تقديم الحماية والمأوى للاجئين السوريين الهاربين إليه، حتى الجنود الذين رموا السلاح ورفضوا إطلاق النار على المتظاهرين وعدم تسليم هؤلاء إلى السلطات السورية.

وأكد المصدر أن فيلتمان «لم يأتِ بوصفة أو بسيناريو حول الوضع الحكومي»، موضحا: «هو (فيلتمان) لم يقُل ما إذا كانت هذه الحكومة يجب أن تبقى أو أن تذهب، لكننا مهتمون جدا بالاستقرار اللبناني وبتحييد لبنان نفسه عن الأزمة السورية، وإذا كان هذا يعني بقاء الوضع القائم». وقال المصدر: «ما دام الوسطيون يستطيعون المحافظة على الاستقرار فمن المفيد أن يعملوا معا، والولايات المتحدة مع أي شيء يدعم الاستقرار اللبناني». وأشار المصدر إلى أن رئيس الحكومة اللبنانية أبدى بوضوح حرصه على «تحصين» لبنان في ضوء الأزمة السورية، وهذا هو التصرف العاقل والإيجابي.

ونفى المصدر أن يكون اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري «عاصفا». وقال: «كان هناك اختلاف في وجهات النظر مع بري، فهو لن يقول إن النظام في سوريا ذاهب إلى السقوط أو يجب أن يسقط، لكنه كان لقاء مفيدا جدا».

عنوان آخر مهم ركز عليه فيلتمان في لقاءاته اللبنانية، هو المخاوف المسيحية بشأن وجود الأقليات في المنطقة في ضوء المتغيرات في سوريا. وأشار إلى أن الولايات المتحدة – بخلاف فرنسا – لا تنظر إلى هذا الموضوع من منطلق ديني، لكنها تشدد على ضرورة حماية الأقليات في المنطقة. وقال إن فيلتمان أجرى «عملية تقييم معمقة لوضع المسيحيين في سوريا»، ملاحظا أن المسيحيين «يراجعون الآن مواقفهم التي كانت أكثر تشددا في البداية لجهة الخوف من سقوط النظام. وكشف المصدر عن أن فيلتمان اجتمع مع أكاديميين مسيحيين بحث معهم هذا الملف «ولم تكن النظرة سلبية كما كانت منذ أشهر»، مشيرا إلى أن فيلتمان قال لـ«الخائفين» من سقوط النظام في سوريا: «خلال الاحتلال السوري للبنان لم يكن بشار الأسد مثاليا في الحرص على المسيحيين». وشدد المصدر على أهمية إيجاد حل لموضوع الأقليات في خضم «الربيع العربي» القائم، مؤكدا أن هذا ما تعمل من أجله الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

وعن إمكانية تصدير النظام السوري الأزمة إلى لبنان، مما قد يؤدي إلى اهتزازات أمنية وسياسية، قال الدبلوماسي الأميركي: «إن المخاوف موجودة دائما مع هذا النظام، فـ(الرئيس السوري بشار) الأسد لا يتخذ دائما قرارات عقلانية، وما جرى من ملابسات في المقابلة التلفزيونية الأخيرة خير دليل على ذلك. قد يقومون بأي شيء ولهذا من المفيد الحرص على تحييد لبنان».

وإذ رفض المصدر الخوض في الخلفيات التي دفعت حزب الله إلى القبول بتمويل المحكمة، قال: «ربما هو (حزب الله) لا يريد سقوط الحكومة وكذلك سوريا»، مشيرا إلى وجود انطباع بأن النائب جنبلاط «يعيد حساباته في هذا الشأن».

وخلص المصدر إلى 4 اهتمامات تستحوذ على الحركة الأميركية في لبنان، أولها: موضوع المصارف، وثانيها: المواضيع الأمنية وأهمية الحفاظ على تحييد لبنان، قائلا إن الولايات المتحدة لا تطلب من الجيش اللبناني الصدام مع الجيش السوري، لكن على الأقل الحفاظ على الحدود. أما ثالث الاهتمامات فهو تهدئة التوتر السني – الشيعي، ورابعها إبقاء الحكومة بعيدا عن سيطرة حزب الله.

ورأى المصدر أن التقديمات اللبنانية للاجئين السوريين – بطريقة أو بأخرى – كافية حتى الآن، لكن وضع اللاجئين قد يصبح أكثر تعقيدا إذا حصل تدفق كبير للاجئين إلى لبنان، وهو ما قد يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل.

ونفى المصدر الأميركي ما يقال عن تورط للاستخبارات الأميركية في الشأن اللبناني والتجسس على حزب الله، كما أفادت وسائل إعلام تابعة للحزب، مشيرا إلى أن حزب الله هو «منظمة بدأت حياتها عبر هجوم استهدف السفارة الأميركية في بيروت عام 1983»، مؤكدا أن هذا الكلام هو للتغطية على قلق الحزب في ما يخص الملف السوري ومحاولة لتحويل الأنظار عن الأزمة القائمة في هذا الصدد.

وإذ أبدى المصدر تخوفه من أن يكون تسليط الضوء على السفارة الأميركية في بيروت مقدمة لعمل أمني ما ضدها، قال: «نحن حذرون جدا أمنيا، وهم لديهم عدائية كبيرة تجاهنا وندرك ذلك تماما، خصوصا في ضوء عملية إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل والتفجير الذي استهدف القوة الدولية في جنوب لبنان، ولهذا نحن نراقب الوضع بانتباه شديد».

من جهتها، رفضت الناطقة باسم وكالة الاستخبارات الأميركية، جنيفر يونغبلود التعليق على ما وصفته بـ«المزاعم الكاذبة» من قبل حزب الله الذي كشف عن أسماء ضباط الوكالة الذين يعملون في لبنان.

وقالت يونغبلود إن الـ«(سي آي إيه) لا تتعامل مع مزاعم كاذبة من مجموعات إرهابية. وأظن أنه من الجدير تذكر أن حزب الله هو منظمة إرهابية خطيرة، و(قناة) «المنار» هي جناحها الدعائي. هذه الحقيقة وحدها ينبغي أن تلقي ببعض الشكوك حول مصداقية مزاعم المجموعة».

ورفضت يونغبلود التعليق عما إن كان التقرير الذي بثه تلفزيون «المنار» صحيحا أو إن كان للوكالة ضباط يعملون في لبنان سيتم سحبهم من البلاد.

وكان النائب من حزب الله، نواف الموسوي أعلن أن «هناك طبيبا وصحافيا وباحثا تم تجنيدهم لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية»، داعيا من تعاملوا مع الأجهزة الأميركية إلى أن «يبادروا إلى تسليم أنفسهم إما إلى الأجهزة اللبنانية أو إلى جهاز المقاومة». وقال: «بمجرد أنهم أصبحوا في دائرة الضوء يعني أننا وصلنا إلى ما نريده، أما الملاحقة القانونية فهي أمر آخر»، واعتبر الموسوي «أن محطة الـ(سي آي أي) في لبنان هي من أهم المحطات لإسرائيل..».