قوات سورية تقتحم حماه لفك الإضراب.. وتخلف عشرات القتلى والجرحى

إضراب الكرامة في مرحلته الثانية: إغلاق شوارع ومداخل حارات > كمين للمنشقين يوقع 10 قتلى من جنود الحكومة

TT

قال نشطاء إن قوات سورية مدعومة بالدبابات قتلت ما لا يقل عن 10 أشخاص عندما اقتحمت مدينة حماه أمس، لفك إضراب عام استمر ثلاثة أيام دعما للاحتجاجات المستمرة منذ تسعة أشهر تسببت في توقف أغلب الأعمال. ودخل الإضراب الذي يطلق عليه، «إضراب الكرامة»، مرحلته الثانية أمس، بعد نجاح المرحلة الأولى بحسب المنظمين، بنسب غير متوقعة. ويسعى السوريون في المرحلة الحالية لإغلاق الشوارع ومداخل الحارات بشكل جزئي وللذهاب إلى أعمالهم على أن يكونوا أداة تعطيلية خلال الدوام فلا يقومون بالمهام المطلوبة منهم.

وفي أول توغل مدعوم بالمدرعات في حماه منذ هجوم بالدبابات في أغسطس (آب) أنهى احتجاجات حاشدة في وسط المدينة دخلت قوات الجيش أحياء إلى الشمال والشرق من نهر العاصي الذي يقطع المدينة التي تبعد 240 كيلومترا شمال دمشق وفتحت نيران مدافعها الرشاشة ونهبت وأحرقت المتاجر المغلقة.

ووردت أنباء عن وقوع إصابات كثيرة بين المدنيين في حي الحميدية. وقال نشطاء على اتصال بالسكان إن متمردين حاولوا وقف تقدم القوات عند جسر الحديد وترددت أنباء عن تدمير عربتين مدرعتين. وقال ناشط من حماه يدعى عمر ويعيش في دمشق في اتصال هاتفي مع «رويترز»، «كانت الحميدية شوكة في جنب النظام. إنها منطقة قديمة قرب مزارع وبها كثير من الأزقة مما ساعد على استمرار الاحتجاجات هناك». وشهدت حماه الواقعة على الطريق السريع بين دمشق وحلب أكبر مذبحة في تاريخ سوريا الحديث.

وحسب مراقبين للأوضاع فإن الوضع يبدو سيئا للغاية بسبب إحكام الجيش السوري وعناصر الأمن والشبيحة الطوق في محيط المدينة وعلى المداخل باقتحام أحيائها من كل الاتجاهات. وأعلن عضو «مجلس ثوار حماه» أبو غازي الحموي، أن «ثلاث دبابات تمركزت ظهر أمس في القلعة وصوبت مدافعها باتجاه الأحياء». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيش السوري يحاصر حيي الحميدية والشرقية بالدبابات والمدرعات، في حين اعتلى عناصر الأمن أسطح المباني الحكومية العالية وركزوا قناصتهم وبدأوا إطلاق النار على الأهالي كردّ على الإضراب الذي التزمت به المدينة بالكامل، وترافق ذلك مع اقتحام حي العليلات وصولا إلى دوار كازو، في حين دوّت انفجارات في حي الصابونية بوسط المدينة وحي الشريعة في جنوبها، ويرجّح أن هذه الانفجارات عبارة عن قنابل صوتية بهدف إخافة الثوار والأهالي وتسهيلا لعملية الاقتحام».

من جهة ثانية، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن نحو 10 جنود سوريين قتلوا في كمين نصبه منشقون في ريف حماه شمال العاصمة السورية. وأوضح المرصد أن «نحو عشرة جنود من الجيش النظامي السوري قتلوا في كمين استهدف أربع سيارات (جيب) عسكرية على مفرق قرية العشارنة بريف حماه من قبل مجموعة منشقّة»، مؤكدا أن «الهجوم جاء ردا على مقتل خمسة مواطنين سوريين خلال استهداف سيارتهم من قبل قوات الأمن السورية صباح اليوم (أمس) قرب بلدة خطاب في محافظة حماه».

وفي تدهور جديد للأوضاع قام بعض الشباب من الناشطين في حي العسالي والمادنية بدمشق بإغلاق الطريق العام، وقامت السلطات باستخدام سيارات الإطفاء لفتح الطريق. وشهد حي برزة تجاوبا مع الإضراب في المرحلة الأولى. وفي المرحلة الثانية تمت الاستعانة بسيارات إطفاء لفتح بعض الشوارع، كما قام الثوار في حي ركن الدين بإغلاق بعض الحارات، وحصلت مواجهات بين السلطات والأهالي الذين شاركوا في إغلاق الحارات. وفي حلب حوصر طلاب كلية العمارة داخل جامعة حلب، وجرى ضرب واعتقال الطلاب في الحرم الجامعي بعد تنفيذهم اعتصاما تضامنا مع المدن المحاصرة والمنكوبة.

إلى ذلك، أعرب عضو المجلس الوطني السوري عضو اللجنة المنظمة للإضراب العام محمد سرميني عن «تقديره الكبير للمشاركة الواسعة لمختلف فئات المجتمع السوري في الإضراب»، لافتا إلى أن «المرحلة الأولى منه حقّقت أكثر مما هو متوقع». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نشهد على الإبداع في تطبيق الإضراب، فالسوريون يقفزون فوق المراحل وقد تجاوزوا في محافظات إدلب وحمص وحماه المرحلة الثالثة بنسبة نجاح 100 في المائة».

وأثنى سرميني على «مشاركة جامعتي حلب ودمشق وبفعالية بالإضراب وبالتحديد كليات الهندسة والطب والاقتصاد»، لافتا إلى أن «تعديلات ستدخل على برنامج الإضراب أبرزها الدعوة لعدم إضراب الأفران، والمستشفيات والمحال التي تبيع مواد غذائية على أن تفتح فقط لـ4 ساعات يوميا». وأضاف: «في المرحلة المقبلة سنركّز جهودنا على قطاع التعليم، ونحن بصدد إطلاق حملة (لن أتعلم في شوارع الرصاص)، لدعوة التلامذة للإضراب التام عن الدروس».

وتحدث سرميني عن «صعوبات جمّة تواجهها المعارضة بإطار الدعوة للإضراب، أولها، بنشر ثقافة العصيان المدني في مجتمع يُراد له عسكرة الثورة، ثانيها، الأوضاع الأمنية الصعبة، وثالث الصعوبات، الجهد والعمل الضخم الذي يتطلبه حثّ الجماهير على الالتزام بالإضراب»، وقال: «على الرغم من كل محاولات الشبيحة لإرغام الناس على فتح محالهم من خلال تكسيرها وإحراقها نرى تمسكا أكثر فأكثر من قبل السوريين بسلمية الإضراب والحراك ككل وبالمقابل نلمس إرهاقا لدى النظام الذي يواجه السلمية بعنف».

وعدّد سرميني أهداف الإضراب، قائلا «الهدف الأبرز الوصول لحالة من العصيان المدني في أول أيام السنة الجديدة، أما الأهداف الأخرى، فسحب الجيش وقوى الأمن من الشوارع، والإفراج عن المعتقلين، وتوحيد مواقف الفئات الاجتماعية كافة وفي مختلف المدن السورية، وإيصال رسالة لجامعة الدول العربية ومجلس الأمن والأمم المتحدة لحسم مواقفهم تجاه سياسة القتل التي ينتهجها النظام السوري».

وتسعى المعارضة السورية لإطلاق حملة واسعة لشرح مراحل الإضراب والهدف منه ومن العصيان المدني وهي لهذه الغاية كثفت من دعواتها على صفحات التواصل الاجتماعي، وكتب الناشطون على صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد 2011» على «فيس بوك»: «الإضراب، سلاحنا التصعيدي في مواجهة تخاذل العالم، حريتنا نقتلعها بأيدينا، ولا نستجديها من أحد.. هل تخاف من رصاصهم؟ هل تخشى الاعتقال والتعذيب؟ لا عليك، في الإضراب، كل ما عليك أن تفعله، هو أن لا تفعل شيئا.. توقف عن الذهاب إلى العمل، توقف عن استخدام الهاتف الجوال، أغلق محلك، واجلس مع أطفالك».

أما مراحل الإضراب وكما فصّلها سرميني لـ«الشرق الأوسط»، فتبدأ بمرحلة أولى، يتخللها «إضراب عام في كل القطاعات من الساعة الثامنة صباحا حتى الثانية ليلا مع امتناع التلامذة عن دخول مدارسهم، المرحلة الثانية، تقتضي بدء إغلاق الشوارع ومداخل الحارات بشكل جزئي، وإغلاق الجوال من الساعة الثانية حتى السادسة مساء وبدء الذهاب للوظيفة على أن يكون الناشطون أداة تعطيلية خلال الدوام فلا يقومون بالمهام المطلوبة منهم».

أما المرحلة الثالثة بحسب سرميني، التي تنطلق في 17 من الشهر الحالي، فتضرب خلالها المحال التجارية، على أن تضرب الجامعات في المرحلة الرابعة في 21 من الحالي. وينتقل الإضراب في مرحلته الخامسة لوسائل النقل مع إغلاق طرق المدن المؤدية للأرياف إلى أن يُضرب في المرحلة السادسة والتي تنطلق في 27 من الشهر الحالي، موظفو القطاع العام. وينتهي الإضراب آخر الشهر الحالي بإغلاق الطرق الدولية كمدخل لعصيان مدني شامل أوائل أيام السنة الجديدة.