العقوبات التركية على سوريا تؤثر على البلدين

التبادل التجاري وصل عام 2010 إلى 2.5 مليار دولار.. والآن قد يصل إلى الصفر بعد المقاطعة

مظاهرة في حمص بحي الخالدية (أوغاريت)
TT

خيم صمت غير مألوف على السوق القديمة لهذه المدينة القديمة «غازي عنتاب» بعدما كانت تشهد ثرثرة صاخبة من جانب السوريين الذي يقايضون بضائعهم، ولم يعد هناك ما يشير إلى وجود نحو 40 ألف سوري كانوا يتوافدون كل شهر إلى مركز «سانكو بارك» التجاري هنا لشراء الأحجبة أو أحذية «غوتشي» بأسعار مخفضة، كما لم تعد هناك حاجة لمزيد من الإعلانات العامة باللغتين التركية والعربية. وكان العديد من السوريين يأتون إلى هنا من مدينة حلب التي تعد أكبر المدن السورية والتي تقع على بعد 60 ميلا فقط.

وقال أركان ناكاروغلو، وهو يلقي نظرة على متجره للمجوهرات: «إننا نفتقد السوريين ونتمنى أن تنتهي الأزمة السورية لأنها تقضي على الاقتصاد المحلي».

وقبل عام فقط من الآن، كانت تركيا وسوريا حليفين رئيسيين، حيث إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا كان يسعى لتوسيع النفوذ الاقتصادي للبلاد حتى تصبح قوة إقليمية. وتعد الحدود التركية - السورية التي تصل إلى 500 ميل أطول حدود لتركيا؛ وخلال الإمبراطورية العثمانية كانت مدينة غازي عنتاب جزءا من مدينة حلب. ومن جانبها، لا تزال سوريا متأثرة بالنفوذ التركي، بدءا من العمارة العثمانية وحتى الشعبية الكبيرة للمسلسلات التركية هناك. وكان التبادل التجاري بين البلدين قد قفز بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2006 ليصل إلى 2.5 مليار دولار في عام 2010.

وقد حاول مسؤولون أتراك منذ شهور إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بوقف حملة القمع العنيفة ضد المدنيين الذين بدأوا الاحتجاجات في شهر مارس (آذار)، ولكنهم اتخذوا تدابير ضد الحكومة السورية في نهاية المطاف.

وقد بدأت العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالإضافة إلى التدابير الصارمة التي فرضتها تركيا نفسها، بما في ذلك تجميد أصول الحكومة السورية.. بدأت تخنق نظام الرئيس الأسد ولكن ببطء شديد. ومع ذلك، يشكو رجال الأعمال هنا من أن هذا التوتر في العلاقات يؤثر على الجانبين.

ويوم الاثنين الماضي، تظاهر أكثر من 150 من سائقي الشاحنات التركية بعدما أجبروا على ترك سياراتهم في سوريا والسير إلى الحدود التركية؛ وقامت دمشق بإغلاق المعبر القريب من مدينة أورفة في شرق تركيا. وقال السائقون لقناة «إن تي في» التركية للأخبار إن لصوصا سوريين قد سرقوا إطارات وبطاريات سياراتهم. وقد بدأت الشركات التركية، التي كانت تعتمد على سوريا كطريق في عبورها إلى الشرق الأوسط، في شحن بضائعها عبر العراق والبحر الأبيض المتوسط بدلا من ذلك.

وقد قامت سوريا الأسبوع الماضي بتعليق اتفاق التجارة الحرة مع تركيا من جانب واحد، وقررت الانتقام من العقوبات التركية من خلال فرض ضرائب تصل إلى 30 في المائة على السلع التركية التي تدخل سوريا، وردت تركيا على ذلك بالمثل.

وهنا في هذا المركز الصناعي الكبير الذي يضم 1.7 مليون شخص، يشكو الجميع بدءا من بائعي الزيتون وحتى أصحاب تكتلات النسيج الكبيرة، من أن التغيرات التي طرأت على الجغرافيا السياسية كانت لها آثار سلبية على رجال الأعمال، حتى لو كانت سوريا - كما صرح وزير الاقتصاد التركي ظافر كاجلايان الأسبوع الماضي - تعاني أكثر من تركيا التي تعد ثاني أكبر سوق للصادرات بعد الصين.

وقد تأثر البائعون الأتراك بصورة أكبر من المشترين؛ وصلت الصادرات السورية إلى 0.3 في المائة فقط من إجمالي الواردات التركية العام الماضي، في حين وصلت الصادرات التركية لنحو 10.6 في المائة من إجمالي الواردات السورية.

وقد أدى قرار تركيا بأن تكون هي الصوت الذي يعبر عن الغضب الإقليمي ضد الحكومة السورية إلى انقسام في هويات البعض في المدينة التي تمتزج فيها الثقافة التركية والعربية منذ عدة قرون.

ويشعر إيمر هاديموغولاري (22 عاما)، وهو طالب في كلية الهندسة بقسم الكهرباء في غازي عنتاب، بالغضب الشديد من سياسة الحكومة التركية تجاه سوريا، لدرجة أنه أطلق لحيته احتجاجا على ذلك. وينتمي هاديموغولاري إلى العلويين، وكان أجداده قد أصبحوا أتراكا عندما انفصلت مدينته، سمندج، التي كانت جزءا من سوريا في السابق وانضمت إلى تركيا في عام 1923. وقال هاديموغولاري إن هناك صلة قرابة بالأسد لأنه علوي هو الآخر، وأضاف أنه يعتقد أن هناك مبالغات في التقارير الواردة بشأن الفظائع التي ترتكب في سوريا. وقال إنه يتعين على تركيا التوقف عن القيام بدور الشرطي في المنطقة. وأضاف: «يتعين على تركيا أن تهتم بشؤونها الخاصة وأن تتوقف عن التدخل في شؤون بلد آخر».

وقال حسين قيبيد، وهو محلل في مجال التسويق من مدينة حلب وأحد السوريين القلائل الذين ما زالوا في غازي عنتاب، إن الأزمة لم تؤثر على علاقته مع أصدقائه الأتراك، على الرغم من أنه يتجنب الحديث عن السياسة في هذه الأيام. وأضاف أن العقوبات التركية تؤثر على كل المواطنين السوريين، بما في ذلك المتظاهرون الذين تدعي أنقرة أنها تقدم الدعم لهم، وأشار إلى أن «العقوبات لن تحل أي شيء، حيث إن التداعيات تزداد على الجميع».

من جانبهم، تساءل رجال الأعمال الأتراك هنا عن الحكمة وراء هذه العقوبات، على الرغم من اعترافهم بأنه لا يمكن أن تمر وحشية الأسد مرور الكرام.

وقال سينغيز أكينال، وهو نائب رئيس شركة «أكينال بيلا» للأحذية الذي يقوم باستيراد بعض المستلزمات من سوريا، إن زيادة الضرائب التركية على السلع الآتية من سوريا تجبره على استيراد مستلزمات الأحذية من الصين. وعلى الرغم من ذلك، هناك جانب إيجابي لتلك القرارات؛ حيث إن الشركات في الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والتي قاطعت الأحذية السورية قد تحولت لشراء الأحذية من شركته.

وقال أكينال، الذي كان أجداده يستوردون الجلود من سوريا أيام الإمبراطورية العثمانية ويقومون بتصميم الأحذية للسلاطين، إن شركة «أكينال بيلا» التي تصدر نحو 70 في المائة من منتجاتها من الأحذية لدول الشرق الأوسط، قد استفادت بشكل رائع من تودد تركيا للعالم العربي، لكنه حذر من أن موقف تركيا الحازم في الآونة الأخيرة قد يأتي بنتائج عكسية.

وقال أكينال: «أود أن تنتهي الاحتجاجات في سوريا، لأن العلاقات السيئة مع دول الشرق الأوسط ليست في صالح الأعمال».

وقال بعض رجال الأعمال إنهم يتوقعون أن يستغرق الأمر سنوات حتى تستطيع الدول التي شهدت الربيع العربي، مثل مصر وليبيا، أن تتمتع بالاستقرار وتتمكن من إعادة بناء اقتصاداتها وتصبح أسواقا جاذبة للاستثمارات.

ويقول محمد علي موتافوغلو، وهو نائب رئيس مجموعة «أكتيكس» للغزل والنسيج التي تملك مصنعين في سوريا لإنتاج منتجات مثل الغزل الاصطناعية والقطن، إن الشركة تقوم بتصدير منتجاتها للسوق السورية وكذلك إلى أوروبا والشرق الأوسط. وكان الاقتصاد السوري غير المستقر قد أدى إلى حدوث كساد في الطلب هناك بنسبة 40 في المائة منذ شهر مارس (آذار) الذي شهد الشرارة الأولى للاحتجاجات السورية.

وقال موتافوغلو، الذي يسافر بانتظام إلى مصانعه في سوريا، إنه قد لاحظ فتورا لافتا في الحماسة تجاه تركيا، بعد أن كان هناك حماس كبير منذ بضعة أشهر فقط، حيث كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يمثل الوجه الحديث للإسلام في العالم. وأضاف: «قبل الأزمة، كان السوريون يحبوننا. ولو كان أردوغان رشح نفسه في الانتخابات في سوريا، لكان فاز بنسبة 99 في المائة من الأصوات، أما الآن فربما يحصل على واحد في المائة فقط».

وقال فيتولا أسكن، وهو المدير العام لشركة «ألتينولوك» للسياحة هنا التي كانت ترسل أربع حافلات يومية بين حلب وغازي عنتاب، إن جميع الحافلات بين المدينتين قد توقفت الآن بسبب المخاوف الأمنية. ولكي يقوم بتعويض ذلك التراجع، تعمل الشركة على زيادة رحلاتها إلى مكة المكرمة. وعلى الرغم من التضحيات الاقتصادية، فإن أسكين قال إن قمع نظام الأسد يبرر التدابير التي اتخذتها الحكومة التركية، وأضاف: «السوريون هم أشقاؤنا. وعندما يقوم الشقيق بعمل خطأ، يتعين علينا تقديم يد العون له ومساعدته على إصلاحه».

* خدمة «نيويورك تايمز»