المستوطنون يحرقون مسجدا في القدس الغربية بعد تراجع الحكومة الإسرائيلية عن هدم جسر المغاربة

بن أليعازر يدعو لإطلاق النار على المعتدين وقتلهم

عامل إطفاء إسرائيلي يخرج من المسجد المغلق في القدس الغربية بعد إخماد الحريق الذي أضرم المستوطنون المتطرفون النار فيه أمس (رويترز)
TT

في غياب نهج يفرض سلطة القانون على المتطرفين من قوى اليمين اليهودي والمستوطنين، أشعلت النار في مسجد عكاشة المهمل في مدينة القدس، فجر أمس، وهي رابع عملية إحراق مسجد بأيدي متطرفين يهود هذه السنة.

ونفذت هذه الجريمة، بعد ساعات من قرار للحكومة الإسرائيلية الليلة قبل الماضية، يقضي بالتراجع عن هدم جسر باب المغاربة، الذي يوصل إلى المسجد الأقصى المبارك من الجهة الغربية. ولكي لا يترك المجرمون مجالا للشك في هويتهم، كتبوا على جدران المسجد شعارات تقول إن هذه «عملية جباية ثمن»، إضافة إلى شتائم بحق النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.

وكان المجلس الوزاري المصغر في الحكومة الإسرائيلية قد التأم للبحث في هجمة المستوطنين المنظمة ليل الاثنين الماضي الذي قامت خلالها مجموعة منهم قوامها نحو مائة، باحتلال شارع مركزي في الضفة الغربية وراحوا يقذفون السيارات الفلسطينية بالحجارة. وقامت مجموعة ثانية من نحو 20 مستوطنا بمحاولة الوصول إلى الأراضي الأردنية قرب قصر اليهود بغية بناء بؤرة استيطان على الأراضي الأردنية. وقامت مجموعة ثالثة من نحو 30 شخصا باقتحام قاعدة عسكرية قرب قلقيلية في الضفة الغربية وحطموا زجاج سيارات الجيش الإسرائيلي واعتدوا على ضابطين كبيرين وأصابوهما بجراح.

وحاول رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إظهار موقف حازم ضدهم ودعا إلى اعتقال ومحاسبة المعتدين. ولكن عددا من وزرائه أشار إلى أن المتطرفين لا يشعرون بأن هناك خطر محاسبة جديا ضدهم وانتقدوا التساهل الدائم معهم. وأوضح رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، أن المعتدين على الجيش تجاوزوا الخطوط الحمراء. وتقرر أن تكثف المخابرات وأجهزة الأمن الأخرى جهودها لاعتقال المعتدين وتقديمهم إلى المحاكمة.

واستنكر أفعالهم رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست شاؤول موفاز، مؤكدا أنه يعتبر هذه الأعمال خطيرة. ودعا النائب موفاز نتنياهو إلى العمل على تقديم من يعتدي على جنود إلى المحاكمة ووضع حد لهذه النشاطات، واصفا إياها بنشاطات إجرامية وإرهابية.

ووصل الحد بالنائب العمالي بنيامين بن أليعازر إلى المطالبة بإطلاق النار على المستنوطنين المعتدين عل الجيش. وقال إنه كان من الواجب إطلاق النار على الفاعلين وقتلهم، معتبرا أنهم كانوا على وشك قتل نائب قائد اللواء. وأكد خلال كلمة له خلال جلسة لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أمس أن نشاط هذه الفئة من الأشخاص يستوجب ردا صارما للغاية لاقتلاع هذه المظاهر من جذورها وهي لا تزال في مهدها.

ووصف الوزير عوزي لانداو المعتدين بعصابة من الخارجين عن القانون والفوضويين الذين يعملون كل ما تسوله لهم نفسهم. ودعا إلى التعامل معهم أسوة بأي مجرم آخر وتقديمهم للمحاكمة ووضعهم وراء قضبان السجن. وقال إن هذه المجموعة تجلب لنا جميعا العار، مشيرا إلى أن ممارساتهم تقدم فعلا الدعم لأولئك الذين يعارضون حملة الاستيطان.

إلى ذلك بحث المجلس الوزاري المصغر خلال الجلسة موضوع جسر باب المغاربة في القدس القديمة المحتلة، الذي اعتبرته بلدية القدس الغربية «آيلا للسقوط ويهدد أرواح المصلين في باحة حائط المبكى (البراق)».

وحذرت المخابرات من أن يؤدي هدم الجسر إلى انفجارات غضب شعبي في القدس وفي صفوف الفلسطينيين وسائر المسلمين في العالم، خصوصا أن اليمين المتطرف في إسرائيل معني بهذا الهدم وينادي به ويهدد باقتحام باحة الأقصى من البوابات الأخرى، مما يهدد بصدامات دامية مع المسلمين. فتقرر تأجيل هذا الهدم، خصوصا أنه تبين أن بالإمكان تقوية هذا الجسر بوسائل أخرى وطلاؤه بمادة عازلة تمنع احتراقه. كما تقرر أن يعاد فتح الجسر أمام اليهود والسياح الراغبين في دخول باحة الأقصى، وأن تتم عملية تقوية أعمدة الجسر خلال 10 أيام من دون إغلاقه.

وأبلغ نتنياهو الوزراء أن وفدا مهنيا سيصل من الأردن لكي يشارك في الإشراف على أعمال الترميم والتعزيز للجسر لتبديد مخاوف المسلمين من خطر هدمه.

وإثر هذا القرار أصدرت بلدية القدس الغربية، التي تشرف على منطقة الحرم والقدس الشرقية كلها بحكم قوانين سلطة الاحتلال، بيانا ساخطا تهاجم فيه الحكومة وتتهمها بالرضوخ والعجز أمام الضغوط العربية والأجنبية. وفي الساعة الثالثة من فجر أمس، أي بعد ساعات من اتخاذ قرار الحكومة، قام «مجهولون» بإضرام النار في مسجد عكاشة. وهرعت فرق الإطفاء إلى المكان، وقامت بإخماد الحريق الذي تسبب بأضرار للمسجد، كما قامت بلدية الاحتلال في القدس بإغلاق مدخل المسجد، وباشرت الشرطة التحقيق في ظروف الجريمة.

والمسجد المذكور يقع في الشطر الغربي من القدس، وقد أغلقته السلطات الإسرائيلية لدى احتلالها المدينة سنة 1948 ومنعت ترميمه أو استخدامه. ولكنه بقي على حاله صامدا في وجه الرياح والطبيعة. وبإحراقه، يسجل المتطرفون أربعة اعتداءات من هذا النوع على مساجد في الضفة الغربية وفي إسرائيل، إضافة إلى اعتداء على مقبرتين إسلامية ومسيحية في يافا.

فقد أحرق يوم الخميس الماضي، مسجد في قرية برقين القريبة من سلفيت في الضفة الغربية بواسطة إشعال إطار وإلقائه في داخل المسجد عن طريق أحد النوافذ، وكتبت شعارات عنصرية مسيئة على الجدران الخارجية للمسجد، كما تم إحراق مركبتين في المكان. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أحرق مسجد آخر في قرية طوبا زنغرية في الجليل الأعلى، الأمر الذي تسبب بأضرار شديدة للمسجد. وفي مطلع سبتمبر (أيلول) أقدمت العصابات نفسها على حرق مسجد في قرية قصرة القريبة من مدينة نابلس.

وجدير بالذكر أن اعتداءات المستوطنين عموما، وعلى الجيش بشكل خاص أثارت موجة احتجاج واستنكار عارمة في إسرائيل. وقد تداولتها الصحافة الإسرائيلية أمس موضوعا رئيسيا، وأجمعت على أن «المتطرفين ليسوا مجموعة قليلة من النشطاء الشاذين، بل تيار قوي بين المستوطنين»، (صحيفة «يديعوت أحرونوت»)، وأن «أجهزة الأمن أهملتهم، كون نشاطهم ظل مقصورا على الفلسطينيين وبدأت تقلق منهم عندما صاروا ينشطون ضد اليسار اليهودي ثم ضد الجيش». وأن «قيادة الأجهزة الأمنية لا يبادرون إلى عملية مكافحة جدية لهم لأنها تخشى من رد فعل الحكومة وتثق بأنها لن تتعامل معهم وفق القانون، كما يحصل عادة ضد الفلسطينيين مثلا»، (صحيفة «هآرتس»). وخلال بحث تنفيذي عقد بمشاركة وزراء الدفاع والشرطة والقضاء بمشاركة رؤساء الأجهزة الأمنية، تقرر رفع توصية إلى نتنياهو بأن يعتبر تنظيم المستوطنين الذين ينفذون الاعتداءات إرهابيا.