برنار هنري ليفي: بشار الأسد وأحمدي نجاد على طريق.. القذافي

الرجل الذي أطلق عليه وصف «محرر» ليبيا لـ «الشرق الأوسط» : إسرائيل ضيعت فرصة قبول المبادرة السعودية.. وعليها ألا تخاف من«الربيع العربي»

TT

أُطلق عليه لقب «محرر ليبيا»، وعن تجربته هناك أصدر كتاب: «الحرب دون أن تحبها». هو يقول: الشعب وحده يبدأ الثورة وبعدها يمكن للآخرين تقديم المساعدة والدعم. برنار هنري ليفي رجل يثير الكثير من اللغط والجدال. هو يستمتع بذلك أو بالأحرى لا يتأثر. قيل عنه إنه صهيوني يدافع عن قضايا إسرائيل، هو يقول أنا يهودي فرنسي أدافع عن إسرائيل وعن المسلمين المظلومين في العالم، «لهذا أدعم الربيع العربي». نفى أن يكون قد وقف إلى جانب الثورة الليبية من أجل إسرائيل، وشرح ما قال. أكد أنه ليس صديقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وطلب منه أن يقدم على خطوة كبيرة وقوية. أكد أنه ضد الاستمرار في بناء المستوطنات، قال برنار هنري ليفي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الديمقراطية لا تشن حربا على الديمقراطية». وحذر من طموحات إيران في المنطقة. وقال، مهما حدث لاحقا في سوريا سيكون أفضل مما يجري الآن. وهنا نص الحوار:

* لماذا تكره العرب رغم أنك ولدت في بني صاف في الجزائر؟

- أرفض هذا السؤال وأمنعك من أن تقولي إنني أكره العرب، هذه فكرة مجنونة وغبية. أنا لا أكره العرب إطلاقا.

* كيف تثبت أنك لا تكره العرب؟

- لا أملك إثباتا لذلك، ولماذا علي أن أعطي إثباتا، كل حياتي تثبت أنني لا أكره العرب.

* لكنك في العالم العربي مكروه؟

- ربما البعض يكرهني، ولكنني لا أكره من يكرهني.

* يقولون إنك دائما ضد الفلسطينيين ومع الإسرائيليين؟

- أنا مع الإسرائيليين لكنني لست ضد الفلسطينيين.

* خلال حرب غزة كتبت ضد الضحايا الذين كانوا غزاويين ودافعت عن أعمال إسرائيل؟

- طوال حياتي دافعت عن المسلم العربي. منذ كنت في العشرين من العمر، صارعت من أجل الشعب المسلم المضطهد والضحية، طوال حياتي، وكذلك دافعت عن الفلسطينيين.

* أين؟ الأسبوع الماضي قلت إنك فعلت ما فعلت في ليبيا من أجل مصلحة إسرائيل؟

- أنا لم أقل ذلك. قلت إنني فعلت ذلك من أجل ليبيا، من أجل حقوق الإنسان بشكل عام، وإنني بعملي ذلك لم أتوقف عن أن أكون يهوديا. عملته من أجل الليبيين أنا اليهودي.

* هل أنت يهودي أم فرنسي؟

- أنا فرنسي أولا ويهودي ثانيا.

* ما قرأناه أنك فعلت هذا في ليبيا، لإسرائيل، وللصهيونية؟

- كلا، ما قلته إن على إسرائيل ألا تخاف من «الربيع العربي»، هذا ما قلته، لأن «الربيع العربي» جيد للسلام في المنطقة والعالم، كنت أرد بذلك على اتجاه في إسرائيل يقول إن «الربيع العربي» سيئ لإسرائيل، أنا لا أعتقد ذلك، بل أرى أن الديكتاتورية سيئة لإسرائيل والديمقراطية لمصلحتها. هذا ما قلته، وقلت أيضا، أنا كصديق لإسرائيل، أقول ذلك.

* كيف سيتطور «الربيع العربي»، لاحظنا النتائج في مصر حيث فاز «الإخوان المسلمون» بـ65 في المائة من الأصوات، وهناك بعض الليبيين هنا في لندن، رفضوا العودة لأنهم يتوقعون ليبيا منقسمة والمزيد من سفك الدماء. وأول وعد التزم به مصطفى عبد الجليل أن ليبيا ستحكم حسب الشريعة وللرجال الحق بأربع زوجات، وكان ذلك صدمة لـ«الربيع العربي»؟

- ككل الثورات، كما في الثورة الفرنسية، ستحدث تطورات معقدة، ستكون هناك لحظات مظلمة ولحظات مستنيرة. الثورة ستمر عبر فترات من التراجع، لكن في نهاية المطاف ستسير في اتجاه الحداثة، وحقوق الإنسان والديمقراطية. أنا أثق بـ«الربيع العربي» وخصوصا في ليبيا. بالنسبة إلى مصر، أنا مرتاح أيضا، لأن 65 في المائة من الأصوات للإخوان المسلمين والسلفيين أمر طبيعي بعد ديكتاتورية طال أمدها، وحيث إن المتطرفين في الإسلام كانوا الأكثر اضطهادا وتعذيبا. قد تكون لهم، بطريقة ما، لحظة للانتقام الديمقراطي، لكن لا أعتقد أن هذا سيستمر.

* هل يعني أنك تعطيهم فترة خمس سنوات تقريبا؟

- لم أقل خمس سنوات، ربما أقل بكثير. ما سنراه في العالم العربي هو زواج الإسلام والديمقراطية، مزيج الاثنين. لينضم الإسلام إلى الديمقراطية. على الإسلام أن يقوم بالخطوة الأولى. وشعوري بأن هذا ما يريده العرب في أعماقهم. إذ كيف ستقبل المرأة التي كانت جزءا من الثورة المصرية، والتي كانت أول من عارض العقيد القذافي، أن تكون مضطهدة من جديد أو لا تكون مساوية للرجل. لماذا؟ كان ذلك في الماضي القديم وانتهى الآن. لا يوجد سبب كي يبقى العالم العربي في الظلام. أعطى العالم العربي مثلا يُحتذى في الشجاعة والكرامة، لماذا عليه أن يقبل بالاضطهاد من جديد. ربما البعض يريد أن يعود إلى الوراء لكن لا أعتقد بأن الأغلبية تريد ذلك أبدا.

* غطيت حرب تحرير بنغلاديش وباكستان يحتفلون الآن بالذكرى الأربعين لبداية تلك الحرب. وأصدرت كتابا بعنوان «بنغلاديش: الوطنية في الثورة». هل ترى في «الربيع العربي»، أن دولا جديدة ستبرز، كأن تتقسم مثلا ليبيا إلى دولتين، مصر إلى ثلاث دول، سوريا إلى دولتين؟

- لا أعتقد بإمكانية ذلك، لكن: أولا: قد يحدث هذا، ثانيا: لن يسبب هذا طوفانا. على كلٍ لماذا لا؟ ثالثا: لا أعتقد أن هذا سيكون النتيجة المحتملة.

* إذا حدث هذا، أين يجب أن يحدث؟

- لا أعرف. الكثيرون قالوا إن العراق سيتقسم. أنا لا أعتقد ذلك. أوروبا مرت بفترات، كانت هناك جمهوريات المدن وجمهورية الدولة. قد يحدث هذا في العالم العربي. لما لا. في بعض الدول مثل سوريا أو العراق، يمكن أن يكون هناك نوع من دولة فيدرالية مع حكومة مركزية تحترم حقوق الإنسان. العالم العربي يمكنه أن يخترع طريقة تطوره السياسي في الطريق إلى الديمقراطية، قد لا تكون تماما كالديمقراطية الأوروبية، إنما بطريقة أخرى، فلماذا رفض الفيدرالية. لا توجد قاعدة مكتوبة تقول إن وحدة البلاد، كالتي برزت في الثلاثينات ضرورية، لكنني أعتقد أنها الأفضل للسلام. لكن التاريخ أحيانا غريب، هناك خيارات أخرى، لا أعتقد أنها المفضلة، لكنني لا أعتقد أنها ستكون كارثية.

* عندما دعمت البوسنيين هل دعمتهم كمسلمين مضطهدين أم لكي تكون لهم دولتهم المستقلة؟

- دعمتهم كبشر مضطهدين، ثانيا كنسق من الحضارة الذي يجمع المسلم والمسيحي واليهودي عبر قرون، حيث كان مثالا يحتذى ويكاد يموت. اعتبرت أن ذلك خسارة للحضارة. ثالثا، ساعدتهم لأنهم كانوا تجسيدا للإسلام المستنير الذي كان العالم كله يأمل أن يكون موجودا، والذي تركه العالم الغربي يموت.إذن: أولا، بسبب حقوق الإنسان. ثانيا: لأنه كان نسقا من الحضارة العالمية حيث تتعايش فيه شعوب مختلفة. وثالثا: لأنهم يمثلون الإسلام المعتدل.

* هل ترى هذا الإسلام المعتدل يبرز في ليبيا مثلا؟

- أعتقد ذلك. أعتقد أن الإسلام في ليبيا، وكي أكون صريحا لم أفهم لماذا أطلق عبد الجليل ذلك البيان.

* هل صُدمت أم دُهشت؟

- كلا، لأنه عليك أن تكوني عنيدة أو غبية مثل الغرب الجاهل الذي يعتقد أن الشريعة بحد ذاتها مخيفة. الشريعة في الواقع قد تكون قانونا قمعيا أو قانونا مرنا. هناك الكثير من المسلمين المخلصين للشريعة وهذا لا يمنعهم من أن يرحبوا بالديمقراطية. هناك إمكانية لتعايش الشريعة والديمقراطية. إلا إذا أردت ديمقراطية تشرشل (وينستون). أنا دهشت من تصريح عبد الجليل، لأنه كان تصريحا قويا في حين أن الليبيين لا يريدون ذلك. فأول ما سمعت عند وصولي إلى ليبيا في شهر فبراير (شباط) الماضي: «نحن إسلام وسطي».

* لماذا دعمت الآن الليبيين، في حين أنه قبل فترة كان القذافي ضيف ساركوزي في باريس؟

- عندما وصل القذافي إلى باريس عام 2007، كنت بين أعنف المتظاهرين، ولعلع صوتي في التلفزيون بأن هذا عار على بلادي.

* ولماذا قررت الذهاب الآن إلى ليبيا للبدء في هذه الثورة؟

- لم أبدأ الثورة، كان هناك عصيان. لا أحد يستطيع أن يشعل ثورة محل الشعوب، يمكن مساعدة الشعب الليبي للدخول في الثورة. كما في سوريا اليوم وفي إيران عام 2009. لذلك عندما رأيت الثورة بدأت في 17 فبراير ولمست أن ردة فعل القذافي ضدها كانت شرسة متوحشة، شعرت بثورة داخلي كمطالب بحقوق الإنسان.

* هل تعتقد، لأنك رجل ثري تستطيع أن تسافر إلى أي مكان وتدعم الثورات التي تختارها وتقول إنك تدافع عن الحقوق الإنسانية كل ذلك لأنك رجل غني؟

- لو لم أكن املك المال، لفعلت الشيء نفسه وبالطريقة نفسها، ربما بصعوبة أكثر.

* تقول إنك تدعم المسلمين المضطهدين، في باكستان هناك الكثير منهم يعيشون في حالات اضطهاد؟

- لأن رجلا بمفرده لا يستطيع أن يقوم بكل شيء. أصدرت كتابا عن دانيال بيرل (الصحافي الأميركي الذي قتله إسلاميون متطرفون في باكستان)، صعقت مما رأيت، أصابتني كآبة من الحالة التي يعيش فيها الناس هناك. لكن إذا قامت ثورة ديمقراطية هناك ضد النظام وضد جهاز الاستخبارات فمن المؤكد أن أدعمها. باكستان اليوم مشكل، إنها أخطر بلاد العالم..

*... وقد تكون الجائزة الكبرى اليوم في صراع إيران ضد أميركا؟

- إن السياسة الأميركية السابقة التي نصت على دعم النظام الباكستاني، لم تكن سياسة جيدة. عندما دعم الأميركيون كل شيء في باكستان بحجة قطع العلاقات مع إيران كانت سياسة سيئة، ضد حقوق الإنسان، ومعادية للسلام.

من حق الأميركيين أن يقلقوا من حصول إيران على السلاح النووي، لكن باكستان تملك السلاح النووي والإسلاميون موجودون في باكستان، حتى داخل الجيش. قد يكون هناك فارق بين إيران وباكستان، لكنه ليس بالفارق الكبير. سياسة دعم باكستان كانت خطأ كبيرا ارتكبته الإدارات الأميركية حتى مجيء باراك أوباما. إن أوباما على حق بأن يعيد تقييم التحالف مع باكستان. التحالف اليوم ليس أعمى.

* هل تشجع الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟

- كلا. لو لم يكونوا في أفغانستان ما كان باستطاعتهم القضاء على أسامة بن لادن، الانسحاب من أفغانستان يجب أن يتم بعدما يكون الجيش الوطني الأفغاني اكتمل. على كل أول شيء كان علينا عمله كغربيين، أن نبني الجيش الوطني.

عام 2002 أرسلني الرئيس جاك شيراك إلى أفغانستان لأدرس الطريقة التي تستطيع بها فرنسا مساعدة أفغانستان على إعادة بناء جيشها. وضعت تقريرا، قدمت العديد من الاقتراحات: ثقافية واقتصادية، لكن أول اقتراح كان المساهمة في بناء جيش وشرطة في أفغانستان. لم نفعل هذا.

* وسنرى الآن الأميركيين ينسحبون، طالبان تعود والمرأة تفقد كل حقوقها؟

- نعم.. إننا نخسر كل شيء.

* هل كنت تفضل أن يعيد الأميركيون بناء الجيش العراقي قبل الانسحاب من هناك؟

- طبعا. وقد كنت ضد حل الجيش العراقي.

* هل ترى إيران تملأ الفراغ في العراق؟

- طبعا، لإيران طموحات كبيرة في المنطقة، تريد أن تتزعم المنطقة برمتها وهذا ما يجب منعه بكل ثمن.

* كيف؟

- مثلا، إننا نرى قوة جديدة تبرز في المنطقة وهي قطر بسبب ليبيا التي كانت الفرصة لقطر لتثبت نفسها كقوة حقيقية، وهذا جيد. لأنه في هذا العصر يمكن أن تكون البلاد صغيرة إنما دورها الإقليمي كبير. القصة ليست بالمساحة الأرضية. إذن، مسألة أن قطر تتصرف كقوة إقليمية توفر توازنا جيدا ضد إيران. العالم الإسلامي يجب ألا يسمح لإيران بأن تتصرف بحرية في العراق. من المهم جدا أن نرى في السنوات المقبلة دولا أخرى تفرض نفسها وتُسمع صوتها مثل قطر. هناك السعودية، الكويت، دولة الإمارات المتحدة.

* هل تعتقد أن هذه الدول قادرة على إقلاق إيران؟

- نعم أعتقد ذلك. محمود أحمدي نجاد (الرئيس الإيراني) مثل الرئيس السوري بشار الأسد؛ من المؤكد أنهما يأخذان درسا مما حدث للعقيد معمر القذافي وأيضا للرئيس المصري حسني مبارك. من المؤكد أن مصير القذافي ورؤية مبارك في القفص تحولت إلى كابوس لكبار ضباط الحرس الثوري الإيراني وكبار المسؤولين هناك.

في نهاية الأمر، ليبيا تحركت أولا بشعبها، ثم ساعدتها فرنسا وبريطانيا وجزء من العالم العربي خصوصا قطر. وأحمدي نجاد يعرف ذلك. الديكتاتور في العالم الإسلامي اليوم صار يحسب حساب قطر.

* وماذا، إذا كان ما تقوله يعرض قطر للخطر، ويدفع الإيرانيين لشن هجوم على قطر؟

- أظن أنها ستكون فكرة سيئة جدا إن شنت إيران هجوما على أي دولة. تذكري ما حدث لصدام حسين عندما غزا الكويت. احتاج لأيام قليلة لتحجيمه ولسنوات قليلة كي يختفي.

العالم تغير اليوم. لا يمكن لإيران أن تهاجم قطر. لم نعد في القرون الوسطى. والعالم الإسلامي لم يعد مستسلما.

* كيف ترى سقوط النظام السوري؟

- تحت الضغوط. ضغوط الجامعة العربية، بيان الجامعة بفرض عقوبات على النظام السوري من أهم الأحداث السياسية، لأول مرة كان العالم العربي واضحا بقوله: أن تكون عربيا ليس عذرا. العالم العربي ليس كتلة واحدة ومن نوع واحد، في داخله هناك الأشرار والجيدون. هناك محبو السلام وهناك صانعو الحرب. هذه لحظة مهمة باتجاه الحداثة.

هذا التصرف بدأ مع ليبيا، الجامعة العربية كانت أول من طالبت بمناطق حظر جوي. كنت في لندن عندما استقبل نيكولا ساركوزي (الرئيس الفرنسي) وفدا من المجلس الانتقالي. قال: «أنا أتبع الجامعة العربية، رأينا موقف الجامعة في ليبيا ورأيناه أوضح في سوريا».

* هل تعتقد أن السيناريو الذي جرى في ليبيا، سيتكرر في سوريا، سيأمر ساركوزي طائرته بالتحليق فوق سوريا وتبدأ المساعدة العسكرية بفرض مناطق حظر جوي. أم أن هناك حاجة لقرار من مجلس الأمن؟

- من الأفضل صدور قرار من مجلس الأمن. لكن في ليبيا، حتى من دون القرار الدولي (شرحت ذلك في كتابي)، ربما كان ساكوزي سيقوم بعمل ما، بدعم من الجامعة العربية ومن الاتحاد الأفريقي. ماذا سيحدث في سوريا، لا أعرف. ربما سيجدون منفذا.

* العمر الذي تعطيه للنظام السوري؟

- أعتقد أن أيام بشار الأسد معدودة.

* البعض يتهم الرئيس السوري بأنه يدفع لحرب أهلية، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عبر عن تخوفه من حرب أهلية في سوريا وأنها ستؤثر على المنطقة كلها.

- لا شيء يعطي عذرا للقمع الوحشي. كل شيء سيكون أفضل مما يحدث الآن. ربما بعد سقوط الأسد، ستمر سوريا في مرحلة تشبه الحرب الأهلية. قد لا يحدث هذا، وإذا حدث، آمل ألا يستمر طويلا. على كل، لن يكون الوضع أسوأ مما نراه الآن من أطفال ونساء وعزل يقتلون، ما لم يفهمه الأسد وأحمدي نجاد أن عالم اليوم لم يعد يقبل هذا.

* لكن السوريين يقولون إن هناك عصابات مسلحة تقتل الناس والجيش والشرطة؟

- هذه دعاية. وهذا ليس صحيحا.

* ما هي الرسالة التي حملتها من المجلس الوطني الليبي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟

- لم تكن رسالة، ولم يكن المجلس الوطني الليبي. كانت إشارة من شخص مقرب من المجلس الوطني الليبي.

* من شخص ليبي؟

- لا أقول ليبياً، أقول مقربا من المجلس، تضمنت أن النظام الذي سيأتي بعد القذافي سيكون ديمقراطيا. يحترم حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة. هذا كل شيء.

* لماذا كان عليهم إيصال هذا إلى إسرائيل؟

- لأن إسرائيل دولة ديمقراطية.

* لكن فرنسا دولة ديمقراطية، بريطانيا كذلك، لماذا اختاروا إبلاغها لإسرائيل؟

- لا أعرف. أكرر لم يكن المجلس الوطني الليبي.

* لماذا اختار الرجل التوجه إلى إسرائيل، لماذا لم يذهب بهذه الرسالة إلى لبنان أو مصر؟

- ربما ذهب إلى لبنان أو إلى دول عربية أخرى.

* رسالة برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، عبر «وول ستريت جورنال»، شبيهة بالرسالة التي نقلها الليبي إلى نتنياهو. لكن هذه سوريا. هل تعتقد أن المجلس الوطني السوري لن يشن حربا على إسرائيل؟

- الديمقراطية لا تشن حروبا ضد ديمقراطية أخرى. هذا قانون التاريخ. الديمقراطية تحارب الطغاة. الطغاة يحاربون بعضهم البعض ويحاربون الديمقراطية. في القرنين الماضيين لم تشن الديمقراطية حربا ضد ديمقراطية أخرى. أنا متأكد، عندما تنهض الديمقراطية في العالم العربي يكون هذا جيدا للسلام في المنطقة.

* هل تعتقد أن الإخوان المسلمين في مصر والسلفيين سيقتنعون بالديمقراطية. هل تعتقد أن الإخوان المسلمين انطلاقا من آيديولوجيتهم سيعقدون سلاما مع إسرائيل؟

- مصر وقعّت سلاما مع إسرائيل. ولم يقل أحد في مصر إن الاتفاقية يجب أن تلغى. أنا لا أقول إن الإخوان المسلمين هم القوى المفضلة لدي، وأعتقد أن قوتهم مبالغ فيها الآن، وسوف تتقلص. الإخوان المسلمون ليسوا الحل لمصر أو عليهم أن يتغيروا بالعمق.

* هذا ما يقوله القطريون والإدارة الأميركية، بأن الإخوان المسلمين أفضل من «القاعدة» أو السلفيين ومع الأيام سيتغيرون؟

- ربما. أنا لا أعتقد ذلك. لكن ربما لأن العالم يتغير جذريا وبسرعة.

* لن يكونوا إخوانا مسلمين إذا تغيروا؟

- هذا ما أعتقده أيضا. آمل أن ينجح الديمقراطيون في مصر ويسيطروا.

* قلت لي إن الديمقراطية لا تشن حربا على الديمقراطية، إذا تغير النظام في إيران وجاء نظام ديمقراطي مع قنبلة نووية سيكون مقبولا؟

- أنا أعتقد أنه كلما كان في العالم قوى نووية قليلة، كلما كان الوضع أحسن. إذا تم تدمير السلاح النووي في العالم كما وعد باراك أوباما في رسالته أثناء قبوله جائزة نوبل للسلام، كان ذلك أفضل.. لا أريد زيادة ما نريد تدميره. لكن ديمقراطية لديها سلاح نووي تختلف عن نظام استبدادي يملك السلاح النووي. لكن يبقى الخطر في انتشار السلاح النووي. العالم لا يقبل إطلاقا لإيران اليوم أن تملك قوة نووية. هذا غير مقبول. إنها خطر على إسرائيل وعلى العرب وعلى العالم.

* سمعت ما قاله وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا لإسرائيل بألا تفكر بالحرب على إيران وحثها على ترميم علاقاتها مع تركيا والأردن ومصر، كي تخرج من العزلة؟

- إسرائيل ليست معزولة، رئيس جمهورية إسرائيل كان في الأردن قبل أيام، الاتفاقية مع مصر لا تزال قائمة، مبادرة السلام السعودية لا تزال على الطاولة.

* لكن إسرائيل رفضتها.

- أنا لا أقول إن إسرائيل دائما على حق. لقد ضيعت إسرائيل فرصة قبول هذه المبادرة. كانت المبادرة أساسا لمفاوضات. إذن، إسرائيل ليست بعزلة كاملة. لإسرائيل أعداء. سوريا عدوة، القذافي كان عدوا وإيران عدوة.

* سفير أميركا في بلجيكا هوارد غاتمان، قال إن الشعور المعادي للسامية لدى المسلمين سببه الصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين؟

- كلا. لديك في العالم الإسلامي شعور متجذر ضد السامية، كما هناك في أوروبا. هذه واحدة من أوهام العالم العربي. يعتقدون أن اللاسامية هي بسبب وجود إسرائيل أو أنها آتية من العالم العربي. هذا غير صحيح. هناك في العالم العربي والعالم الإسلامي تاريخ طويل من معاداة السامية كما الحال في أوروبا.

في أوروبا هناك إحساس بالندم لوجودها ومحاولة التخلص منها، آسف أن الأمر ليس نفسه في العالم الإسلامي. آسف أيضا من القول إن هذا لا يعنينا. ويقولون عندما يقع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فإن هذه المشاعر ستزول. هذا ليس صحيحا. آمل أن يتحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أنا أقاتل من أجل السلام منذ أربعين سنة، لكن لا أعتقد أن هذا سينهي اللاسامية، وربما كراهية إسرائيل عند بعض العرب ستبقى على حالها.

غالبا ما يتحول الفلسطينيون إلى وسيلة بين أيدي بعض العرب والإيرانيين والمسلمين، كثيرون يدّعون أنهم يدافعون عن الفلسطينيين في حين يستخدمون الفلسطينيين لتحقيق أجنداتهم.

* كيف نحقق السلام إذا كان نتنياهو لا يريد السلام.. إنه صديقك؟

- كلا. ليس صديقي.

* ألا تستطيع التأثير عليه؟

- يمكنك أن تؤثري على صديق وهو ليس بصديق.

* ماذا تقول له الآن؟

- أن يقوم بخطوة قوية. هو أقدم على خطوة صغيرة في كلمته في جامعة بار ايلان، قال، لأول مرة، إنه مع حل الدولتين. لكنها لم تكن قوية بما يكفي. نصيحتي إليه أن يقوم بما أقدم عليه السعوديون قبل نحو عشر سنوات. أن يقوم بما قام به بعض الإسرائيليين وبعض الفلسطينيين وبعض الأوروبيين مثلي في جنيف عام 2003، حيث وضعنا «خطة جنيف» مع يوسي بيلين وياسر عبد ربه. كنت مع برنار كوشنير (وزير الخارجية الفرنسي السابق)، كنا سفيري أوروبا في هذه الخطة. هذا ما أنصح به نتنياهو. كل طرف عليه أن يتنازل عن جزء من حلمه. إذا كانت لدي نصيحة لنتنياهو فإن أول ما أنصحه به..

* أن يوقف بناء المستوطنات؟

- بكل تأكيد. هذه قلتها عدة مرات. أنا مؤسس «ج. كول» في فرنسا، إنها شقيقة «ج. ستريت» في أميركا. أنا أقترح عليه أن يتقدم بخطة ويطرحها للنقاش. لا أعرف ما هي خطة نتنياهو، إذا كانت لديه واحدة. هو قال في بار ايلان إن لديه خطة أريد أن أطلع عليها.

* اتهمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إسرائيل بأنها تضطهد المرأة؟

- لم أطلع على هذا، إنه أمر غريب، إن إسرائيل دولة ديمقراطية. إذا قالت هذا الشيء، ربما تكون قد فقدت عقلها. في إسرائيل المرأة موجودة في كل المناصب. إنها أكثر تقدما من أغلب الدول الأوروبية.

* هل اطلعت على الإعلان الإسرائيلي في أميركا الذي يدعو الأميركيين اليهود للمجيء إلى إسرائيل أو أنهم يفقدون هويتهم كيهود.. لكن الإعلان سحب بعد الاحتجاجات؟

- أنا لم أطلع عليه، لكنني لا أفاجأ. في العالم اليهودي هناك حالتان. هناك من يعتقد أن باستطاعته أن يكون يهوديا فرنسيا أو أميركيا، وهذا خياري. وهناك البعض الذين يسمونهم الصهاينة الذين يعتقدون أن لا حياة يهودية خارج إسرائيل. هذا موقف شرعي لا أتبناه. أعتقد أنه بإمكان الفرد أن يكون يهوديا في كلتا الحالتين.

* البعض يقول إن الشرق الأوسط كي يحظى بالسلام يجب إخلاؤه من المسيحيين؟

- أنا أرفض هذا بقوة. المسيحيون أبناء تلك الأرض، إنهم جزء من تاريخها وذاكرتها، بنوا تلك المنطقة، بنوا مدنها، ستكون جريمة ضد الحضارة، ضد الذاكرة، إذا رحل المسيحيون عن المنطقة. سيكون هذا بمثابة انتحار للحضارة العربية. إذا جرت محاولات جدية للتخلص من المسيحيين في الشرق الأوسط، لن يكون الأمر جريمة فقط، بل انتحارا. سيفقد الآخرون جزءا كبيرا من ذواتهم أكثر مما يعتقدون. تعرفين في كل إنسان هناك جزء من نفسه لا يعرفه. المسيحيون في أوروبا مدينون بالكثير إلى المسلمين. هناك جزء حقيقي من حضارتنا يأتي من التأثير الإسلامي، وفي العالم العربي هناك جزء كبير فيه يأتي من التأثير المسيحي. سيكون هذا انتحارا جماعيا.

* هل دافعت عن مسيحيي العراق؟

- كتبت عشرات المقالات دفاعا عنهم. وحتى العام الماضي وجهت نداءات في فرنسا وفي أميركا عبر صحيفة «واشنطن بوست» ووجهت نداءات استغاثة باسم «مسيحيي الشرق» و«مسيحيي العالم المشرقي».

* هل ما زلت مهتما بدارفور؟

- طبعا. أطالب دائما وأكتب بوقف سفك الدماء هناك.

* كيف ترى مستقبل إيران؟ إلى متى يستمر هذا النظام في ظل «الربيع العربي»؟

- سيكون من الصعب بقاء هذا النظام بعد سقوط الأسد. هناك الآن، قانون غير مكتوب: عندما يطلق مسؤول النار على شعبه، ينتهي. في إيران، أعمدة النظام بدأت تهتز. كانت هناك ثلاثة أعمدة للنظام. الأول: أسطورة وحدة رجال الدين في إيران. هذه لم تعد موجودة، داخل الحوزات الدينية في قم، تجري نقاشات واعتراضات. الثاني: الزعم بأن خامنئي هو الحكم بين الأطراف. عام 2009 سقط القناع عن وجهه ووقف إلى جانب أحمدي نجاد. ففقد مصداقيته. الثالث: كان هناك عامل الخوف. الشعب لم يعد خائفا صار أكثر جرأة. مع هذه الأمور زائد صور مبارك والقذافي وغدا بشار الأسد، لا أتوقع أن يحافظ أحمدي نجاد أو خامنئي على الحكم.

* هل أنت متأكد أن الأسد سيسقط؟

- نعم، لأن حجم المقاطعة الآن قوي جدا إلى درجة أنه لن تكون هناك حاجة لعملية عسكرية. سيسقط.

* سؤالي الأخير، هل ما زلت تدعم دومينيك شتراوس كان (رئيس صندوق النقد الدولي السابق) بعدما اعترف بأن ما حدث في الفندق في واشنطن لم يكن مصيدة؟

- أنا لم أقل إن تلك كانت مصيدة. أنا قلت إنه لم يغتصب المرأة.

* لكنه اعترف بأنه شارك في حفلات «مجون» وأنه ضعيف.. أما الجنس..

- هذه ليست طريقتي، ليس أسلوبي، لكنه أمر غير ممنوع.

ليفي مفكر من الفلاسفة الجدد تدخل مع ساركوزي لإنقاذ بنغازي

* برنار هنري ليفي مفكر فرنسي في صفوف الفلاسفة الجدد المتمسكين بالحرية والديمقراطية، والداعين إلى حماية حقوق الإنسان في ظل العدالة وحكم القانون. ولد في الجزائر وورث عن والده ثروة طائلة وعلاقات دولية واسعة. دخل السياسة الفرنسية من باب اليمين، فنشر كتبا واحتل موقعا إعلاميا مميزا. انتدبه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لمهمات خارجية. يهودي وليس صهيونيا كما يقول، ناصر إسرائيل وفي الوقت ذاته أيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وعندما بدأت التحركات الليبية في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي في بنغازي، اجتمع العقيد الليبي معمر القذافي مع كبار ضباطه وكان الأمر، أنه يريد أن يرى مكان بنغازي صحراء ممتدة، بمعنى تدمير الحجر فوق البشر هناك.

في فرنسا علم برنار هنري ليفي بالأمر من خلال أصدقاء له، فكان أن طار إلى بنغازي وهناك شاهد الوضع على حقيقته، فالناس كانوا متأكدين من جدية قرار القذافي، اجتمع مع كثيرين بينهم مصطفى عبد الجليل ومن هناك اتصل مباشرة بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي طالبا منه، لإنقاد بنغازي وبقية المدن الليبية من مجزرة واقعة لا محالة، أن يستقبل ممثلين عن الثوار ويعلن تشكيل المجلس الوطني الليبي ويعترف به فورا كممثل شرعي للشعب الليبي. وهكذا كان. ومنه بدأ ساركوزي اتصالاته بزعماء الدول وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، والقصة بعد ذلك معروفة وصار في ليبيا نظام جديد.