مدارس مصر تشارك في صناعة المستقبل السياسي

احتضنت فصولها مقار لجان الاقتراع واكتست أسوارها بلافتات المرشحين

TT

اصطف مئات المصريين أمام لجنة مدرسة يوسف جاد الله بحي الهرم، للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية. تطل المدرسة على أحد أشهر الشوارع السياحية بمحافظة الجيزة، وتفضي بوابتها الخلفية إلى الكوم الأخضر، وهي قرية صغيرة لا تزال عالقة بأذيال المدينة التي حاصرتها.

المدرسة التي غابت عنها تلميذات المرحلة الإعدادية بصخبهن، جاهدت لتبدو مكانا خليقا بالمشاركة في صناعة المستقبل السياسي لبلد يأمل في تعلم أبجديات الممارسة الديمقراطية، بعد عقود من الاستبداد السياسي.

ومن بين لافتات عديدة للمرشحين، بدت اللافتات التي تحمل صور وأسماء مرشحين إسلاميين متشددين وهي تكسو أسوار مدرسة الفتيات مثيرة للجدل.. فبين أروقة فصول دراسية مهمتها تهيئة فتيات مصر للحياة العملية، ربما يتم انتخاب برلمان قد يبدد أحلام بعضهن في الوصول لمناصب رفيعة.

لكن أم أحمد، وهي سيدة مصرية منتقبة في منتصف الأربعينات، قالت لـ«الشرق الأوسط»، وهي تقف بين صفوف الناخبين «سوف أنتخب حزب النور (السلفي)».. أم أحمد التي تخرجت في كلية التجارة لا ترى تناقضا في الأمر، وتتابع «هذه مدرسة للغلابة.. تجلب المرض وربما بعض العلم، لكنها لا تصنع مستقبلا».

أمام مقر اللجنة، يحمل آخرون همومهم، ويحدوهم الأمل في أن يتخلصوا منها إلى الأبد مع اختيار برلمان يؤسس لدولة العدالة الاجتماعية.. يقول الأستاذ سعيد، وهو موظف حكومي «كانت ابنتي طالبة في هذه المدرسة وتخرجت في كلية الطب.. لهذا أنا متفائل جدا، وأشعر بأن مصر تولد من جديد»، تابع ضاحكا «جايز مصر تجيب مجموع وتدخل الطب».

واعتادت السلطات في مصر استخدام المدارس كلجان انتخابية، لكن الانتقادات التي توجه للنظام التعليمي في البلاد، والذي تردى خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تطرح تساؤلات حول المستقبل.. ويقول مراقبون إنه «رغم تردي أوضاع التعليم يجب أن نتذكر أن هذه المؤسسات التعليمية بالذات هي التي شكلت الرافد الحقيقي لشباب فجروا الثورة». ويتابعون «هناك وعي فطري لدى هؤلاء الشباب.. بالإضافة لروح من التحدي ورغبة في الإطاحة بكل رواسب التخلف»، ويشير جلال شعبان، وهو ناشط سياسي يساري «كنت أراقب خلال السنوات الماضية أسوار المدارس الحكومية التي تعلو كل عام وتضاف إليها أسلاك شائكة في محاولة للتصدي لظاهرة هروب التلاميذ.. لكنهم كانوا دائما يبتكرون طريقة جديدة للفرار».

هذه الظاهرة التي يصفها شعبان بالسلبية، كانت تعكس من وجهة نظره تردي التعليم وكذلك روح التحدي «جيلنا لم يكن يجرؤ على أن يقف في شارع يمر به أحد المدرسين.. لكن تجريف التعليم، وضعف إعداد المدرس وأوضاعه الاقتصادية السيئة، كلها عوامل رفعت عنه هالة القدسية التي كانت أجيالنا تحيطه به.. لذلك لم نكن نجرؤ على التفكير في رفع شعار ارحل في وجه مبارك، لكن هذا الجيل استطاع ذلك».

وبينما كان الصف الطويل من الناخبين يتقدم ببطء نحو بوابة المدرسة، كانت النقاشات تدور حول قدرة المرشحين الشباب على تولي مهام التشريع ومراقبة الحكومة داخل البرلمان.. ويتساءل أحدهم بصوت مرتفع «يعني شاب عنده 25 سنة كيف يمكنه استجواب وزير؟»، ويأتي رد من داخل الصف «المفروض أن يكون عمر الوزير أيضا 30 سنة».. بينما يتدخل رجل ستيني قائلا بصوت لا يخلو من الحزم «يجب أن نعطيهم فرصة، ليكتسبوا المعرفة والخبرة.. هذه سنة الحياة وفريضة التطور».