فرنسا تراهن على «الدبلوماسية الثقافية» لمواجهة التحديات في عالم متغير

منتدى دولي في باريس لبلورة خطط لتحسين الأداء الدبلوماسي

TT

«الدبلوماسية الثقافية، ورقة فرنسا الرابحة في عالم متحول» عنوان المنتدى الدولي الذي نظمه المعهد الفرنسي يومي 12 و13 من الشهر الجاري تحت رعاية وزارة الخارجية، وبمشاركة مجموعة كبيرة من المحاضرين الفرنسيين والأجانب، من دبلوماسيين وخبراء وكتاب جاوز عددهم الستين، بينهم حفنة قليلة من العرب.

وجاء المنتدى الذي اختتمه وزير الخارجية، ألان جوبيه، وشارك فيه وزير الثقافة فريدريك ميتران، على خلفية التغيرات الحادة التي يشهدها العالم خصوصا «الربيع العربي»، وحاجة فرنسا لوسيلة دبلوماسية غير تقليدية لتفهم التحديات الجديدة ومواكبة التغيرات في العالم، لا بل في استباقها.

وطرحت المناقشات مفاهيم جديدة تتداخل فيما بينها، فمن «الدبلوماسية الثقافية» إلى «القوة الذكية» ورديفتها «القوة الناعمة»، إلى «الدبلوماسية العامة» على الطريقة الأميركية، وصولا إلى «دبلوماسية المواطنة»، كلها مفاهيم مستحدثة تعتبر أن «دبلوماسية القوة» ليست الحل على الرغم من اللجوء إليها أحيانا، ومن الأنجع استبدالها بالمفاهيم الجديدة المتوافقة أكثر مع عالم متحول.

ويندرج المسعى الفرنسي في إطار أوسع يمكن تسميته بـ«دبلوماسية ممارسة التأثير» التي لا تنحصر بالعمل السياسي والدبلوماسي الكلاسيكي المحض، وإنما تتوكأ على العمل الثقافي ووسائل الاتصال الحديثة، والإنتاجات الفكرية والفنية، من كتب ومسرح وسينما وتلفزة، فضلا عن الممارسة التقليدية المتمثلة بدور «المراكز الثقافية» الفرنسية المنتشرة عبر العالم.

وتتمتع فرنسا بثاني أكبر شبكة دبلوماسية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. وقال جوبيه في ختام يومين من المناقشات، إن فرنسا «بصدد توفير الوسائل الضرورية للسير بدبلوماسيتها الثقافية وتمكينها من تحقيق أهدافها»، معتبرا أن هذه الدبلوماسية بعينها «تشكل بعدا أساسيا من أبعاد سياسة فرنسا الخارجية التي تميزها عن غيرها من البلدان». وأكد جوبيه أنه «عازم على تعميق الحوار بين الثقافات والحضارات، وعلى تطوير الدبلوماسية الثقافية على القارات الخمس».

أما كزافيه داركوس، وزير التعليم السابق، فقد شدد على نقطة أساسية قوامها أن «دبلوماسية التأثير في الزمن الراهن يمكن أن تمر عبر دبلوماسية المعرفة والإبداع وقدرة الاجتذاب». من هنا، التركيز على الأدوات الثقافية على أنواعها التي يمكن الارتكان إليها لتكون الوسيلة الثقافية في عالم من التحديات والتعقيدات.

وتوزعت أعمال المنتدى على سبع طاولات مستديرة تناولت مختلف تحديات الدبلوماسية الثقافية ووسائل تأثيرها. وجاء إطلاق المعهد الفرنسي، العام الماضي، الذي وضع على رأسه كزافيه داركوس ليكون الذراع الضاربة المتوفرة لوزارة الخارجية عبر نشاطاته في مجالات دعم الإبداع الأدبي والفني، وخصوصا باللغة الفرنسية والترجمات، ومساندة المراكز الثقافية عبر العالم، وإطلاق الحوارات في فرنسا وداخلها.

وهذا المنتدى هو الأول من نوعه في فرنسا الذي يخصص بالكامل لدراسة كيفية رفد الدبلوماسية الفرنسية، التي نشطت في الأشهر الـ12 الأخيرة في المنطقة العربية، ولعبت بعد فترة من التردد دورا رياديا في ما تسميه باريس «مواكبة الثورات العربية».

وتعتمد الدبلوماسية الثقافية الفرنسية على شبكة من المعاهد الفرنسية الـ132 المنتشرة عبر العالم، فضلا عن أكثر من 400 مركز ثقافي تحت مسمى «أليانس فرانسيز».

وفي لقاء مع مجموعة من الصحافيين العرب، اعتبر كزافيه داركوس مهمة المعهد الذي يرأسه «أساسية» في العالم العربي، مراهنا على الحاجة إلى «إحياء الدبلوماسية الفرنسية عبر الثقافة» بالاستفادة من الشبكة الواسعة المتوافرة لباريس في هذه المنطقة. ويريد داركوس استنهاض عمل المعهد بالارتكاز إلى ثلاثة أسس رئيسية هي الكتاب (ترجمة وتوزيعا وتأهيلا لعمل المترجمين ومشاركة في معارض الكتاب في العالم العربي، مع تشجيع التوجهات الليبرالية في العالم العربي)، والحوارات والنقاشات الفكرية التي سينظمها المعهد طيلة العام المقبل، من أجل إسماع صوت فرنسا في مواضيع الاقتصاد والبيئة والسياسية والثقافة والديمقراطية. وأخيرا تشجيع المنتجات الفنية المتنوعة واستخدام وسائل التواصل الإلكتروني في استحداث حركة فكرية وثقافية عابرة للحدود. وينوي المعهد الإكثار من المنتديات والنقاشات وإحداث حركة - إن في باريس أو في أماكن أخرى، كالكويت وتونس وأبوظبي وإسبانيا وبريطانيا وغيرها - حول مواضيع متعددة.