الأزمة السورية تسدّ طريق جنبلاط إلى دمشق.. وتسهل طريق أرسلان

دروز لبنان منقسمون بين مؤيد لمطالب «أكثرية الشعب السوري» وداعم للنظام «الضامن للأقليات»

متظاهرون في حمص يرفعون أعلامهم على أحد المباني (رويترز)
TT

ينقسم دروز لبنان في مقاربتهم للأزمة السورية المستمرة منذ تسعة أشهر، وتبدو وجهات نظر زعمائهم السياسيين وقراءتهم للمشهد السوري متباعدة إلى حد كبير، بين مؤيد حتى العمق لـ«تطلعات أكثرية الشعب السوري»، ومتمسك بنظام الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره «نظاما ضامنا للأقليات».

وفي حين بلغ النائب وليد جنبلاط مراحل متقدمة في موقفه من النظام السوري اليوم، تدرجت من دعوته الأسد في مرحلة أولى إلى تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها والإقلاع عن قمع المتظاهرين وسحب المظاهر المسلحة من الشارع، مرورا بدعوته النظام السوري للالتزام بالمبادرة العربية، وصولا إلى تحميله منذ يومين النظام عينه مسؤولية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باعتبارها «قد تكون رسالة من الجيران إلى فرنسا على الأراضي اللبنانية وعلى حساب الاستقرار اللبناني»، يكرر النائب طلال أرسلان موقفه الداعم للأسد كونه «ضمانة الضمير الوطني العربي الصافي».

وإذا كان طريق جنبلاط بات «مسدودا» إلى دمشق، وفق ما عكسته مواقف شخصيات لبنانية عدة مقربة من النظام السوري في لبنان، في اليومين الأخيرين، يبدو طريق أرسلان سالكا إليها، مع العلم أنه الشخصية اللبنانية الوحيدة التي التقت الرئيس الأسد مرتين متتاليتين خلال فترة خمسة أسابيع (في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت وفي التاسع من الشهر الحالي).

ونفى سليم حمادة، المستشار الإعلامي لأرسلان لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون الزيارات التي يقوم بها أرسلان بمثابة رد على مواقف جنبلاط، موضحا أن «زياراتنا إلى دمشق دورية وسنستمر بها وقد تزداد في الفترة المقبلة لأننا مقتنعون بأنه على الدروز أن يقفوا إلى جانب النظام السوري ضد حركة الاستعمار الخارجي القادمة إلى المنطقة». ورأى أن «جنبلاط هو المتمايز في موقفه على الساحة الدرزية مما يجري في سوريا لأن موقفنا ثابت نحو سوريا منذ بداية حركتنا السياسية»، معتبرا أن لجنبلاط «رؤية خاصة تتعلق به وبرؤيته للوضع في المنطقة ككل». ووصف حمادة النظام السوري بأنه نظام «ضامن للأقليات»، وقال: «الدروز هم مجموعة إسلامية تنتهج تقاليد وعادات محددة، من دون أن يكون لها مرجعية عربية أو دولية جامعة، على غرار المسيحيين أو السنة والشيعة، وهو ما يفسر سعينا لحماية هذا التجمع الديني والاجتماعي المسمى المتمثل بالموحدين الدروز». وسأل: «كيف يمكن لنا كأقلية أن نقف إلى جانب الطرف الذي يحمينا، وفي الوقت عينه يحمي مسيحيي العراق الذين نزحوا إليه مثلا»، مستنتجا أن «الهجمة على سوريا تستهدف كل الأقليات السياسية والمذهبية، وليس الدروز فحسب».

أما مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي يرأسه جنبلاط، رامي الريس فأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «قرارنا من البداية هو قرار مستقل ولدينا رأينا السياسي المستقل في هذه المسألة أو في سواها من المسائل التي نعبر عن رأينا عنها وفق ما ينسجم مع المصلحة اللبنانية». وقال الريس: «حاول النائب جنبلاط من خلال مواقفه من الأزمة السورية أن يوجه رسالة إلى الدروز بوجوب ألا نقف في مواجهة ما تريده أغلبية الشعب السوري وضرورة أن ندرس بشدة تطورات الوضع».

وفيما أشار الريس إلى «إننا قد نتطابق في أمور كثيرة مع النائب أرسلان وقد نختلف معه في أمور أخرى، والملف السوري واحدة من النقاط التي لا نتفق فيها معه»، أكد حمادة أن «الحزب الديمقراطي اللبناني في أحسن العلاقات مع جنبلاط، ونحن نتفهم تمايزه في مواقفه». وأضاف: «كما اتفقنا في 7 مايو (أيار) على ألا تحصل ضربة كف في مناطقنا أو تراق الدماء فيها، فنحن كذلك متفقون على أن يتفهم كل منا موقف الآخر، وأن نعبر عن تبايننا بشكل حضاري».

يسهب حمادة في الحديث عن «الهاجس الدرزي»، ويؤكد «إننا وجنبلاط متفقون على ضرورة تحصين دور الدروز كجزء لا يتجزأ من الأقليات المشرقية»، مبررا هذا الحرص «انطلاقا من أواصر القربى والعلاقات العائلية التي تربط دروز لبنان بدروز سوريا».

في المقابل، يرفض الريس «الدخول في سجال درزي - درزي» في ما يتعلق بإشارة حمادة إلى أن النظام السوري هو «ضامن للأقليات». ويقول: «نحن لا نتفق مع هذا الرأي ولدينا رؤيتنا الخاصة التي نعبر عنها في هذا السياق». وفي حين يأمل الريس أن «يكون لدى دروز سوريا الحكمة والوعي والشجاعة لدراسة الموقف والتعاطي بما يتلاءم مع الوضع بمعزل عن موقف القيادات السياسية»، يشدد حمادة على أن «الدروز لم يتعودوا على الوقوف على الحياد في ما يتعلق بالقضايا الوطنية والعروبة»، مضيفا: «نحن طائفة لم تتعد على أحد وتحصين موقفنا الوجودي هو بالوقوف إلى جانب الحقن وكلنا نعلم أن من يستهدف وجودنا هي إسرائيل، وبالتالي لا يمكن لنا إلا الوقوف إلى جانب سوريا».

والى جانب مواقف جنبلاط وزيارات أرسلان، يواصل الوزير السابق وئام وهاب حراكه الدائم باتجاه سوريا، حيث يطل من منابر متعددة فيها ليعلن تأييده المطلق للنظام السوري. وفي موازاة تكراره أن «سوريا لن تكون لقمة سائغة لأحد»، يعرب وهاب عن قناعته بأن «تأثير الزعامات اللبنانية (الدرزية) معنوي فقط ومعدوم فعليا»، معتبرا أن «لا وهاب ولا جنبلاط ولا أرسلان ولا الداوود (النائب الدرزي الأسبق فيصل الداوود) يستطيعون التأثير عليهم».