الولايات المتحدة تودع العراق عسكريا وتنزل علمها من آخر قاعدة عسكرية فيه

هدوء في بغداد وغياب مظاهر الاحتفال مع نهاية الوجود الأميركي في البلاد

قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن يساعد الميجور جوزيف ألين (وسط) وهو ينزل العلم الأميركي العسكري خلال الحفل الرسمي في بغداد أمس (رويترز)
TT

حرص وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا على أن يشرف على إنزال العلم الأميركي من على سارية في قاعدة عسكرية أميركية هي الأخيرة من بين 505 قواعد أميركية منذ احتلال العراق عام 2003. الاحتفال الذي هو الثاني من نوعه، بعد احتفال «يوم الوفاء» بداية الشهر الحالي بمشاركة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وحضور كبار المسؤولين العراقيين يتقدمهم رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي، لم ترافقه فعاليات جماهيرية أو شعبية لا داخل معسكرات الجيش العراقي أو في شوارع العاصمة بغداد أو باقي المدن العراقية. خمس شخصيات عراقية شاركت الاحتفال الذي جرى بإشراف بانيتا لإنزال العلم الأميركي من بينها الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع اللواء الركن محمد العسكري الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاحتفال بهذا اليوم وبعد تسع سنوات من الوجود الأميركي في العراق، حيث ينزل الجنود الأميركيون علم بلادهم لا يمثل من وجهة نظرنا ممارسة رمزية فقط بقدر ما يمثل حالة تحول نوعي كبير لكل أبناء الشعب العراقي». وأضاف أنه «على الرغم من كل ما حصل خلال السنوات الماضية من قضايا وأخطاء وملابسات فإن هذا اليوم الأخير من الوجود العسكري الأميركي يعني أننا أنهينا حقبة مهمة كانت هي الأسوأ في تاريخ العراق وهي حقبة الديكتاتورية بالإضافة إلى محاربتنا الإرهاب والقضاء على حلقاته المهمة وحواضنه وهو ما يجعلنا أكثر اطمئنانا على المستقبل»، مشيرا إلى «إننا نشعر بسعادة غامرة، حيث إننا نعد ما تحقق ليس قليلا وأن ما سوف يربطنا بالأميركيين بدءا من العام المقبل هو ما يربط أي دولتين ذواتي سيادة بالإضافة إلى أننا عقدنا معهم اتفاقية استراتيجية مثلما لنا مصلحة فيها فإن لهم مصلحة فيها لأن العراق بلد مهم في المنطقة وأحد أغنى البلدان والذي سيكون له شأن في المستقبل بعد أن تحول نحو الديمقراطية والبناء والتقدم بعيدا عن الحروب والغزوات الخاسرة». وأشار العسكري إلى أن «الخطوة التي تمت اليوم (أمس) إنما تمثل بشكل رسمي نهاية العمليات العسكرية الأميركية في العراق وارتفاع العلم العراقي وهو أمر بالغ الأهمية». وردا على سؤال بشأن أعداد الجنود الأميركيين المتبقين في العراق قال العسكري إن «عدد الجنود الأميركيين الموجودين في العراق حاليا هم أقل من 4500 جندي وإنهم يواصلون انسحابهم، حيث لن يتبقى أحد منهم بحلول الحادي والثلاثين من هذا الشهر».

ومن جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حامد المطلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «العراقيين في كل مكان يشعرون بفرح غامر ليس من منطلق أنهم حققوا السيادة وإنما لأن الاحتلال رحل عن بلادهم هذا الاحتلال الذي جثم على صدورهم لمدة تسع سنوات كانت هي الأثقل في تاريخ هذا البلد العظيم». وأضاف «صحيح أن العراقيين لم يخرجوا إلى الشوارع محتفلين في مثل هذا اليوم لأنهم يشعرون بأن الطبقة السياسية التي جاء القسم الأكبر منها مع الاحتلال وعملت معه يدا بيد قد خذلتهم في الكثير من القضايا سواء على صعيد إعادة بناء الجيش العراقي الذي كان موضع فخر العراقيين وكل العرب أو على صعيد إعادة بناء الإنسان العراقي أو تقديم الخدمات». وأوضح: «العراقيون يعرفون جيدا من هو الذي كان وراء قرار الأميركيين الانسحاب من العراق، حيث إن مقاومة الشعب العراقي الباسلة كانت هي السبب وليست السياسات الحكومية وخلافات الكتل السياسية التي لم تتمكن من حسم أي خلاف من خلافاتها». وكانت عملية إنزال العلم الأميركي التي تمت أمس في واحدة من بين آخر القواعد الأميركية في العراق قد مرت بهدوء لم يعد مثيرا للاستغراب لدى العراقيين. وكانت المراسم قد جرت في قاعدة عسكرية قرب مطار بغداد الدولي جنوب غربي العاصمة بغداد. وبينما بدا الأميركيون هم الأكثر احتفالا بهذا اليوم فإن العراقيين الذين يحمل الكثير منهم الذكريات سيئة عن الوجود الأميركي في البلاد وسلوك الكثير من الجنود الأميركيين الفظ حيال العراقيين، لا سيما عمليات القتل التي جرت لمئات من المواطنين العراقيين بالإضافة إلى الفضائح التي ثبتت عليهم، وفي المقدمة منها فضيحة أبو غريب ومجزرة الإسحاقي ومدينة حديثة وقصة فتاة المحمودية. الأحزاب والكتل السياسية لم يحاول أي منها تسيير مظاهرات تأييد أو إطلاق رصاص الفرح في الهواء الطلق.

ولكن في الفلوجة، المعقل السابق للتمرد الذي كان يقوده تنظيم القاعدة والتي شهدت بعضا من أسوأ معارك الحرب، احتفل عدة آلاف من العراقيين بالانسحاب أول من أمس (الأربعاء) وأحرق بعضهم الأعلام الأميركية ورفعوا صور أقاربهم القتلى.

وشارك في الاحتفال وزير الدفاع الأميركي بانيتا، وقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن، والسفير الأميركي لدى العراق جيمس جيفري، ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، وقائد المنطقة الوسطى الجنرال جيمس ماتيس، إضافة إلى نحو 160 من الجنود الأميركيين. وكان رئيس هيئة الأركان العراقية المشتركة الفريق بابكير زيباري أرفع مسؤول عراقي يشارك في الحفل.

وقال بانيتا خلال مراسم إنزال العلم: «بعد إراقة دماء الكثير من العراقيين والأميركيين أصبحت مهمة إقامة عراق قادر على حكم وتأمين نفسه بنفسه أمرا واقعا». وحذر بانيتا من المستقبل الذي يواجه العراقيين خلال الفترة المقبلة، متوقعا «تحديات» أمام العراق في الفترة المقبلة. ولكنه أكد «سنكون أصدقاء وشركاء ملتزمين» بدعم العراق في مواجهة التحديات، مضيفا: «إنها ليست النهاية، بل حقا البداية». وتابع: «إننا ننهي الحرب لكننا لا نتخلى عن مسؤولياتنا».

من جهته، قال السارجنت لون بينيش، وهو يحزم متعلقاته في قاعدة عسكرية أميركية بعد انتهاء مهمته في العراق: «هل كان الأمر يستحق؟.. أنا متأكد أنه كان كذلك. عندما جئنا لأول مرة هنا كان الشعب العراقي يبدو سعيدا برؤيتنا. أتمنى أن نكون بصدد أن نترك وراءنا بلدا يقول إنه الآن أفضل حالا مما كان عليه من قبل».