سوريون لجأوا إلى أقاربهم في تركيا.. يتحسرون على ما خسروه في بلادهم

يشكون من غلاء المعيشة وخسارة ممتلكاتهم ومزارعهم

صورة مأخوذة من موقع أوغاريت لمظاهرة صباحية في ريف دمشق
TT

من فوق سطح منزل ابن عمه على الجانب الآخر من الحدود يستطيع القروي السوري محمد صادق أن يرى جنديين سوريين يتجولان حول المزرعة التي تركها منذ أربعة أشهر، بحثا عن الأمان عند أقارب أتراك. ويشعر صادق بالأسف بعد أن حطمت الاضطرابات المستمرة منذ تسعة أشهر في سوريا حياته الهادئة، كمالك لأكثر من 50 فدانا من البساتين التي تنتج التفاح والمشمش والزيتون في خربة الجوز.

كانت عائلة صادق من بين آلاف القرويين الذين أصابهم الرعب وتدفقوا على تركيا من شمال غربي سوريا منذ يونيو (حزيران)، حين شن الرئيس السوري بشار الأسد حملة لإخماد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في بلدتهم. وقال صادق، البالغ من العمر 48 عاما، في تحقيق لوكالة «رويترز»: «الجيش في منزلي لأنني مطلوب لعدة أسباب. نحن الأقرب لتركيا. كنا نعيش على محصول التفاح ونرسله إلى سوق الهال في حلب»، مشيرا إلى ثاني أكبر مدينة في سوريا، وهي بعيدة عن الحدود. وأضاف صادق الذي تعيش عائلته المكونة من 11 فردا في غرفة بجوار منزل ابن عمه في قرية حدودية هادئة: «كنا نعيش حياة جعلتنا في غنى عن أي أحد».

المنطقة التي كانت تحت الانتداب الفرنسي على سوريا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1923 ثم منحت لتركيا عام 1939، يعيش فيها الآن نحو ثمانية آلاف لاجئ سوري، معظمهم في خمسة مخيمات أقامتها الحكومة التركية. ويقول القرويون الذين ينتمون إلى الأغلبية السنية بسوريا إنهم يواجهون خطرا محددا إذا عادوا إلى ديارهم التي فروا منها حين داهمت الميليشيات المعروفة باسم الشبيحة وأفرادها من الأقلية العلوية قراهم وبلداتهم. وقال عاطف كريم البالغ من العمر 32 عاما، وهو سمكري من بلدة عين البيضا القريبة: «لا أمن ولا اختيار ولا مخرج سوى البقاء هنا، لأنه إذا رحل المرء فإنه سيُقتل... أي عنصر بأجهزة الأمن يستطيع أن يفعل ما يحلو له ويقتلك أو يمزقك إربا ولن يحاسبه أحد».

وسلك كثيرون نفس الطريق عبر الحدود الذي سلكه آلاف الناجين من مذبحة شهدتها مدينة حماه عام 1982 حين فروا من سوريا، بحسب تقرير «رويترز». وأرسل الرئيس السابق حافظ الأسد حينذاك قوات لسحق انتفاضة مسلحة قادها الإسلاميون في مدينة حماه. ويمضي اللاجئون كبارا وصغارا أيامهم الطويلة في تبادل الأخبار ومتابعة الجنود والقناصة السوريين المتمركزين في أبراج للمراقبة تطل على الوادي، مستعدين للقيام بأي شيء في سبيل منع المزيد من السوريين من الهرب. وقال موسى علوي، وهو يشير إلى مبنى عالٍ على الطريق الإسفلتي الرفيع الذي يحدد ما كانت ذات يوم حدودا غير خاضعة لحراسة مشددة: «انظر إلى القناصة على التلال وقمم الجبال». ويتذكر قرويون كيف قُتلت أُمّ وأصيب زوجها وطفلاها حين حاولوا وفشلوا في الانضمام إلى أقارب بتركيا الشهر الماضي.

ويتناقض هدوء الريف مع التوترات التي تتزايد حول قرية جويتشتشي التركية، حيث يتناقل الناس أخبارا عن انتشار مزيد من الجنود والدبابات وحفر المزيد من الخنادق في الغابات والوديان. وقال إبراهيم البالغ من العمر 21 عاما، وهو معلم من جبل الزاوية: «السوريون يخافون منا أكثر ممن هم بالداخل، لأن الناس يمكن أن يكروا ثم يفروا عائدين أو حتى يهربوا أسلحة. حفروا خنادق في الجبال وراء الحدود وأخفوا المزيد من الدبابات». يشتعل أحمد صوفان، الذي جلس يشاهد التلفزيون، غضبا مما يعتبره تباطؤا تركيّا في إنشاء منطقة آمنة داخل سوريا. وكانت تركيا من أشد المنتقدين لحملة الأسد، وأوضحت أنه إذا تفاقم الوضع فإنها ستضغط لحشد دعم دولي لإقامة منطقة عازلة تخضع للحماية للسوريين الذين يفرون من الأزمة الإنسانية.

وعلى غرار الكثير من اللاجئين الآخرين، يعتقد صوفان أن هذه المنطقة وحدها هي التي ستحمي آلاف السوريين من الخطر. وقال: «الأسد يقتل ما بين 20 و30 شخصا يوميا. في كل يوم يتأجل فيه التحرك تزهق أرواح المزيد من الأبرياء». ويتحدى بعض القرويين والمنشقين عن الجيش السوري إطلاق النيران المتقطع من قبل الجنود أثناء الليل ويغامرون بعبور الحدود تحت جنح الظلام، فيسلكون طرقا لا تسلكها السيارات لتفقد ممتلكاتهم وزراعاتهم. ويخرج منشقون أيضا في مهام استطلاع تابعة للجيش السوري الحر، وهو مجموعة من المنشقين عن الجيش يعتقد أنهم يديرون مقرا للقيادة في منشأة قريبة خاضعة لحراسة مشددة. ويخشى اللاجئون من وجود مرشدين يحاولون اكتشاف أين يوجد النشطاء، وهو ما يذكرهم دائما بأنهم ليسوا في أمان تام. وقال أبو فهد الذي فر من قرية الكستن التي كان يعيش بها عقب أن ألقيت جثة شقيقه قرب منزله بعد أن اعتقلته قوات الأمن السورية: «لا أظن أنه يمكنهم هنا القيام بأي شيء.. لكنهم يرسلونهم لمعرفة ما يحدث والسؤال عنا».

والعلاقات بين المجتمعين على جانبي الحدود قوية، إذ يربطهما التاريخ والروابط العائلية والتقاليد. وقال عرفان صبحي البالغ من العمر 58 عاما، وهو صاحب مزرعة للماشية تنتج منتجات الألبان ويستضيف ابنته وزوجها وأسرتهما من خربة الجوز: «نحن إخوة. الحدود هي التي قسمتنا. لم نرتحل أو نأتِ من أي مكان. حين رسموا الحدود أصبحت هذه المنطقة تابعة لتركيا». ويتذكر صبحي زواج ابنته نسيمة بابن عمها السوري في أوقات أفضل حين عبروا الحدود سيرا على الأقدام.

وقدم كثيرون على الجانب التركي من الحدود الغرف الإضافية بمنازلهم أو وظفوا أقاربهم كعمال في المزارع ليساعدوهم على مواصلة حياتهم. وقال فاضل فيزو الذي يعيش أقاربه في دمشق وحلب: «ما يحدث يؤلمنا بشدة. لا أريد امتهان كرامة أخي السوري، وسأرحب به وأساعده بكل ما أملك لأنه أخي في الدين». لكن التوتر يبدو واضحا على المحاصرين بالأزمة من الجانبين. وتوقف نشاط سوق سوداء مزدهرة لتهريب كل شيء من السجائر والوقود الرخيص إلى الأبقار من سوريا. وقال عمار عبد الله، وهو موظف حكومي في بلدة جبل الزاوية انتقل للإقامة مع عمه التركي ويشكو من غلاء المعيشة في تركيا: «نأكل جميعا من مدخراتنا». وقال نبيل زيد، وهو من إحدى القرى الحدودية السورية: «انتقلنا من حياة كانت صعبة إلى حياة أصعب هنا».