«لنحتل فرانكفورت».. احتجاج دون عنف

النسخة الألمانية من حركة مناهضة الرأسمالية تختلف عن نظيراتها.. وقوتها في «الصمود الهادئ»

خيام المتظاهرين قرب البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (أ.ب)
TT

على غرار حركة «لنحتل وول ستريت» جاءت حركة «لنحتل فرانكفورت»، التي استقت الكثير من الأخيرة مثل الخيام المهترئة الرثة واتخاذها موقعا قريبا من مركز اقتصادي هام وتنوع النشطاء الذين يحاولون الاتفاق على مطلب موحد. لكن مع ذلك يغيب عن مخيمات حركة «لنحتل فرانكفورت» التي تتخذ موقعها أمام البنك المركزي الأوروبي، ملمح أساسي من ملامح مخيم الحركة الأميركية في زوكوتي بارك هو: الشرطة.

فقد اتخذت سلطات فرانكفورت، التي تسيطر على المتنزه الذي يقع في قلب المدينة، موقفا متسامحا تجاه المخيم، بينما يلتزم النشطاء السلوك الطيب منذ بداية إقامتهم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. نتيجة لذلك، لم تكن هناك أي مواجهات مثل تلك التي شهدتها نيويورك والمدن الأخرى ولم تحدث أي ممارسات عنيفة أو رش لرذاذ الفلفل الحار. وبحسب معايير الفوضى، يعد نشطاء فرانكفورت مجموعة هادئة منظمة، حيث لديهم مطبخ يقدم مختلف الوجبات من الطعام المتبرع به وموقع إلكتروني وشبكة من العلاقات العامة الاحترافية وخيمة لعقد اجتماعات النشطاء.

ويقول مايكل ينيش، المتحدث باسم مكتب النظام العام، المسؤول عن منح التصريحات اللازمة لتنظيم التجمعات العامة والذي يراقب مخيم الحركة: «إذا سارت جميع المظاهرات على ما يرام، فلن نضطر إلى اتخاذ إجراءات. إذا كان لديهم القدرة على البقاء، يمكنهم الاستمرار في التخييم طوال الشتاء». ويعد هذا الموقف على طرف النقيض من موقف السلطات في مدن مثل نيويورك وأوكلاند وبوسطن، حيث أخلت قوات الشرطة المحتجين، وكذلك من المراكز المالية الأخرى في أوروبا.

ففي زيوريخ مثلا، أخلت الشرطة المخيم في نوفمبر (تشرين الثاني) وألقت القبض على 31 شخصا قاوموهم على حد ما جاء في وكالة «رويترز». ومطلع الشهر الحالي، أرسلت الشرطة في لندن خطابا إلى شركات محلية بدا أنه يحمل إشارة إلى وجود علاقة بين أعضاء في حركة «لنحتل» ومنظمات إرهابية بحسب ما جاء في «الغارديان» وصحف أخرى.

ولا يمثل مخيم فرانكفورت المكون من 50 خيمة، نموذج الانضباط الألماني كثيرا، حيث كان المخيمون منتشرين في أغلب أنحاء المنتزه الصغير، بينما توجد الكثير من علب الزيت الفارغة الملقاة والتي كنت تستخدم على الأرجح كوقود للنار. وقام أحدهم ببناء تمثال من إطارات الدراجات المنحنية والدمى وعلب الجعة الفارغة ووضعه أعلى مكان مرتفع. ومع ذلك لم يُلق القبض على أحد من نشطاء حركة «لنحتل فرانكفورت» ووصف المخيمون الشرطة المحلية بأنها أقرب ما تكون إلى الحلفاء لا الأعداء. وقال رجل يبلغ من العمر 42 عاما - يقول إن اسمه جاي - إنه من نورث كارولينا وأوضح أن الشرطة لم تتدخل عندما بدأ النشطاء اليمينيون قول الإهانات كمحاولة لافتعال شجار. وقال جاي، بينما تهطل الأمطار على الرقعة البلاستيكية التي تغطي المطبخ حيث كان يساعد في إعداد وجبات الإفطار المكونة من زبد الفول السوداني والخبز: «أرى أنهم لا يمثلون لنا مصدر إزعاج بل مصدر حماية. لم تكن لدينا أي مشكلة مع الشرطة». وبالمثل، لم تواجه شرطة فرانكفورت أي مشكلة مع المحتجين على حد قول مانفريد فون هاوسن، المتحدث باسم الشرطة، حيث قال: «إن الناس هنا هادئون تماما».

واختار النشطاء موقع التخييم بجوار البنك المركزي الأوروبي احتجاجا على ما يرونه عدم اكتراث من قبل البنك تجاه العملية الديمقراطية وسياسة التقشف التي يساعد في فرضها على الدول المدينة مثل اليونان. ومع ذلك لا يبدو على المحتجين إدراكهم للسياسات التي يتبناها البنك المركزي، مثل خفض سعر الفائدة الأسبوع الماضي. وجدير بالذكر أن لدى الحركات اليسارية تاريخا طويلا في أوروبا، واعتادت الشرطة الألمانية التعامل مع النازيين الجدد والحركة اليسارية المتطرفة «أوتونومين» وجماعات أخرى تنتهج العنف على عكس محتجي حركة «لنحتل وول ستريت» الذين لا يتطلب وجودهم وجود الشرطة الدائم.

وقال أحد المقيمين في مخيم حركة «لنحتل فرانكفورت» وعموه 50 عاما: «الولايات المتحدة ليست معتادة مثل أوروبا على التعامل مع هذه الحركات». وكان الرجل يعمل على إقامة منصة استعلامات مصنوعة من القطع البلاستيكية والألواح الخشبية، حيث يمكن للمارة الحصول على أوراق دعائية وربما التبرع للمساعدة في بناء حمامات متنقلة ومرافق أخرى ضرورية في المخيم. وقد حرص المحتجون على عدم عرقلة حركة مرور المشاة كثيرا على الممرات المؤدية إلى المنتزه من موقف ترام قريب.

وبعد بضع دقائق، كان الرجل يرتدي معطفا أحمر اللون مجعدا ويلعب دور مرشد لمجموعة من الطلبة في السنة النهائية من المدرسة الثانوية، وكان يشعل سجائر، بينما يتجمع حوله الطلبة في شبه دائرة، ثم أوضح لهم كيفية إدخال خدمة الحاسب في إحدى الخيام. وقال أحد الطلبة ويُدعى نيكولاي شيليان: «إنه مثير للغاية». واتفق زميله ساندرو كاوفمان مع ما يفعله المحتجون موضحا أن «المصارف أصبحت تمتلك قوة كبيرة»، لكنه لم يكن مستعدا لدعم القضية، وقال: «إنهم بحاجة إلى صياغة حجج قوية تدعم قضيتهم». وكانت هناك قائمة بالطلبات على الموقع الإلكتروني لحركة «لنحتل فرانكفورت» www.occupyfrankfurt.de، لكنها حذفت بعد شكوى البعض من أنها لا تحظى بتوافق الجميع. ومنشور على الموقع حاليا: «نحن مجموعة لنا أفكار وأهداف مختلفة، لكننا نتفق على وضع حدود لقوة ونفوذ الرأسمالية والمال والمصارف والأسواق والحكومات. تبدو طرق تحقيق ذلك مختلفة بحسب كل فرد من أفراد المجموعة». ومع ذلك، يجتمع النشطاء على رفض العنف. وخلال الشهر الحالي، بعد إرسال خطاب مفخخ إلى جوزيف أكرمان، الرئيس التنفيذي لمصرف «دويتشه بانك»، أصدرت الحركة بيانا صحافيا بعد ذلك بسويعات قليلة تدين فيه هذا الهجوم. ويقع مكتب أكرمان في مبنى مرتفع على بعد بضع خطوات من مكان المخيم.

ورغم أن مقر البنك المركزي الأوروبي قريب من موقع المخيم، لم يحاول المحتجون عرقلة العمل به. وعندما اجتمع مجلس إدارة البنك في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول)، وزّع محتج واحد يرتدي قناعا أوراقا دعائية بالقرب من مدخل البنك. وكان المعسكر يحظى بالاهتمام الإعلامي في البداية، لكن سرعان ما غابت أخباره عن صفحات الصحف الألمانية، فالحركات المناهضة للرأسمالية ليست محل اهتمام في ألمانيا، حيث لدى الحزب اليساري، الذي تمتد جذوره إلى النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية، مقاعد في البرلمان. كذلك يبدو أن الزخم في المتنزه، الذي يقع بالقرب من محطة «تاونس أنلاغي» ويمثل حلقة خضراء تحيط بمنطقة أعمال حيوية. ورغم وجود 50 خيمة، يعترف المخيمون أن بعض الخيام تكون خالية أثناء الليل. وبحسب رواية مسؤولي المدينة، لم يتجاوز عدد الأشخاص في المكان خلال ليلة من ليالي الأسبوع الحالي العشرين، لكنهم لم يحاولوا أن يحصوا عدد الأشخاص الذين يوجدون داخل الخيام. ومع ذلك، يبدو أن الحركة قد حازت القبول أكثر من الحركات الاحتجاجية التقليدية، حيث مثلت نقطة ارتكاز بالنسبة إلى المسيرات الاحتجاجية نهاية الأسبوع الحالي والتي شارك فيها المئات.

ويقول هارالد فيدلر، رئيس فرع اتحاد النقابات الألمانية في فرانكفورت والذي تبرع بخيمة كبيرة للمحتجين ومنحهم أشكالا أخرى من الدعم: «تعد بعض مظاهرات يوم السبت الأضخم في فرانكفورت منذ سنوات. إنها تتواصل مع قاعدة أكبر من الجمهور». ويتوقع فيدلر أن تكتسب الحركة زخما جديدا عندما يعتدل الطقس. ويعتزم على الأقل بعض المحتجين الصمود حتى ذلك الحين. وأوضح جاي قائلا: «يمكن للطقس أن يصبح باردا، لكن عليك أن تتكيف».

* خدمة «نيويورك تايمز»