موسى يراهن على الرئاسة في مصر الجديدة

قال إنه فخور بعمله كوزير خارجية وأقيل بسبب خلافه مع مبارك

عمرو موسى المرشح الرئاسي المفترض في طابور التصويت في الانتخابات البرلمانية (واشنطن بوست)
TT

أطلت النساء من الشرفات لإلقاء نظرة على عمرو موسى أثناء سيره في شوارع أحد أحياء الطبقة المتوسطة في القاهرة في ظهيرة أحد الأيام القليلة الماضية. ضحكت الفتيات الصغيرات واحتشدت الجموع في حالة إعجاب حول عمرو موسى.

ولكن مع ترديد البعض شعار «الشعب يريد عمرو موسى رئيسا للجمهورية»، ربما لا يكون المرشح الرئاسي قد سمع الكلمة التي يتلفظ بها بعض الشباب «فلول»، وهي كلمة انتشرت بين المصريين ومعناها «بقايا النظام»، وهي تذكرة واضحة بأن محاولة السياسي البالغ من العمر 75 عاما ارتداء عباءة الثورة المصرية يمكن أن تعرقلها علاقاته التي استمرت لفترة طويلة بالنظام السابق المخلوع.

حتى عام 2001، كان موسى وزير خارجية شهيرا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ثم شغل لمدة عقد منصب أمين عام الجامعة العربية. وبفضل هذين المنصبين، اكتسب مكانة دولية وسمعة كرجل دولة، لكنهم قد ربطوه أيضا بشكل معقد بالحرس القديم في مصر الباحث عن شيء جديد.

غير أن موسى لا يزال أحد أبرز الشخصيات التي دخلت سباق الترشح لمنصب الرئيس خلفا لحسني مبارك، حتى بعد عام من الاضطرابات الدموية التي اجتاحت المنطقة.

وعلى الرغم من أن المجلس العسكري الذي يدير البلاد يجب أن يحدد موعدا لإجراء انتخابات الرئاسة، ربما تصبح حملة موسى الانتخابية نقطة تحول في ثورة مصر غير المكتملة، ففوزه سيثبت أن المصريين يفضلون الثبات والاستقرار على التغيير الجذري في أكثر الدول شهرة في العالم العربي.

يمثل موسى بصور عدة النقيض للدماء الجديدة التي طالب بها الثوار الشباب الشتاء الماضي. لقد أشعل جذوة الثورة التي استمرت لمدة 18 يوما، وأطاحت بحاكم مستبد موجة الغضب من الفساد وانعدام الفرص في دولة معدمة استحوذت على السلطة فيها حلقة ضيقة من النخب الثرية، شملت موسى. ويتهمه معارضوه بأنه انتهازي واستغل شهرته في سرقة الثورة. يشير إليه بعض النشطاء بأنه «محسوب على نظام مبارك» بسبب علاقته الوثيقة بالرئيس المخلوع، غير أن كثيرا من المصريين يتوقون إلى الاستقرار الذي يزعمون أنه سيحققه بتوليه هذا المنصب الرفيع. «عمرو موسى يمكنه أن يسد تلك الفجوة ببراعة شديدة»، هذا ما قاله عبد المنعم سعيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة. إن معظم من كانوا بين حرس مبارك القديم قد أصبحوا نشطاء سياسيين وتلاحقهم اتهامات بالفساد. في الوقت نفسه، ما زالت معظم الحركات المدنية التي نشأت من الثورة بحاجة إلى الوقوف على أرض صلبة. وبينما اكتسح المرشحون الإسلاميون في المراحل المبكرة من الانتخابات البرلمانية التي بدأت هذا الشهر، يرى كثير من الخبراء أن المصريين ربما يتطلعون إلى شخص آخر، حينما يتعلق الأمر باختيار قائد واحد.

في الاستبيانات التي أجريت منذ الإطاحة بمبارك في فبراير (شباط)، احتل موسى أعلى مرتبة بين مرشحي الرئاسة المحتملين، مما يشير إلى أن المصريين يتعاملون معه كشخص قادر على قيادة الدولة عبر مرحلة الاضطراب السياسي والاقتصادي التي تمر بها.

لم يعتذر موسى عن عمله في ظل حكم مبارك وسابقيه، في مسيرة حياة مهنية ترجع إلى عام 1958، وشملت وظائف بالأمم المتحدة. ويصر على أنه لم يخش مطلقا من إظهار اختلافه مع مبارك خلال تقلده منصب وزير الخارجية في الفترة من عام 1991 إلى 2001، وأنه اختلف معه أكثر من مرة.

«توليت منصب وزير خارجية مصر لمدة 10 سنوات، وأنا فخور بتلك الفترة، ثم تمت إقالتي من ذلك المنصب بسبب اختلافات في وجهات النظر بيني وبين الرئيس»، هكذا تحدث موسى في حوار أجري معه مؤخرا، واصفا صور الهجوم الموجهة لمسيرة حياته المهنية بأنها حملة لتشويه سمعته.

لم يتضح بعد ما إذا كان بإمكان موسى التخلص من وصمة ارتباطه بالنظام السابق، ولكنه يتمتع بسلطة يفتقر إليها منافسوه. إنه على صلة وثيقة بالنظام البيروقراطي في مصر، الذي ما زال قائما، وتربطه علاقات منذ أمد طويل بالقادة العسكريين في الدولة، وينظر إليه على أنه وطني، وعلى صلة بواشنطن والقوى الإقليمية بسبب عمله في السلك الدبلوماسي.

كوزير خارجية، عمل مع المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع وقتها والحاكم الفعلي لمصر منذ تولي الجيش مقاليد السلطة في 11 فبراير. ويشير محللون إلى ذلك بوصفه إشارة إلى أن موسى يمكن أن يكون مرشحا مفضلا للمجلس العسكري الحاكم، الذي يعمل على حماية المصالح الاقتصادية واسعة النطاق للجيش. انتهج موسى مسارا حذرا، فقد زار المتظاهرين في ميدان التحرير أثناء الثورة، أملا في الظهور بمظهر القائد المستقبلي المحتمل، حتى في الوقت الذي كان فيه مبارك ما زال متشبثا بالسلطة، وقد أدان عمليات القمع الوحشية التي جرت مؤخرا من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين، وزار الأحياء الفقيرة، بينما ما زال يبقي على ما يصفه أنصاره بـ«علاقة عمل» مع الجنرالات الذين يثيرون استياء الشعب.

«إنه مرشح يمكنهم أن يتفقوا عليه»، هذا ما قاله خالد فهمي، مؤرخ مصري بارز، مشيرا إلى القادة العسكريين.

وأكد موسى أثناء المقابلة أنه قد عرض عليه منصب رئيس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال التي قام بتعيينها المجلس العسكري، والتي تقلدت منصبها الشهر الماضي، ورفضه.

وقد رفض المرشح الرئاسي المنافس له والمفضل لدى الثوار محمد البرادعي أيضا هذا المنصب. لكن موسى قبل دورا أقل خطورة من الناحية السياسية هذا الأسبوع، بانضمامه إلى المجلس الاستشاري الذي شكله المجلس العسكري حديثا، والذي يتوقع أن يقدم المشورة للجنرالات أثناء صياغة الدستور الجديد في الأشهر المقبلة. وقال المتحدث السابق باسمه في جامعة الدول العربية، عبد العليم الأبيض، إن علاقة موسى بالمجلس العسكري وشعبيته بين المصريين العاديين يمكن أن تجعله يفوز بالرئاسة. «تربطه علاقة قوية بالجيش ومستعد لعقد صفقات معه»، هذا ما قاله. وأضاف: «إنه ابن النظام».

يدير موسى أيضا واحدة من أكثر الحملات الدعائية قوة. وكان أول من أعلن عزمه على الترشح للرئاسة، وهو قرار يقول أنصاره إنه اتخذه قبل أيام من تنحي مبارك. خلال فترة العشرة أشهر منذ الإطاحة بمبارك، كافح من أجل الظهور بمظهر قائد يمكن الوثوق في قدرته على تقدير الثورة حق قدرها. كانت الأيام التي استمر في العمل فيها لمدة 12 إلى 15 ساعة حافلة بالظهور الإعلامي وبمقابلات مع جماعات من مختلف الأطياف السياسية، بدءا من جماعات حقوق المرأة إلى الإسلاميين شديدي التطرف. كما يظهر أيضا في حفلات عرس بالمناطق الريفية، وتنشر صور له وهو يقبل الأطفال الرضع في الصحف المحلية، كما يبقي بابه مفتوحا أمام النشطاء الشباب، ويعد بمحاربة الفساد المستشري.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»