كوابيس سجن «أبو غريب» لا تزال تلاحق نزلاءه السابقين

سجناء يتحدثون عن حالات نفسية «غريبة» ويقولون إنهم لن ينسوا ما مروا به

TT

في عام 2004 تفجرت فضيحة في العراق ألحقت ضررا بالغا بسمعة أميركا وجيشها بعد نشر صور حول العالم تظهر تعرض سجناء في سجن «أبو غريب» ببغداد إلى الإهانة وسوء المعاملة على أيدي سجانيهم الأميركيين. ورغم مرور سبع سنوات، صدرت خلالها أحكام بحق 11 جنديا أميركيا تصل إلى السجن لعشرة أعوام بعد إدانتهم بتلك الممارسات، لا يزال ضحايا تلك الممارسات يعانون من الآثار النفسية للكوابيس التي عاشوها.

أبو مصطفى (33 عاما) يعمل اليوم مدرسا في مدرسة ابتدائية في النجف (150 كلم جنوب بغداد) وكان قد أمضى أربعة أعوام في الاعتقال عندما كان عنصرا في جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، بينها نحو عام في أبو غريب بدءا من سبتمبر (أيلول) 2004. ويقول هذا السجين السابق إنه لا يزال يعاني من حالات نفسية «غريبة» يتذكر خلالها كيف كان الجنود الأميركيون يضعونه في «صندوق حديدي ويبثون فيه أصواتا مرعبة». ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية أن «الجنود الأميركيين كانوا يعاملوننا بعنف وشدة ويمارسون معنا حربا نفسية مؤلمة باستمرار». ويقول «كانوا يعاقبوننا في بعض الأحيان عبر وضعنا في صناديق حديدية ويبثون أصواتا مرعبة تسبب ما يشبه الارتجاج في الدماغ». ويؤكد أن «المواقف المرعبة في أبو غريب لا تفارقني أبدا. أتخايل نفسي أحيانا مقيدا بسلاسل ويقودني جنود أميركيون قذرون إلى الغرفة المعدنية الصغيرة حيث الأصوات المرعبة».

وتحدث السجين السابق، وهو أب لطفلين، عن إصابته بحالات نفسية «غريبة»، موضحا أن «عائلتي تسألني مرارا عن سبب انفعالاتي المفاجئة وصراخي من دون داع أو جلوسي على انفراد لساعات طويلة». وبرر ذلك قائلا «لا أستطيع أن أنسى أيام أبو غريب، لقد كانت أكثر قسوة مما يمكن أن توصف».

ويظهر في إحدى الصور سجين عار مهدد بكلاب حراسة يمسك بها جنود أميركيون وهو ملتصق إلى بوابة زنزانة، فيما تكشف أخرى عن مجموعة سجناء عراة غطت رؤوسهم بأكياس بلاستيكية فيما تقوم جندية أميركية بالإشارة بسخرية إلى أعضائهم التناسلية. ودفعت الفضيحة إلى إغلاق السجن في سبتمبر 2006 حتى فبراير (شباط) 2009.

وفي مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد)، ينقل محمود علي حسين (35 عاما) نظره بين أطرافه الأربعة التي بترت بانفجار عبوة استهدفت دورية أميركية كانت تقله إلى سجن أبو غريب عام 2005، قبل أن يستجمع قواه ويقول «لن أنسى ما حدث لي بسببهم. سأعلم أطفالي أن يقاتلوا الأميركيين». ومن على كرسيه المتحرك والبسيط في منزله في المدينة التي شهدت معركتين كبيرتين مع القوات الأميركية عام 2004، يروي حسين بتأثر وصعوبة بالغة بعضا من تفاصيل حالات التعذيب التي يقول إنه شهدها في السجن سيئ الصيت غرب بغداد. ويوضح محمود الذي أصبح اليوم أبا لثلاثة أطفال أن «الجنود الأميركيين في سجن أبو غريب كانوا يتعاملون بقسوة كبيرة حتى مع المرضى وكبار السن والأحداث». ويضيف فيما يهم أحد أفراد عائلته بمساعدته على تدخين سيجارة «حتى المعتقلين المرضى كانوا يربطونهم بسلاسل إلى الأسرة، أو ينقلونهم وهم مكبلون بالسلاسل برفقة كلاب الحراسة». ويقول إن الجنود الأميركيين الذين يعملون حاليا على إكمال انسحابهم من البلاد بحلول نهاية العام الحالي «خلفوا وراءهم معاقين وأرامل وأيتاما، وما زلت أتمنى أن يكون لي أيد وأرجل لأقاتلهم».

وبحسب ناجي عبيد حميد رئيس منظمة «العهد للدفاع عن حقوق المعتقلين العراقيين» فإن «سبعين في المائة من المعتقلين الذين وصل عددهم إلى 350 ألف معتقل خلال الأعوام الماضية، مصابون بأمراض نفسية وجسدية بسبب ما تعرضوا له على أيدي الأميركيين».

وفي سامراء (110 كلم شمال بغداد)، يروي السجين السابق في أبو غريب أبو محمد (47 عاما) أنه «في الشتاء لا شيء سوى الماء البارد للاستحمام وخيم تتطاير عند هبوب الرياح والأمطار، ثم يضحكون علينا».

ويؤكد أبو محمد الذي اعتقل في مارس (آذار) 2004، إثر انفجار استهدف القوات الأميركية وأمضى أكثر من عامين في أبو غريب «تحولت إلى إنسان انطوائي يرفض المزاح ومعاشرة الأصدقاء، وأشعر أن أولادي أصبحوا يكرهونني اليوم». وفيما يسترق محمود علي حسين النظر بطرف عينه في منزله بالفلوجة إلى صور يتناقلها أفراد عائلته ويظهر فيها هو قبيل بتر أطرافه، يقاطع والده الجلسة ليقول «إذا كانت هناك عدالة دولية فيجب أن يحاكم الأميركيون». ويتابع وهو يجهش بالبكاء «أتمنى أن يحدث لهم مثل ما حدث لابني».