استمرار الخلافات بين ثوار الزنتان ورئيس أركان الجيش الوطني

مصادر ليبية لـ «الشرق الأوسط» : وزير الدفاع الأميركي لم يطلب امتيازات أو قواعد عسكرية

وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا لدى اجتماعه برئيس الوزراء الليبي عبد الرحيم الكيب في طرابلس أمس (أ.ب)
TT

نفت مصادر حكومية ليبية لـ«الشرق الأوسط» أن تكون المحادثات التي أجراها أمس وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، في العاصمة الليبية طرابلس مع كبار مسؤولي المجلس الانتقالي والحكومة المؤقتة قد تطرقت إلى منح الولايات المتحدة أي امتيازات أو قواعد عسكرية على الأراضي الليبية.

وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم تعريفها، أن بانيتا لم يطلب تحت أي مسمى الحصول على قاعدة عسكرية أميركية في ليبيا, لكنها أكدت في المقابل أنه حرص على إبلاغ المسؤولين الليبيين رسالة مفادها أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عازمة على تقديم كل المساعدات السياسية والعسكرية المطلوبة لإنجاح مهمة المجلس الانتقالي وحكومته في عملية نقل السلطة، بشكل ديمقراطي.

وجاءت زيارة بانيتا فيما تشتد الخلافات داخل مدينة طرابلس بين قادة كتائب وسرايا الثوار واللواء خليفة حفتر، رئيس هيئة أركان الجيش الوطني, حيث اعتقل ثوار من الزنتان صدام، نجل حفتر، بعدما أصابوه بطلق ناري في قدمه على خلفية أحداث قالوا إنها كانت محاولة من نجل حفتر لاقتحام أحد المصارف عنوة، أول من أمس.

وأقر حفتر في تصريحات نادرة له، مساء أول من أمس، بأن اثنين من أبنائه أصيبا بجروح في معارك متفرقة بالأسلحة مع ثوار الزنتان الذين يسيطرون على مطار طرابلس ومواقع أخرى في العاصمة.

واندلعت، الأسبوع الماضي، اشتباكات عنيفة بين قافلة تقل حفتر، الذي يقود أيضا القوات البرية في الجيش الوطني، مع رجال ميليشيات عند نقطة تفتيش بالقرب من المطار.

وأظهر شريط فيديو، بثته قناة الزنتان، على صفحتها الخاصة، على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك», صدام نجل حفتر يحاول تغطية وجهه بملاءة من القماش وهو ممد على سرير طبي، بينما يقوم معالجوه بإسعافه.

وسعى ثوار الزنتان للدفع عن موقفهم حيال توقيف نجل حفتر بنشر وثائق تؤكد مسؤوليتهم الرسمية عن حماية المصرف الذي كان مستهدفا على ما يبدو, لكن بعض المحسوبين على حفتر يقولون في المقابل إن ما جرى هو استمرار للتوتر العسكري والأمني بين الطرفين.

ولفت هؤلاء إلى أن ثوار الزنتان يتعاملون مع حفتر بازدراء، في إشارة إلى عدم اعترافهم بمنصبه كرئيس لهيئة أركان الجيش الوطني، بعد استقالة سلفه اللواء سليمان العبيدي.

وكان وزير الدفاع الأميركي قد قام أمس بزيارة استغرقت عدة ساعات إلى طرابلس هي الأولى له على الإطلاق منذ اندلاع الثورة الشعبية في شهر فبراير (شباط) الماضي، التي أسقطت نظام العقيد الراحل معمر القذافي, كما أنها أول زيارة لمسؤول أميركي بهذا المستوى الرفيع منذ إعلان تحرير ليبيا ومقتل القذافي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال زيارته المفاجئة التي لم يسبق الإعلان عنها, التقى بانيتا مع رئيس الوزراء، عبد الرحيم الكيب, ووزير الدفاع، أسامة الجويلي، أحد قادة الثوار الذين أطاحوا بنظام القذافي.

وعلى الرغم من التطمينات التي أبلغها مسؤول الحكومة الليبية للمسؤول الأميركي الزائر، فإن بانيتا أبدى في المقابل تشاؤما حيال إدارة الفترة لانتقالية في ليبيا ما بعد رحيل القذافي, حيث اعتبر في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع رئيس الحكومة عبد الرحيم الكيب أن ليبيا تواجه ما وصفه بطريق «طويل وصعب» للانتقال من حكم الرجل الواحد، الذي استمر 42 عاما، وتوحيد الميليشيات.

واعتبر بانيتا أن ليبيا تواجه تحديات قاسية في توحيد القوات التي أطاحت بالقذافي وتأمين مخازن السلاح وبناء جيش وقوة شرطة ومؤسسات ديمقراطية, مضيفا: «سيكون هذا انتقالا طويلا وصعبا، لكني واثق من أنكم ستنجحون».

وردا على سؤال يتعلق بمصير الميليشيات التي تمسك بالسلطة الحقيقية في شوارع ليبيا, قال المسؤول الأميركي: «أنا واثق من أنهم (القادة المؤقتين) يتخذون الخطوات الصحيحة للتواصل مع كل هذه الجماعات، وجمعها معا لكي تكون جزءا من ليبيا واحدة ونظام دفاعي واحد». وتابع: «لدي شعور جيد بأنهم يعرفون كيف يتعاملون مع ذلك».

وقال بانيتا إن القيادة الجديدة تحتاج إلى تأمين الأسلحة التي تنتقل في البلاد وبناء قوات أمن محترفة, مشيرا إلى أن واشنطن مستعدة للمساعدة، لكنه استدرك مؤكدا أنه لم تجر مناقشات بشأن تقديم أسلحة أو عتاد عسكري.

ولا تختلف هذه التصريحات عن تلك التي أطلقها بانيتا من العاصمة التركية أنقرة قبل وصوله إلى طرابلس, حيث سلم بالتحديات التي تنتظر ليبيا, واعتبر أن الحكومة الليبية «تعمل وسط بعض المشكلات بالغة الصعوبة».

وقال إن «سبب زيارتي إلى ليبيا هو أن يتسنى لي الفرصة لرؤية الوضع عن كثب وتحية الليبيين لما أنجزوه من أجل الإطاحة بالقذافي..». وأضاف «سيكون هناك تحديات وسيكون هناك صعوبات، لكني على يقين أن بلدا مثل ليبيا تمكن من إنجاز ما فعل وإظهار مثل هذه الشجاعة سيوصل في نهاية المطاف إلى إرساء الديمقراطية».

وأكد أن الولايات المتحدة مستعدة لـ«تقديم كل المساعدة التي يطلبها منا (الليبيون)» لكن من غير الوارد، كما قال، بالنسبة لواشنطن أن تفرض وجهات نظرها.

وأضاف بانيتا وهو ثاني مسؤول كبير أميركي يزور ليبيا بعد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «لقد اكتسبوا حق تقرير مصيرهم».

في المقابل، تعهد رئيس الوزراء، الكيب، ببرامج لتوفير وظائف «وفرص» أخرى للمساعدة في إقناع أفراد الميليشيات بالانسحاب من الشوارع. وقال: «نحن نعلم مدى خطورة هذه المسألة ونعرف أنها ليست مجرد موضوع يقال فيه: حسنا فقط ضعوا سلاحكم وعودوا إلى العمل»، مضيفا: «لدينا برامج قوية صممت لاجتذاب كل هؤلاء الشبان والسيدات».

واستغل بنيتا زيارته للعاصمة الليبية لكي يضع إكليلا من الورود على إحدى مقابر المدينة، حيث يرقد عدد من 13 بحارا أميركيا قتلوا في 1804 في انفجار سفينتهم في مرفأ العاصمة الليبية أثناء أول تدخل أميركي، ويفرض قانون تبناه الكونغرس على البنتاغون إعادة جثثهم إلى الولايات المتحدة.

وتأتى زيارة بانيتا إلى طرابلس بعدما حصلت حكومة الكيب على دفعة لاقت ترحيبا عندما رفع مجلس الأمن عقوبات على البنك المركزي الليبي ووحدة تابعة له، ممهدا الطريق أمام الإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات المحتجزة في الخارج لتخفيف أزمة السيولة الحادة.

وتعطي هذه الخطوة دفعة للحكومة الليبية الهشة وسلطتها التي تواجه تحديا من الصراع على السلطة بين عدد كبير من الميليشيات خرجت من الحرب، التي أنهت حكم القذافي الذي استمر 42 عاما.

وجمد مجلس الأمن الأصول الليبية في الخارج، التي تقدر بما يصل إلى 150 مليار جنيه بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد القذافي, علما بأن المجلس الانتقالي طالب مرارا بالإفراج عن الأصول، من أجل دفع أجور موظفي القطاع العام، وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

وحذت الولايات المتحدة، التي شاركت في حملة القصف، التي شنها حلف شمال الأطلسي على ليبيا حذو مجلس الأمن، وفكت تجميد أكثر من 30 مليار دولار من الأصول الحكومية الليبية، حيث قال جاي كارني، المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما: «بعد مشاورات مع الحكومة الليبية الجديدة رفعت الولايات المتحدة غالبية العقوبات الأميركية» على هذا البلد. وأضاف أن «أرصدة عائلة القذافي وأعضاء آخرين في نظام القذافي في الولايات المتحدة لا تزال مجمدة». وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية في وقت لاحق أن قيمة المبالغ التي تم رفع التجميد عنها تبلغ «أكثر من 30 مليار دولار».

وبحسب البيت الأبيض، فإن هذا التدبير «يحرر كل الأموال الحكومية وأموال البنك المركزي (الليبي) الواقعة تحت سيادة القوانين الأميركية، مع بعض الاستثناءات المحدودة», مشيرا إلى أن «أرصدة عائلة القذافي وأعضاء سابقين آخرين في نظام القذافي في الولايات المتحدة لا تزال مجمدة». وأضاف البيت الأبيض في بيان أن «هذه الإجراءات، إلى جانب الخطوات التي اتخذها مجلس الأمن، أول من أمس، ستسمح للحكومة الليبية بالحصول على الجزء الأكبر من الودائع في العالم».

من جهته, أعرب الصديق عمر الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي أمس عن أمله في تحسن الأوضاع المالية في ليبيا، غداة قرار مجلس الأمن الدولي رفع العقوبات التي فرضها على البنك وفرعه الاستثماري الخارجي، لتسهيل تمويل مرحلة ما بعد القذافي.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الكبير قوله إن «هذا الإفراج من شأنه تخفيف أزمة السيولة التي تشهدها البلاد منذ إعلان تحريرها من قبضة القذافي»، مشيرا إلى أن هذا الأمر «سيلاحظ خلال الشهر الحالي». وأضاف أن «الأمور المالية للبلد ستتحسن مع نهاية الشهر الحالي ومطلع العام المقبل»، موضحا أنه أصدر قرارا بطبع أوراق نقدية لتزيد حجم الاحتياطي من الأموال، مؤكدا أن «الاختناقات القائمة في السوق الليبية ستنتهي في هذه المدة، بعد رفع الكثير من القيود التي فرضها المصرف خلال المدة الماضية».

واعتبر أن رفع العقوبات «خطوة ضرورية من أجل الاستقرار الاقتصادي في ليبيا، ولزيادة الثقة في القطاع المصرفي ولسهولة تنفيذ وتسوية المعاملات المصرفية المحلية والدولية ولتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الكلي في ليبيا الجديدة».

ولكن الكبير مع ذلك لفت إلى أن «هذا الإفراج لا يعني أن الأموال الليبية التي كانت مجمدة والمقدرة بـ150 مليار دولار سيتم تسييلها مباشرة في البنوك والمصارف العاملة في ليبيا، بل هو إعطاء مصرف ليبيا المركزي الحق في إدارتها بما يخدم الشعب الليبي».

وأشار إلى أن «الحكومة الانتقالية تعكف على إعداد الميزانيات العامة للعام المقبل»، موضحا أنه «في حال اعتمادها سيتمكن المصرف مع رفع تجميد أمواله بتنفيذ خطة تلك الميزانية وتحديد أوجه الصرف من خلالها».

وكان تجميد الأموال الليبية جزءا من حزمة عقوبات فرضها مجلس الأمن في شهر مارس (آذار) الماضي في القرارين 1970 و1973، بهدف الضغط على القذافي لوقف قمعه الدموي للانتفاضة التي اندلعت ضد حكمه.

غير أن الكبير توقع أن تتم هذه العملية «بسرعة كبيرة»، مؤكدا أن السلطات الليبية أحالت نسخة من رسالتها إلى لجنة العقوبات بالأمم المتحدة، المطالبة بالإفراج عن أموالها إلى كل البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى طرابلس، وحصلت على طمأنة حيال الأمر.

وسئل عن المخاوف التي أعرب عنها البعض من احتمال أن يشمل قرار الإفراج عن الأموال الليبية تلك العائدة لعائلة القذافي ومعاونيه، فأوضح الكبير أن المصرف المركزي «يختص بحسابات مؤسسات الدولة وليس الأفراد»، مؤكدا أنه وفي خطوة استباقية «تم تجميد كل الحسابات لدى المصرف لحين غربلتها وتنظيمها مجددا».

وأكد أن المصرف المركزي «ما هو إلا جهة لإدارة الأصول والأموال الليبية»، مشددا على أن «الدولة الليبية ذات سيادة ولها حكومة قائمة ستضبط إيقاع صرف تلك الأموال بما يخدم الليبيين، خاصة أن تلك الأموال تعد كبيرة».

ولا تملك الحكومة الليبية التي تولت مهامها قبل ثلاثة أسابيع فقط, سيولة كافية لدفع رواتب الموظفين ومتابعة البرامج المتعلقة بنزع أسلحة السكان ودمج المقاتلين السابقين الذين حاربوا قوات القذافي.

وهؤلاء الثوار الذين نظموا أنفسهم في ميليشيات مسلحة يفرضون قانونهم في طرابلس حيث يسيطرون على عدة منشآت استراتيجية، مثل المطار الدولي، مما يؤدي إلى اشتباكات شبه يومية.