تساؤلات حول علاقة موغابي بتجارة الماس

جدل حول عدم تسجيل عائدات بعشرات ملايين الدولارات في ميزانية الدولة

موغابي
TT

يتم استخراج الماس قيمته عشرات ملايين الدولارات أو أكثر سرا من مناجم مملوكة للدولة في شرق زيمبابوي وهو ما يعد تفريطا في ثروات البلاد ويثير مخاوف من جمع الرئيس روبرت موغابي الثروات من أجل مد فترة حكمه التي وصلت إلى 31 عاما، بحسب مراقبين ودبلوماسيين ومشرعين.

وحتى إذا كان حلفاء موغابي في وزارة التعدين يقولون الحقيقة بخصوص كمية الماس الذي ينتجه المنجم، فإنه تم اختلاس 60 مليون دولار على الأقل العام الماضي بحسب تقرير الميزانية الصادر عن وزير المالية، وهو أبرز خصوم الرئيس السياسيين. لكن مع ذلك، قد تفوق الأموال التي لا يتم إدراجها في ميزانية الدولة ذلك بكثير. ويقول خبراء وأعضاء في حزب موغابي إن حلفاء الرئيس يتلاعبون بأرقام الماس أملا في إخفاء حقيقة توظيف أرباحه لأغراض سياسية وشخصية. ويقول مايك ديفيس، المتخصص في مؤسسة «غلوبال ويتنيس» التي تبحث في تلك المناجم الواقعة شرق زيمبابوي والتي تعرف بحقول مارانج: «يحصل حلفاء الرئيس مباشرة على أرباح الماس». وأضاف أن الاستراتيجية «جزء من محاولة أكبر من قبل الأشخاص المحيطين به للحصول على ثروة الماس واستخدامها في تحقيق أغراضهم السياسية التي تعني على المدى القصير الفوز بالانتخابات القادمة».

وبما أن موغابي لم يعد قادرا على التحكم في وزارة المالية، والتي كانت ثمرة اتفاق على تقاسم السلطة لوقف أعمال العنف التي دعمها النظام والتي اندلعت خلال الانتخابات الرئاسية عام 2008، يرى محللون أنه بحاجة إلى دعم مالي خارجي لتمويل مخططاته السياسية. ويتيح له الماس فرصة نادرة لتحقيق ذلك خاصة في ظل موافقة المراقبين الدوليين على السماح لزيمبابوي ببيع كميات كبيرة منه رغم التحذيرات المتكررة من أن ذلك قد يمكن الرئيس موغابي من إحكام قبضته على الدولة. وتثير نفقات موغابي الأخيرة وعدد قوات الأمن الخاصة به قلق المراقبين من احتمال تمويله لحزبه للفوز بالانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل، بأموال مناجم مارانج التي تعد من أغنى المناجم بالماس.

واشترت قوات الدفاع في البلاد التابعة لموغابي، والتي ساعدته في الفوز بالانتخابات الماضية بالقوة مؤخرا، شحنة كبيرة من الأسلحة من الصين، بحسب تقارير إخبارية محلية. وزادت وزارة التعدين رواتب الموظفين الحكوميين بملايين الدولارات للحصول على أصواتهم بحسب بعض المشرعين والمراقبين. وتمول شركة «أنجين» الصينية للتعدين في منطقة مارانج، والتي يقول عنها مسؤولون زيمبابويون وغربيون إن الجيش الزيمبابوي يملك حصة منها، أكاديمية عسكرية جديدة. وقال إدي كروس، أحد معارضي موغابي في البرلمان: «من الواضح أن هناك الكثير من الأموال المتدفقة التي لا تتوافق ومستوى النشاط الاقتصادي». وأوضح برلمانيون في أكتوبر (تشرين الأول)، استنادا إلى معلومات من علماء جيولوجيا وسجلات الإنتاج، أن شركة واحدة قامت باستخراج الماس بقيمة 1.4 مليار دولار من مناجم مارانج العام الماضي وهو ما يزيد على الـ300 مليار دولار الذي ذكرتهم وزارة التعدين.

وأدت تساؤلات حول الماس إلى حدوث انشقاق داخل حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي (الجبهة الوطنية) الحاكم، حيث يستفيد البعض بشكل شخصي، بينما لا يستفيد البعض الآخر. ويقول أحد المسؤولين السابقين في الحزب والذي رفض ذكر اسمه للحفاظ على علاقته بأعضاء الحزب: «لا أعتقد أن كميات الماس تسجل. عندما تنظر إلى حقول التعدين ومدى ثرائها وتقارنها بالكميات التي يذكرونها بعد ذلك، ستدرك الفرق الكبير». ويشير إلى أن الناس تسأل إلى أين تذهب أموال الماس ولا يتلقون أي إجابة.

وفي الوقت الذي ينفي فيه مسؤولو حكومة موغابي ممارسة أي نوع من الخداع، يقر بعض أعضاء الحزب الحاكم بأن بعض الثروات لا تدخل في ميزانية الدولة. وقال إدوار تشيندوري، أحد أعضاء الحزب ورئيس لجنة التعدين والطاقة في البرلمان، إنه في الوقت الذي يمثل فيه التعدين 60% من صادرات الدولة، لا يمثل هذا القطاع سوى 10 إلى 15% من عائدات الحكومة. ويقول إن من الضروري التحقق من أن إجمالي حجم التعدين في زيمبابوي، بما فيه الذهب والبلاتين يدخل خزانة الدولة، رغم إشارته إلى عدم وجود دليل على إساءة استغلال حزبه لهذا المال.

وقد أصبح الماس رمزا حيا للصراعات في زيمبابوي. ويقول المراقبون الدوليون ومنظمات حقوق الإنسان إن الجيش أحكم سيطرته على مناجم مارانج عام 2008 واستخدم العنف ضد المدنيين. وقد علق «كيمبرلي بروسيس»، الائتلاف الدولي الذي يحاول منع تجارة الماس التي تشعل الصراعات، التجارة في الماس القادم من مارانج. ومع ذلك في عام 2010 وتحت ضغط من بعض دول جوار زيمبابوي، صرح الائتلاف بالقيام بعمليتي بيع رغم اعتراض بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة.

وباعت زيمبابوي 4 ملايين قيراط من الماس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 وحصلت الشهر الماضي على موافقة رسمية بتصدير الماس من حقول مارانج مما أثار انتقاد منظمات حقوقية وبعض الدول الغربية. واحتجاجا على ذلك خرجت مؤسسة «غلوبال ويتنيس» الأسبوع الماضي من ائتلاف «كيمبرلي بروسيس» الذي ساعدت في إنشائه.

وعلى الجانب الآخر، أكد مسؤولون في حزب موغابي أنهم يسجلون عائدات الماس من حقول مارانج بدقة. ويقول وزير التعدين أوبرت مبوفو: «من المستحيل أن تخفي زيمبابوي أي شيء عن أي شخص. الأنظمة محكمة، وكل ما يتم استخراجه من المناجم أو يباع في هذا البلد، يتم تسجيله».

لكن لبعض المنتقدين والمراقبين والدبلوماسيين رأي آخر. ويقول أحد المسؤولين الغربيين: «نحن نطلع على كل التقارير التفصيلية عن كيفية بيع الماس مقابل النقود. ويفتح عدم كشف وزارة المالية عن تفاصيل عمليات البيع والعائدات الباب أمام الكثيرين لتصديق ما يقال عن أن مبيعات الماس أكبر بكثير».

وربما تكون التبعات السياسية وخيمة، حيث نشرت قوات الجيش في إطار العملية العسكرية التي تعرف باسم «بركات الرئيس» والتي يمولها عضو الحزب الحاكم الذي يشرف على مصالح الدولة في مناجم مارانج، قوات في المناطق الريفية لإرهاب المعارضين السياسيين، بحسب أحد العاملين السابقين المعارضين في الاستخبارات. وقال موغابي إن اتفاق تقاسم السلطة غير مجد، ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة العام المقبل. ويرى محللون أن موغابي يدفع باتجاه إجراء انتخابات بسبب وضعه الصحي المتدهور، حيث سيتعثر الحزب وسيتداعى من دون قائده، ولإتاحة استغلال ثروة الماس في البلاد في عهده.

وتعد قيمة الأرباح التي تخفيها الدولة مثار خلاف، فقد أوضح وزير المالية تنداي بيتي، في التقرير الخاص بالميزانية أن للحكومة الحق في الحصول على 75% من إجمالي الأرباح، لكنها لا تحصل سوى على 56% بحسب إحصاءات العام الماضي. وعلى الجانب الآخر، يقول مسؤول التعدين إن كل الأموال المستحقة تذهب إلى الخزانة. ومع ذلك لا تزال الأرباح التي يتم ذكرها أمرا آخر. ومن الشركات التي تقوم بالتعدين في تلك المنطقة شركة «مبادا» التي تملكها مؤسسة تنمية التعدين الزيمبابوية المملوكة للدولة ومجموعة «نيو ريكلاميشين غروب» التي توجد في ساندتون، إحدى ضواحي جوهانسبورغ.

وقدم أحد الخبراء في إنتاج الماس سجلات شركة «مبادا» في نوفمبر الماضي، وأوضح أنها تشير إلى أن قيمة الماس الذي تم استخراجه في ذلك الشهر تراوحت بين 100 و121 مليون دولار أو ربما مليار دولار في ذلك العام. وإذا كان ما قاله الخبير دقيقا، فسيعني هذا أن شركة واحدة تنتج أكثر بثلاثة أمثال من الكمية التي زعم وزير التعدين أن منطقة المارانج بأكملها تنتجها. ورفض كل من مهلنغا وديفيد كاسال، صاحب شركة «نيو ريكلاميشين غروب» التعليق على الأمر، لكن الشكوك ما زالت موجودة. وقال موسيز مير، أحد معارضي موغابي في البرلمان: «إن من يقومون بالتعدين من الموالين للحزب الحاكم. إنهم لا يعملون لصالح الحكومة، بل لصالح قادتهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»