سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة: نريد حلا سياسيا يفضي إلى رحيل الأسد عن السلطة

جيرار آرو: المسودة الروسية «مناورة» و«فارغة من المحتوى»

TT

تبدو المبادرة الروسية التي طرحت في مجلس الأمن الخميس الماضي سائرة إلى الفشل. وبعد الردود الإيجابية نسبيا التي لاقتها في البداية، باتت التوقعات تميل إلى التشاؤم الشديد في المعسكر الغربي، وتحديدا فرنسيا وأميركيا.

ويعكس هذا التشاؤم السريع الكلام الصادر عن مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة، السفير جيرار آرو، في حوار إلكتروني مطول نظمته صحيفة «لوموند» المستقلة مساء الجمعة. واتسم الحوار بالصراحة والكلام المباشر، فضلا عن أن المسؤول الفرنسي اغتنم هذه المناسبة ليعبر عن شكوك بلاده إزاء المبادرة الروسية. والغريب أن آرو نفسه أعلن يوم الخميس أن إطلاق المبادرة الروسية «حدث استثنائي، لأن روسيا قررت أخيرا الخروج من حالة رفض التحرك». ومع تأكيده أن النص الروسي يحتاج لتعديلات، فإنه اعتبره «أساسا يمكن التفاوض على قاعدته». وذهبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى حد القول إن واشنطن «جاهزة» للعمل مع روسيا انطلاقا من مشروعها المقدم.

غير أن هذا الانفتاح المتحفظ لم يدم طويلا. ففي الحوار المشار إليه، استخدم آرو لغة مختلفة تماما، إذ أصبحت المسودة الروسية «مناورة» هدفها أن تعطي الانطباع بحصول تحول في الموقف الروسي، لكنها «فارغة من المحتوى». وبحسب آرو، فإن الدبلوماسية الروسية «فهمت» أن موقفها لم يعد بالإمكان الدفاع عنه أمام الرأي العام الدولي بعد أن كانت استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدين القمع في سوريا، كذلك فإن الرأي العام الروسي لم يعد يتقبل أن تدعم بلاده إلى ما لا نهاية نظاما يأمر بقتل شعبه.

ويربط السفير الفرنسي بين موقف روسيا ومصالحها التجارية والعسكرية والاستراتيجية في سوريا وفي المنطقة، ومخاوف موسكو من النتائج الجيوسياسية المترتبة على تداعي نظام الأسد. ورغم هذه التحفظات، فإن باريس ومعها العواصم الغربية في مجلس الأمن (بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة والبرتغال) عازمة على «استخدام» المسودة الروسية للوصول إلى قرار «يتوافق مع ما نريده» وفق تعبير السفير الفرنسي. وتتناول التعديلات رفض المساواة بين قمع السلطة الذي أوقع حتى الآن أكثر من 5 آلاف قتيل وفق الأمم المتحدة، وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها قوات النظام والتي تعتبرها باريس «جرائم ضد الإنسانية»، والدعم الواضح لخطة الجامعة العربية بما تنص عليه من انسحاب القوات الحكومية من المدن ووضع حد للعنف وإرسال مراقبين وبدء حوار سياسي جدي بين السلطة والمعارضة. وبالنظر إلى أهمية التعديلات والرفض الروسي المنتظر، فإن آرو يرى أن الوقت اللازم للتوصل إلى إصدار قرار يمكن أن يتراوح ما بين «عدة ساعات وعدة أشهر»، إذ إن الأمر كله مرتبط باستعداد روسيا لقبول التعديلات. وبأي حال، يؤكد السفير الفرنسي أن فرنسا ومن معها «لن تقبل نصا لا يعدو كونه ذريعة».

وما بين استحالة اللجوء إلى عمل عسكري دولي ضد سوريا لا يرغب فيه أحد ومن شأنه «إشعال كل المنطقة»، وتمسك النظام بالحل الأمني والقمع على نطاق واسع، ما هي الخيارات الأخرى المتاحة؟

يؤكد آرو الذي شغل سابقا منصب المدير السياسي لوزارة الخارجية، أن بلاده تبحث في سوريا عن «حل سياسي»، أي عن انتقال سلمي للسلطة يفضي إلى تنحي «الرئيس (بشار الأسد)». وبرأيه، لم يعد مقبولا، كما قال الوزير جوبيه في ليبيا قبل ثلاثة أيام، بعد عقود من الحكم الديكتاتوري وآلاف الضحايا، أن يبقى الأسد في السلطة التي فقد شرعيتها.

لكن كيف الوصول إلى ذلك؟ يقول آرو «أملنا أن يفهم الأسد بفضل الضغوط العربية (والدولية) أنه وصل إلى طريق مسدود ولن يستطيع سحق ثورة شعبه، وعليه بالتالي أن يبحث عن مخرج سياسي. نحن لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، ومن الصحيح القول إن الأزمة يمكن أن تطول، ولذا فنحن ندعو من شهور إلى تكثيف الضغوط والعقوبات على النظام السوري لأن الأسد لن يستجيب إلا مكرها وبفعل الضغوط.. الأسد لن يرحل إلا بعد اختبار للقوة بالمعنى الدبلوماسي والسياسي». غير أن الخطورة تكمن، وفق آرو، في أنه «كلما طال أمد النزاع، ازداد خطر اندلاع حرب أهلية» في سوريا. ولذا «يتعين القيام بكل ما هو ممكن من أجل التوصل سريعا إلى حل سياسي».

وينبه آرو إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة في سوريا والتي تطال حتى الآن، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ما بين 1.5 مليون ومليوني نسمة. وفي رأيه أنه إذا تفاقم الوضع الإنساني أكثر فأكثر يتعين البحث عن ممرات إنسانية وهي الفكرة التي تدافع عنها باريس.