«الطرف الثالث».. قاتل المصريين

الثوار أطلقوا عليه «اللهو الخفي».. والسلطات تُحمله نتيجة كل الاعتداءات

أم مصرية تبكي ابنها الذي قتل في مظاهرات ميدان التحرير بعد يوم من اندلاع اشتباكات عنيفة أسفرت عن سقوط ثمانية قتلى وإصابة أكثر من 300 شخص (أ.ب)
TT

بعد كل حادثة عنف تقع بين قوات الأمن والمتظاهرين في مصر يقتل ويصاب فيها مئات الضحايا، تشير أصابع الاتهام لـ«طرف ثالث» قام بهذه الاعتداءات لا هو قوات الأمن التي تنفي دائما قيامها بذلك، ولا هم المتظاهرون، الذين يتشبث الجميع بمن فيهم المجلس العسكري والحكومة بحقهم في التظاهر والاعتصام وعدم التعرض إليهم مهما بلغ الأمر. ويجد المصريون أنفسهم إزاء ذلك في حيرة من أمرهم لمعرفة من هو «الطرف الثالث» الذي يتهم بالتسبب في كل هذه الفوضى منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وأصبح عدد من شباب الثورة يطلقون على المتسبب في أعمال القتل للمتظاهرين اسم «اللهو الخفي»، في إشارة إلى مسمى شعبي مصري للمقتدر على فعل كل شيء رغم عدم ظهوره على الملأ.

يقول الشاب أيمن السيد، أحد المتظاهرين في أحداث مجلس الوزراء، أول من أمس: «عام كامل يحدثوننا كل مرة عن الطرف الثالث، لو كانت هناك سلطة تستحق أن تحكم لأتت لنا بهذا الطرف الثالث». ويتابع «إذا كان الطرف الثالث ليس قوات الأمن وليس المجلس العسكري فعليهما أن يأتيا به لمحاكمته، وإلا فهذا يعد فشلا كبيرا في إدارة البلاد وعدم القبض على الجناة».

ويتساءل الناشط الحقوقي المحامي نجاد البرعي في تدوينة له على «تويتر»: هل يمكن لأي أحد أن يقول لي عن سبب واحد يمنع أجهزة الأمن والجيش من معرفة من هو الطرف الثالث المجهول، أم أنه يسكن لديهم ويخفونه؟».

ووقع ما يقرب من 10 قتلى ومئات المصابين أمس وأول من أمس في اشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية مع المعتصمين أمام مقر الحكومة، لكن د.كمال الجنزوري رئيس الحكومة الجديد نفى خروج ضباط الشرطة العسكرية لمواجهة المعتصمين، وقال إن «هناك عناصر مدسوسة أطلقت الرصاص على المتظاهرين.. كل ما حدث ولا يزال يحدث الآن لا علاقة له بالثورة».

واعتبر محمد شومان، وهو شاب قرر النزول لميدان التحرير عقب سماع كلمة الجنزوري: «الكلمة مكتوبة لدغدغة عواطف البسطاء.. وتعتمد على الكذب وخلط الأوراق واستخدم كالعادة فكرة الطرف الثالث والمؤامرة».

ويعيد هذا النفي الذاكرة للحوادث القريبة السابقة التي نفى فيها الجيش والحكومة مسؤوليتهما عن وقوع ضحايا بين المتظاهرين، فمع نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سقط أكثر من 40 قتيلا وآلاف المصابين من المتظاهرين في الأحداث التي اقترنت باسم شارع «محمد محمود». وقال اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية السابق حينها إن «قوات الأمن لم تطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين»، واتهم جهات «غير معلومة» بالتسبب في إشعال الأحداث بين الشرطة والمتظاهرين.

وفي أحداث «ماسبيرو» في سبتمبر (أيلول) الماضي، أثناء مظاهرات الأقباط المصريين، والتي قتل فيها 27 متظاهرا وعدد من جنود الجيش (غير معلوم)، أكد اللواء محمود حجازي، عضو المجلس العسكري، أنه «لا يستبعد وجود طرف ثالث في المظاهرات أطلق النار على الطرفين».

فلول نظام مبارك السابق، هم المتهم الأول دائما في هذا الأمر، وأنهم يحاولون من خلال أعمالهم هذه إجهاض الثورة. يقول أحد المتظاهرين يدعى أحمد صبري «الطرف الثالث الذي حاك كل المؤامرات لمن لا يعرف هو نظام حسني مبارك الموجود حاليا على رأس السلطة».

ويسخر الشباب على موقع «فيس بوك» من الطرف الثالث. تقول الناشطة بسمة محمد: «الطرف الثالث والأيدي الخفية فيلم الموسم». فيما يرى عمر مجدي «الطرف الثالث إما كائنات فضائية أو من العالم السفلي».

من جانبه، دعا الكاتب وائل قنديل، شباب الثورة للانتباه للعبة الطرف الثالث التي اخترعتها بعض وسائل الإعلام. يقول في مقال له: «إنهم بهذه الحيلة يريدون أن ينتهوا إلى أن القاتل والمقتول سواء، وكلاهما ضحية لطرف ثالث مجهول، وبذلك تذهب دماء الشهداء هدرا، لأن هذا الطرف الثالث سيبقى قيد المجهول ولن يظهر أبدا».

وجهة النظر الأخرى يعبر عنها اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطرف الثالث هم جميع المصريين الذين أصبحوا يخونون بعضهم البعض». ويتابع: «هناك انعدام ثقة بيننا؛ نخوّن قوات الجيش والشرطة ونحملهم المسؤولية.. وهذا لن يؤدي فقط إلى قتلى بل يصل لحد انهيار الدولة»، وشدد علام على أنه لا توجد دولة في العالم تقبل أن يُعتدى على سيادتها وأن تمنع حكومة من أن تدخل مقر عملها». معتبرا أن «اتهام المجلس العسكري والحكومة بقتل المتظاهرين هدفه القضاء على الدولة وإضعافها». أما اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني فقال إن من يحمل السلاح هو طرف ثالث ليس من الشرطة ولا من المعتصمين، مشيرا في تصريحات على التلفزيون الرسمي أول من أمس، إلى أن «السلاح الآلي أصبح متوافرا بشكل كبير وأن الشرطة العسكرية لا تحمل سوى بندقية آلية وهي أيضا متوفرة لدى الكافة ويمكن شراؤها»، وطالب اليزل بضرورة الوصول لهذا الطرف الذي قد يكون من فلول النظام السابق ويقوم بالوقيعة بين الجيش والشعب.