بانيتا يوقع مذكرة رسمية بإنهاء الحرب الأميركية في العراق

بدء التحديات أمام الدبلوماسيين في بغداد بعد خروج آخر قافلة أميركية ووصولها إلى الكويت

جنديان من أخر وحدة أميركية تنسحب من العراق يحملان معدات استعدادا للمغادرة (ا.ب)
TT

وقع وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا صباح أمس مذكرة رسمية تعلن إنهاء الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق. ليصبح تاريخ 18 ديسمبر (كانون الأول) تاريخ انتهاء الحرب التي بدأت ليل 19 - 20 مارس (آذار) 2003. وجاء هذا التوقيع بعد خروج آخر قافلة عسكرية أميركية من العراق صباح أمس بعد رحلة استمرت نحو أربع ساعات لتعبر الحدود إلى الكويت. وبينما شهد يوم الخميس الماضي الحفل العسكري الرسمي لإعلان إنهاء الحرب في العراق وإسدال العلم الأميركي من آخر قاعدة عسكرية في العراق، كان يوم أمس اليوم الأخير لوجود القوات الأميركية في العراق، ما عدا 150 جنديا يبقون لحراسة السفارة الأميركية، يرتبطون بالملحقية العسكرية التابعة للسفارة في بغداد.

وبينما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن منذ فبراير (شباط) عام 2009 إنهاء الوجود الأميركي في العراق بحلول نهاية هذا العام، وذلك تماشيا مع الاتفاقية التي وقعها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عام 2008. وبعد فشل مفاوضات سرية للتوصل إلى اتفاق يمنح القوات الأميركية حصانة في حال بقي عدد منها في العراق خلال الأسابيع الماضية، تم الإعلان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن الالتزام باتفاقية وضع القوات الأميركية وسحبها من العراق.

وعبرت آخر قافلة تحمل قوات ومعدات أميركية الحدود من العراق إلى الكويت صباح أمس، منهية عملية الانسحاب قبل أسبوعين من انتهاء صلاحية الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة. وسار آخر طابور مؤلف من نحو 100 مركبة مدرعة عسكرية أميركية تقل 500 جندي أميركي عبر صحراء العراق الجنوبية خلال الليل على امتداد طريق رئيسي خال إلى الحدود الكويتية. وأطلقت آخر دفعة من الشاحنات العسكرية، وهي 25 شاحنة، أبواقها وعبرت الحدود في وقت مبكر صباح أمس وكان أفراد أطقم تلك الشاحنات يلوحون للجنود الآخرين.

وفي أوج الحرب كان يوجد أكثر من 170 ألف جندي في العراق في أكثر من 500 قاعدة. وبحلول أول من أمس كان العدد أقل من ثلاثة آلاف جندي وقاعدة واحدة. ونقلت وكالة «رويترز» عن السارجنت الأميركي ستيفن شيرمر (25 عاما) الذي أنهى ثلاث جولات في العراق منذ عام 2007 قوله: «أمضيت 31 شهرا في هذا البلد.. يمكن فيما يبدو أن تكون لي حياة الآن.. وإن كنت أعلم أني سأذهب إلى أفغانستان عام 2013. بمجرد انتهاء تلك الحروب أتساءل عما سأفعله بعد ذلك».

وبينما مهمة الجنود الأميركيين انتهت في العراق، تعول إدارة أوباما على دبلوماسييها في سفارتها العملاقة في بغداد لإبقاء النفوذ الأميركي. وتخوض وزارة الخارجية الأميركية عملية معقدة منذ أشهر للاستعداد لتولي المهام الرئيسية في معالجة الملف العراقي، بدلا من وزارة الدفاع. والعملية التي تبدأ رسميا اليوم قد يحدد نجاحها أو فشلها ما إذا كانت مشاركة الولايات المتحدة المكلفة التي استمرت تسع سنوات في البلاد ستؤتي ثمارها في نهاية المطاف.

وسيسعى الدبلوماسيون الأميركيون الذين يحميهم آلاف المتعاقدين الأمنيين لمراقبة التطور السياسي العراقي وسيمضون قدما في برامج مساعدات مدنية تهدف إلى إظهار مزايا الصداقة مع الولايات المتحدة. وهدفهم هو ضمان التحالف مع ديمقراطية ناشئة مجاورة لإيران وواحدة من أهم الدول المنتجة للنفط وزادت أهميتها الاستراتيجية لواشنطن بشدة وسط اضطرابات سياسية تجتاح منطقة الشرق الأوسط.

ولكن من دون حماية الجيش الأميركي، قد يجد هؤلاء الدبلوماسيون أنفسهم محاصرين في خنادق دبلوماسية حصينة بينما يكافح موظفون في الولايات المتحدة لإعداد الترتيبات اللوجستية المتعلقة بتنظيم وتأمين واحدة من أكبر المهام الدبلوماسية التي تضطلع بها بلادهم على الإطلاق.

وقال باتريك كنيدي الذي يشرف على ملف الانتقال الضخم بوصفه وكيل وزارة الخارجية لشؤون الإدارة: «من الواضح أن هذا أمر لم تقم به وزارة الخارجية من قبل قط». وأضاف لـ«رويترز»: «لدينا أشخاص ممتازون في وزارة الخارجية من ناحية مهارات الإدارة والمشتريات واللوجيستيات والاتصالات والمهارات الطبية».

ولكن عددا من المحللين ليسوا على نفس الدرجة من الثقة إذ يشيرون إلى انفجار قنبلة مؤخرا داخل المنطقة الخضراء الخاضعة لحراسة مشددة ببغداد كمؤشر على المخاطر التي تنتظر القوة المدنية الأميركية المكلفة بتحقيق السلام بعد الصراع المكلف الذي استمر طويلا في العراق. وقال برايان كاتوليس الخبير الأمني بمركز التقدم الأميركي: «أعتقد أن هناك الكثير من المخاوف الخطيرة جدا بشأن قدرة الوزارة على قيادة كل هذا نظرا للتخفيضات التي واجهتها على مدى سنوات ومدى الصعوبة التي واجهتها للعمل في المناطق شبه الحربية».

وسيتبقى عدد ضئيل من أفراد الجيش الأميركي في البلاد ليساعدوا السفارة في مبيعات الأسلحة وتدريب القوات العراقية. وقد تستأنف المحادثات العام المقبل بشأن ما إذا كان يمكن أن يعود المزيد من الجنود الأميركيين من أجل مهام تدريبية مستقبلا.

من ناحية أخرى يقول مسؤولون أميركيون إن 16 ألف شخص تقريبا سيشاركون في الجهود الدبلوماسية الأميركية بالعراق. سيكون هناك نحو ألفين من الدبلوماسيين والموظفين الاتحاديين. أما الأربعة عشر ألفا المتبقون فسيكونون متعاقدين يضطلع نصفهم تقريبا بالأمن بينما يقوم الباقون بكل شيء من تشغيل المطابخ إلى ورش إصلاح السيارات.

وستركز العملية على السفارة الأميركية ببغداد التي تشبه القلعة وتمثل البعثة الدبلوماسية الأميركية الأكبر والأعلى تكلفة على مستوى العالم علاوة على قنصليات الولايات المتحدة في البصرة وأربيل وكركوك وجميعها محصنة لمقاومة أية هجمات أمنية ضدها.

وتم تقليص حجم البعثة الأميركية بالعراق بالفعل. وكان المسؤولون يتصورون في البداية فتح المزيد من القنصليات وتوسعة نطاق العمليات الأخرى بموجب خطة قدرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أن تكلفتها ستصل إلى 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات. وقال كنيدي إن عدد الموظفين العاملين في المجال الدبلوماسي سيكون نفس عددهم تقريبا في السفارات الأميركية الكبرى على مستوى العالم.

وتبلغ ميزانية هذه العملية نحو 3.8 مليار دولار للعام القادم ليصبح إجمالي الإنفاق الأميركي بالعراق بما في ذلك برامج الإعانات والمساعدات العسكرية نحو 6.2 مليار دولار. ولا يمثل هذا المبلغ شيئا يذكر إذا ما قورن بنحو 750 مليار دولار أنفقتها الولايات المتحدة على الحرب لكنه يوازي أكثر من ربع ميزانية عمليات وزارة الخارجية الأميركية.

ومنحت وزارة الخارجية عدة عقود أمنية مدتها خمس سنوات منها عقد قيمته 1.5 مليار دولار لشركة «تريبل كانوبي» لحماية الموظفين خلال تحركاتهم في أنحاء بغداد وعقد قيمته 974 مليون دولار لشركة «إس أو سي» لحماية المجمع نفسه. ومنحت عقود أخرى لمجموعة «غلوبال ستراتيجيز» و«دينكورب إنترناشيونال» لحماية القنصليات في البصرة وأربيل وكركوك.