أميركا تواجه مأزق إدماج شبانها العائدين من الحرب

22 ألف عائد من أفغانستان والعراق يعانون البطالة وصعوبة الانتقال للحياة المدنية

العريف رودين يبحث عن وظيفة إضافية بعد عودته من أفغانستان إلى أميركا (نيويورك تايمز)
TT

في أفغانستان، كان العريف كلايتون رودين يحصل على دخل قيمته نحو 2500 دولار شهريا نظير قيادة طائرات هليكوبتر، لتعقب أجهزة متفجرة أو فحص مصانع المتفجرات المشتبه بها. لكنه الآن يعيش مع والديه، ويعمل بوظيفة يحصل منها على دخل قيمته 80 دولارا أسبوعيا، ويحاول البحث عن وظيفة بوحدة احتياطي سلاح البحرية يمكن أن يحصل منها على دخل إضافي.

ويعد رودين (25 عاما) المرح المهذب والمولع بالتجنيد، واحدا من الذين خدموا أثناء الحرب، غير أنه وجد صعوبة أكبر في الحصول على وظيفة مقارنة بأقرانه، وهو موقف يقول مسؤولون إنه سيزداد سوءا، مع إتمام الولايات المتحدة انسحابها من العراق، وكذلك، وفقا لتقدير أجراه البيت الأبيض، مع انضمام ملايين المحاربين الجدد إلى قوة العمل خلال الخمسة أعوام المقبلة.

وتعتبر بطالة المحاربين السابقين متركزة بين الشباب وهؤلاء الذين ما زالوا يخدمون في الحرس الوطني أو في قوات الاحتياطي. وقد وصل معدل البطالة بين المحاربين السابقين، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاما إلى نحو 30 في المائة هذا العام، أي أكثر من ضعف المعدل بالنسبة لآخرين في السن نفسها، على الرغم من أن معدل البطالة بين المحاربين الأكبر سنا يطابق المعدل نفسه بين المدنيين. ولدى ضباط بقوات الاحتياطي مثل العريف رودين نظرة تشاؤمية أيضا. وفي يوليو (تموز) 2010، وصل معدل البطالة بين المحاربين في هذه المرحلة العمرية إلى 21 في المائة، مقارنة بـ12 في المائة للمحاربين الآخرين.

«هناك زيادة هائلة في عدد الشبان الملتحقين بالخدمة العسكرية، الذين لا يستمرون لفترة خدمة كاملة مدتها 20 عاما»، هذا ما قالته جين أوتس، السكرتير المساعد للتوظيف والتدريب بوزارة العمل، التي عملت من أجل تطوير برنامج دعم تغيير المسار المهني الذي مدته ثلاثة أيام للجنود الذين تركوا الخدمة وأدرجت شركات مثل «فيس بوك» من أجل محاولة الوصول إليهم.

لا يمكن أن يبرر فجوة التوظيف عامل بسيط مثل عدم امتلاك درجة جامعية. فعلى الرغم من انضباطهم وتدريبهم، فإن مستوى أداء المحاربين السابقين الشباب في سوق العمل يكون أسوأ من أقرانهم من غير الحاملين لشهادات جامعية. بيد أن كلا من أصحاب العمل والمحاربين السابقين يتعامل مع الآخر على أنه كائن غريب. وربما يخشى المديرون، الذين يملك عدد محدود منهم خبرة عسكرية، من تبعات القتال أو خسارة الجيش لضباط الاحتياطي، بانتقالهم للعمل في وظائف أخرى. وربما يواجهون صعوبة في فهم كيفية ترجمة الإنجازات العسكرية في العالم المدني.

وعادة ما يتعين على المحاربين السابقين الشباب، الذين ربما يتمثل تاريخهم المهني بأكمله في الخدمة العسكرية، تعلم أساسيات، مثل كيفية الاستعداد للمقابلة الشخصية تمهيدا لشغل الوظيفة. ويقول كثيرون إن الأمر الأكثر أهمية هو أنه تسيطر عليهم مخاوف التحول من الحياة العسكرية إلى الحياة المدنية.

وقال دانيال هوتشيسون (29 عاما) الذي يوظف فحص إعاقة حرب خاصة به في تمويل مجموعة دعم تغيير المسار المهني، تدعى «أوهايو كومبات فيتيرانز»: «الانتقال من نمط حياة يتسم بالانضباط الشديد إلى آخر به الكثير من المتغيرات يمثل صدمة بالنسبة لكثيرين منهم. إنهم يتعاملون مع كل الحالات النفسية التي مروا بها، ويبدون كما لو كانوا وحدهم».

وقد دافعت إدارة الرئيس باراك أوباما عن نضج المحاربين ومهاراتهم الإدارية، بل وحتى حيويتهم ونشاطهم. وقد بدأ أصحاب العمل في السعي لاستغلال الموقف لمصلحتهم. ووقعت شركات كبرى مثل «جي بي مورغان تشيس» و«فيريزون» على اتفاق ينص على تعيين 100000 محارب سابق بحلول عام 2020. ويذكر أن هناك أكثر من 22000 محارب سابق في العراق وأفغانستان، عاطلون حاليا عن العمل.

وعلى مدار عقد من الحرب، ألقى مطلب إعادة الشركات لجنود الاحتياطي إلى وظائفهم القديمة، بعبء ثقيل على كاهل الشركات والمؤسسات، حسب تيد دايوالت، الذي يدير موقع «VetJobs.com» في جورجيا. وقال: «ما يقرب من 65 إلى 70 في المائة من أصحاب العمل لن يعينوا محاربين سابقين في الحرس الوطني وقوات الاحتياطي. لا يمكنهم التعاقد مع شخص تم استبعاده لمدة 12 شهرا». وعلى الرغم من أن أصحاب العمل عادة ما يسألون عن أداء الخدمة العسكرية والموقف من التجنيد في طلبات الالتحاق بالوظائف، فإنه من غير القانوني التمييز بين المتقدمين للوظائف بناء على تلك المعلومات.

وقال العريف رودين إن التزامات عمله بقوات الاحتياطي تعارضت مع إحدى الوظائف إلى حد أنه تركها. وأضاف: «لقد جربت العمل بالمطاعم وشركات الشحن وشركات إزالة الجليد، باختصار، أي عمل لا يتطلب امتلاك شهادة جامعية».

وقد تم تدريب المحاربين السابقين على كيفية كتابة السير الذاتية التي تبرز مهاراتهم القيادية وليس مهارات «قتل أو أسر 350 من أفراد تنظيم القاعدة»، على نحو يثير بعض الشكوك.

وقالت راشيل فيلدشتاين، المدير المساعد بشركة «نيو ديريكشنز»، التي تقدم خدمات إعادة التأهيل والتدريب الوظيفي وغيرها من الخدمات الأخرى للمحاربين السابقين في سان دييغو: «لست مقتنعة بأنهم يملكون مهارات عظيمة مطلوبة في السوق. إذا دربت شخصا على أن يصبح قناصا، فلن تكون هذه بالضرورة مهارات قابلة للنقل».

ويواجه المحاربون السابقون الشباب منافسة شرسة على الوظائف الأكثر ملاءمة بالنسبة لهم، مثل الشرطة. ففي مدينة كولومبوس، قال داستين سزاريل (30 عاما) إنه تم استبعاده من العمل في هيئة «أكرون فاير» وكضابط في إصلاحيات أحداث، فيما تم تفضيل متقدمين لديهم خبرة في مثل تلك المجالات.

وقد اتجهت إدارة أوباما إلى تعيين محاربين سابقين، مضيفة أكثر من 85000 عامل إلى كشوف الرواتب الحكومية منذ السنة المالية 2008. وأول من أمس، أثنى الرئيس أوباما على فكرة إعادة المحاربين السابقين للعمل قائلا: «لقد حان الوقت لتضمين محاربينا وجميع أفراد شعبنا في جهود إعادة بناء أميركا». وتحاول الإدارة تشكيل «جيش يضم أصحاب وظائف جاهزة»، الذي يستطيع الأطباء وفنيو الكهرباء فيه الحصول بشكل أكثر سلاسة على التراخيص التي يحتاجونها للعمل كمدنيين. وبدءا من أكتوبر (تشرين الأول)، يمكن أيضا استخدام قانون قدامى المحاربين «G.I. Bill»، الذي يدفع تكاليف التعليم الجامعي في التدريب المهني. غير أن الكثير من المحاربين السابقين الشباب ما زالوا يكافحون من أجل التخلص من تبعات الحرب.

وفي مقابلات أجريت مع بعضهم، قالوا إن أصحاب العمل يغالون في تقدير حجم هذه المشكلات. وقال كوبي ناين (25 عاما) ضابط احتياطي بالقوات البحرية، وطالب: «لديهم فكرة خاطئة مفادها أننا جميعا نعاني من أشد حالات اضطراب ما بعد الصدمة، لذلك نحن في حالة غضب عارم». وأضاف: «حتى ضابط البحرية المصاب باضطراب ما بعد الصدمة، يملك درجة من الانضباط».

لكن آخرين اعترفوا بأن التكيف في حد ذاته مشكلة. وقال جيف مانسينو (22 عاما)، الذي يدرس الآن علم النفس ليصبح طبيبا نفسيا: «لا أعلم من المجنون الذي يمكن أن يرغب في تعييني وأنا عائد لتوي من أفغانستان، لقد أصبحت نذير شؤم». وأضاف: «كان عمري 22 عاما، وكان علي أن أخضع لبرنامج إعادة تأهيل؛ من في عمر 22 عاما يمكن أن يفعل ذلك؟».

في المعتاد، يرى هوتشيسون من «أوهايو كومبات فيتيرانز» أن المحاربين السابقين يحتاجون لما هو أكثر من مجرد وظيفة. فمؤخرا، قطع 50 ميلا ليصل إلى لوغان بولاية أوهايو لمقابلة إيثان تومبلين بروكس (24 عاما) الذي يعيش في مخيم على الطريق المؤدي لمنزل والديه، وحصل على وظيفة في مجال البناء يعمل بها مرة في الأسبوع. وأشار تومبلين بروكس، الذي أصيب في العراق، إلى أنه سجل نفسه في وزارة شؤون المحاربين القدامى، لكنه لم يتلق ردا. وقام الأطباء النفسيون التابعون للجيش أولا بتشخيص حالته، على أنه مصاب باضطراب ما بعد الصدمة واضطراب المزاج ثنائي القطب، إلا أن تومبلين بروكس قال إنه لا يملك المال الكافي للعلاج أو تحمل تكاليف الانتقال.

وقال هوتشيسون إنه سيساعده في الحصول على مزايا طبية، ثم حاول أن يشرح بلطف كيف أن هناك عددا محدودا من الوظائف متاح في مجال البناء. وكان تومبلين بروكس، الذي يحمل شهادة «جي إي دي»، عاجزا عن اقتراح أي احتمال آخر. وذكر أنه لو كان باستطاعته، لالتحق بالجيش مجددا. وقال: «إنني في وضع من يتلقى الأوامر. وهذا يجعل الأمر يبدو أكثر سهولة من محاولتي أن أحدد بنفسي ما يمكنني فعله».

* خدمة «نيويورك تايمز»