جندي أميركي عراقي الأصل يغادر بلاده بمشاعر مختلطة

جوزيف كان في سن المراهقة في بداية الغزو.. ثم عمل مترجما قبل أن يتجنس ويعود جنديا

جنود أميركيون قبيل مغادرتهم العراق («واشنطن بوست»)
TT

كان مراهقا عراقيا مذعورا لكنه كان مفعما بالأمل في الوقت نفسه، وذلك عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق عام 2003، وكان ينتظر حملة القصف الأميركية مع أخيه الأكبر في منزل أسرته ببغداد. وبعد ما يقرب من تسعة أعوام، وفي الساعات الأولى من فجر يوم الأحد، غادر العراق كجندي ومواطن أميركي مع آخر بعثة عسكرية أميركية في دلالة على انتهاء الحرب.

واجتاز الصحراء العراقية المظلمة والقاحلة وهو يدرك أنه قد لا يتمكن من العودة إلى بلاده مرة أخرى. وطلب الجندي، الذي يعرف باسم سبيك لدى الجيش الأميركي، وجوزيف لدى العراقيين، أن لا يتم استخدام اسمه بالكامل وذلك لحماية أسرته في بغداد.

وتشير رحلته المضطربة من العراق إلى الولايات المتحدة ثم إلى العراق مرة أخرى إلى قصة الوجود الأميركي الطويل والصعب، الذي لم يُحل بشكل كامل بعد. وقبل أن يصبح جوزيف جنديا في فرقة الفرسان الأميركية الأولى قضى ستة أعوام في العمل كمترجم للجيش الأميركي خلال أكثر أيامه دموية في الحرب العراقية. وقد تسبب عمله مع الجيش في تعريض حياته للخطر واضطراره إلى البدء من جديد في الولايات المتحدة عام 2009. ثم عاد إلى العراق كجندي أميركي في بداية عام 2011 نظرا لأنه اشتاق إلى أن يكون جزءا من القتال من أجل مستقبل بلده.

واليوم يقوم جوزيف بعرض الصراع من وجهة نظر أميركية وعراقية تمتزج بالفخر بما قد تم إنجازه والقلق العميق بشأن المستقبل. وقال جوزيف بينما كان يقوم بحزم أمتعته: «في ما يتعلق بالمعارك الكبرى، انتهى هذا الأمر منذ فترة طويلة بالنسبة للجيش الأميركي، إلا أن النزاع لا يزال قائما وسيستمر لفترة طويلة للغاية بالنسبة للعراقيين».

وكان والدا جوزيف يعرفون أنه انتقل إلى الولايات المتحدة في مايو (أيار) عام 2009، لكنه لم يخبرهم أنه التحق بالجيش الأميركي. وليس لديهم فكرة أيضا عن أنه كان موجودا في العراق مؤخرا. وقال جوزيف: «لقد كذبت كثيرا على أسرتي، لكن لم يكن لدي خيار، فهناك أشياء لا تستدعي إخبارهم بها. وإذا ما حدث مكروه لهم، لن أسامح نفسي».

وفي صباح يومه الأخير في العراق قام بوضع حقائب الظهر الخاصة به في عربة مصفحة ستقوم بنقله لمسافة مائتي ميل باقية ليخرج من العراق. وكان مات فارغاز، أحد الجنود من سان دييغو ويبلغ من العمر 22 عاما، يغني بينما كان يقف بالقرب من الباب الخلفي للعربة، حيث سأل جوزيف: «هل أنت مستعد للعودة؟»، فأجاب جوزيف: «بالتأكيد».

عندما سقطت بغداد في شهر أبريل (نيسان) عام 2003 كان جوزيف يدرس علوم الكومبيوتر في الجامعة. وشعر بالسرور عندما تمت الإطاحة بصدام حسين. يقول: «اعتقدت أن الجامعة ستصبح رائعة وممتعة، فقد كان هناك شائعات تشير إلى أن الأميركيين كانوا سيقومون بتحويل قصور صدام حسين إلى جامعات».

وكان جوزيف يشعر بالفضول الشديد تجاه الجنود الأميركيين الذين يرتدون خوذات ودروعا واقية ويقومون بعمل دوريات في المنطقة التي يسكن بها. يقول: «كان هؤلاء الجنود يشبهون الكائنات الغريبة، حيث كان هناك الكثير من القصص الغريبة التي تحاك بشأنهم، مثل أن لديهم قرصا يمكن أن يوضع في كوب من الماء ليحوله إلى جليد».

وكان والده يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس الثانوية المحلية، وكان جوزيف يتحدث الإنجليزية بطلاقة إلى حد ما. واقترب من مجموعة من الجنود الأميركيين حيث شكرهم على الإطاحة بصدام حسين ثم سألهم مازحا عما إذا كانوا قد وجدوا أيا من الأسلحة الكيميائية للديكتاتور.

وكان الأميركيون يتوقون إلى أشخاص يتحدثون اللغة الإنجليزية يمكنهم العمل كمترجمين، وكانوا يدفعون رواتب باهظة تفوق أي مرتبات يمنحها أي شخص آخر في العراق. والتحق جوزيف بالعمل كمترجم في كتيبة عسكرية في بغداد. ولاحظ أحد الأميركيين في القاعدة ضآلة جسده وأطلق عليه متهكما اسم روني على اسم روني كولمان، لاعب كمال الأجسام الأميركي الشهير. وأصبح هذا أول اسم حركي لجوزيف.

في الوقت نفسه قدّر الأميركيون مهاراته كمترجم وملاحظ ذكي للثقافة العراقية. وذكر جوزيف أنه عندما تمتعت حركات التمرد في العرق بالقوة قتلت الكثير من زملائه المترجمين، ثم قام بتطويل شعره وبدأ في ارتداء لحية كاملة ونظارات شمسيه حتى يصعب التعرف عليه.

وبحلول عام 2007 رأى أنه سيتعرض للخطر البالغ إذا ما عاد إلى منزله، حيث انتقل بصورة دائمة إلى قاعدة عسكرية أميركية في بغداد. يقول: «عندما تبدأ في العمل لدى الجيش الأميركي في العراق تكون قد انتهيت، لقد اعتقدت بالفعل أنني رجل ميت».

وانتقل جوزيف إلى الولايات المتحدة في مايو (أيار) عام 2009، بعد أن ساعده عقيد في الجيش كان قد عمل معه خلال الجولتين الحربيتين على الحصول على بطاقة خضراء. كذلك رتب ضابط آخر في الجيش أن ينتقل جوزيف للعيش مع والدته في توكسون. وقضى الشهور الثلاثة الأولى له في أميركا في مشاهدة التلفاز وتناول المأكولات السريعة والنوم. وقد جعلت الفترات الطويلة التي قضاها مع الجنود الأميركيين في العراق عملية التكيف سهلة نوعا ما بالنسبة له. وقال: «لم أُصَب بصدمة حضارية على الإطلاق». وحصل على وظيفة في التدريبات العسكرية الأميركية بصفته عراقيا مدنيا. وبعد ستة أشهر قرر أن ينضم إلى الجيش وأن يصبح مترجما عسكريا. وكان قد انضم إلى الجيش لأسباب معينة، منها أن هذا الأمر سيساعده على سرعة الانتهاء من طلب الحصول على الجنسية الأميركية ويوفر له المال للدراسة في الجامعة. وقد اشتاق أيضا إلى الاندفاع للقتال والشعور بأنه يفعل شيئا ما لمساعدة العراق.

وفي شهر فبراير (شباط) تطوع جوزيف للعمل في قاعدة «آدر» جنوب العراق، حيث كان مترجما لقائد كتيبة مدفعية تتكون من 600 جندي. وكانت إحدى مهامه الرئيسية التواصل بصورة يومية مع شيوخ قبائل يقوم الجيش الأميركي بدفع أموال لهم لإبعاد القمامة عن الطريق السريع من بغداد وحتى الكويت. وفي الواقع يتم دفع أموال أيضا إلى الشيوخ لإخلاء المنطقة من القنابل التي توجد على جانبي الطريق. وفي الصباح الأخير له في العراق نقل جوزيف أسئلة من عدد كبير من الشيوخ الذين سمعوا الأخبار التي تشير إلى رحيل الأميركيين من العراق. وخشي بعض الشيوخ من فقدانهم لنفوذهم في مناطقهم مع عدم وجود الجيش الأميركي، بينما خشي آخرون من انقطاع الرواتب التي كانوا يحصلون عليها. وفعل جوزيف ما بوسعه لتضليلهم بشأن توقيت خروج آخر بعثة أميركية من العراق، حيث أخبر الشيوخ أن قائد الكتيبة في الكويت لكنه سيعود للقائهم في 20 ديسمبر (كانون الأول). وقد أصبح جوزيف معتادا على التضليل، بعد سنوات من عيش حياة مزدوجة.

وبعد الواحدة والنصف صباحا بقليل اتجهت بعثة جوزيف جنوب قاعدته. وكان على متن الشاحنة المدرعة الرقيب رودولفو رويز الذي تحدث عن مدى تطلعه إلى الاتصال هاتفيا بزوجته وولديه من الكويت، حيث قال: «لا أستطيع أن أنتظر، أريد أن أطمئنهم عليّ». كذلك تحدث جوزيف عن خطته لشراء سيارة «دودج شالينجير» التي تباع بمبلغ 32.000 دولار من الأموال التي قام بتوفيرها من راتبه، «وسوف تكون سوداء أو برتقالية اللون، وسوف تكون أول سيارة لي في الولايات المتحدة».

وفي الخامسة والنصف صباحا لاحت أعمدة الإنارة على الحدود على بُعد ثلاثة أميال من الصحراء القاحلة. ووصلت شاحنة جوزيف إلى الكويت عندما بزغت الشمس في الأفق. وكان أول اتصال هاتفي له بوالدته البديلة الموجودة في تاكسون. وبعد أن أنهى الاتصال عادت أفكاره إلى العراق. ويؤمن جوزيف أن الغزو الأميركي للعراق كان يستحق الثمن الباهظ الذي دفعه كل من الجيش الأميركي والشعب العراقي. وأضاف: «إن العراق الآن أفضل مما كان عليه إبّان حكم صدام حسين. الآن أمام العراق فرصة، وقد يكون أمامه مستقبل أفضل».

*خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»