الهاشمي.. أول ضحايا الإرهاب

3 من أشقائه اغتيلوا في السنوات الثلاث الماضية

TT

بسرعة البرق اقتحم المشهد السياسي العراقي بعد عام 2003 من بوابة الحزب الإسلامي العراقي. الزعيم التاريخي للحزب محسن عبد الحميد انسحب بهدوء فاتحا الأبواب على مصاريعها لنائبه الأول طارق الهاشمي، سليل إحدى أبرز العائلات التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ تكوين وإنشاء الدولة العراقية الحديثة.

جده (خال والده) هو ياسين الهاشمي، أحد أبرز سياسيي العراق في القرن الماضي، حتى إنه لقب بـ«أبو دماغين» وجده الآخر طه الهاشمي شقيق ياسين، وكلاهما كان رئيسا للوزراء لأكثر من فترة في العهد الملكي. بعد انسحاب عبد الحميد من زعامة الحزب الإسلامي تولى الهاشمي أمانته العامة ليصبح أحد أصعب الأرقام في المعادلة السياسية الراهنة. وعندما كتب الدستور العراقي الحالي (عام 2005) كاد يسقط بسبب تصويت كل من محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل ضده. لكن «التسوية» التي جرت مع الهاشمي، حيث كان للحزب الإسلامي نفوذ في الموصل قبل بزوغ نجم أسامة النجيفي، هي التي رجحت، في النهاية، تصويت الموصل لصالح «تمرير الدستور» بنسبة أكثر من 50% مقابل إضافة مادة عليه (المادة 142) تقضي بتعديله في غضون أربعة أشهر.

شاعر ورسام وضابط سابق، أستاذ في كلية الأركان ورجل أعمال، انشق عن الحزب الإسلامي ليؤسس حركة أطلق عليها «تجديد» ضمت بعض القيادات القديمة للحزب الإسلامي واستمر في منصبه نائبا لرئيس الجمهورية لدورتين رئاسيتين. كان ولا يزال أحد خصوم رئيس الوزراء نوري المالكي الكبار. نقضه للقوانين التي كان يصدرها البرلمان خلال الدورة الأولى حين يملك حق النقض حال دون تنفيذ أحكام الإعدام التي صدرت بحق الكثير من رموز النظام السابق. دفاعه عن المعتقلين وتبنيه قضية حقوق الإنسان في العراق من خلال زياراته المستمرة للسجون كانا من أبرز نقاط الافتراق بينه وبين المالكي.

وبعد أن قطع كلا الرجلين (الهاشمي والمالكي) شعرة معاوية بينهما لم تبق سوى القشة التي تقصم ظهر هذه العلاقة الملتبسة. جاءت القشة على طبق من ذهب بالنسبة للمالكي من خلال عملية تفجير البرلمان. لا يزال الكشف عن خيوط العلاقة بين حادثة البرلمان واعتقال أفراد حمايته ومن ثم اعترافاتهم السريعة يشوبه الكثير من الغموض. مع ذلك صدرت مذكرة إلقاء القبض على الهاشمي الذي كان ملاذا للملايين ممن يرون أن السلطات تطاردهم بشتى التهم وأبرزها تهمة الانتماء إلى مكون معين أو طائفة معينة طبقا لتوصيفات «العراق الجديد».

لم يبق سوى «الانفصاليون الأكراد»، هكذا كان يطلق عليهم، ملاذا لكل من يسعى لحل أو شراكة بعد أن تضيق بهم السبل في بغداد أو أي بقعة في العراق. لا أحد بوسعه تجاهل ثقل جلال طالباني (رئيس الجمهورية) ومسعود بارزاني (رئيس إقليم كردستان) عندما تحتاجهما بغداد لمعضلة ليس لها في ظل احتدام الخلافات والمناكفات سوى «أبو مسرور» أو «أبو بافل». الحل الآن في أربيل، والهاشمي يتنقل بينها وبين السليمانية، مبديا استعداده للمثول أمام القضاء لكن في كردستان. أمر في غاية الصعوبة أن يجري اتهام شخصية بحجم طارق الهاشمي بتهمة القيام بأعمال إرهابية، وهو من كان أحد أبرز ضحايا الإرهاب عندما تم اغتيال ثلاثة من أشقائه في السنوات الماضية. كل شيء في العراق الجديد لم يعد قابلا للتصديق بعد أن اختلط حابل الحقائق بنابل الأكاذيب.