«أسماك الأنفاق» بديل صيادي غزة بعد تقليص حدودهم البحرية

مع تزايد معاناتهم وتفاقم المخاطر الإسرائيلية عليهم

TT

ما إن نجح الرجال الأربعة في شد الشبكة إلى داخل القارب، وقد علق بها الكثير من أسماك السردين وبعض سمك الدنيس، حتى فوجئوا باثنين من الدلافين يستغلان انشغال الأربعة باحتساء الشاي بعد جهد كبير، لينقضا على الشبكة بقصد التهام بعض السمك، فإذا بهما يوقعان طرف الشبكة في الماء، ليسقط جزء من السمك الذي تم اصطياده، فيتكدر مزاج الأربعة من جديد.

بالنسبة لخليل ومحمود ويوسف وأحمد، الذين يعملون في مجال صيد الأسماك منذ عقدين من الزمن، فإن ما أقدم عليه الدولفينان هو ليس أكثر ما يصيبهم بالإحباط، حيث إن أكثر ما يضايقهم، كما هو الحال مع بقية الصيادين، هو ما أقدمت عليه السلطات الإسرائيلية مؤخرا من إعادة ترسيم الحدود المائية لقطاع غزة، وقيام جنود سلاح البحرية بتثبيت عوامات على طول ساحل قطاع غزة تقع على بعد ثلاثة أميال من الشاطئ، يحظر على الصيادين تجاوزها.

ونظرا لأن هذا هو أحد المواسم الغنية بالسمك، فإن تقليص مساحة الصيد بالنسبة لهؤلاء يعتبر ضربة كبيرة لهم، ويقلص قدرتهم على الصيد. ويقول جمال، صياد من شمال غزة، إن المناطق الغنية بالأسماك تقع تحديدا غرب الحدود التي رسمها الجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه كلما زادت الأعماق زادت فرص الصيادين في العثور على أنواع أكثر من السمك. ويضيف أنه بمجرد أن يقترب الصيادون من العلامات التي وضعها الجيش الإسرائيلي، فإنهم يفاجأون بضباط من سلاح البحرية يطلبون منهم عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية العودة للشاطئ.

ولا يعدم ضباط البحرية الإسرائيلية الوسائل لتهديد الصيادين، لا سيما تهديدهم بإحداث عطب في المركب، وحتى اقتياده براكبيه إلى مدينة عسقلان، حيث يتم اعتقال الصيادين واستجوابهم من قبل عناصر جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك). ويؤكد الصيادون، كما تؤكد منظمات حقوق الإنسان، أن عناصر «الشاباك» يحرصون على محاولة ابتزاز الصيادين ودفعهم للتعاون معهم وتقديم معلومات استخبارية عن تحركات المقاومة. وفي كثير من الأحيان يقوم عناصر سلاح البحرية الإسرائيلية برش الصيادين بالمياه وإطلاق النار عليهم، بل ومصادرة معداتهم. ونظرا لأنه من الصعوبة بمكان أن يتمكن الصيادون من تحديد مكان العلامات البحرية بشكل دقيق، فإن معظمهم اضطر لاقتناء جهاز تحديد المواقع (جي بي إس) وذلك لعدم تجاوز الحدود البحرية الجديدة التي وضعها الجيش الإسرائيلي، لكنه لم يحددها بعلامات حدودية في بعض المناطق.

ودفع كساد الصيد بسبب هذه الإجراءات بعض الصيادين إلى ترك مهنة الصيد وامتهان تجارة أسماك الأنفاق، حيث يقوم هؤلاء الصيادون بشراء الأسماك من مصر وجلبها عبر الأنفاق وبيعها في القطاع. ويعتبر هذا أحد الأسباب التي تفسر انتشار الأسماك المصرية في أسواق السمك في غزة. يذكر أن عدد الصيادين الذين قتلوا برصاص الجنود الإسرائيليين منذ بداية الانتفاضة في أواخر سبتمبر (أيلول) 2000، وصل إلى 10 صيادين إضافة إلى 50 مصابا. ويبلغ عدد صيادي القطاع 3700 صياد، يعملون على ما يقارب ألف مركب صيد متفاوتة الأحجام، ويعتاش من هذه المهنة أكثر من 50 ألف نسمة.