حلف غير مقدس بين «فوكس» والجمهوريين

بعد أن اتهم المرشح بول القناة بشن حملة عليه وتشجيع اليمينيين

مرشح الرئاسة الجمهوري الاميركي ميت رومني في برنامج لشبكة «فوكس نيوز» بنيويورك أمس (أ.ب)
TT

الأسبوع الماضي، ذهب رون بول، وهو مرشح جمهوري معتدل وسط الفريق الجمهوري الذي يتنافس لكسب ترشيح الحزب ضد الرئيس باراك أوباما في انتخابات السنة القادمة، إلى تلفزيون «إيه بي سي» المستقل، وانتقد تلفزيون «فوكس» اليميني. وقال إن «مذيعين معينين» في «فوكس» يشنون حملة عليه، من دون أن ينتقد القناة نفسها. وقال إن هؤلاء يشجعون «اليمينيين» وسط المرشحين، وأشار إلى المرشحة اليمينية ميشيل باكمان. وأثناء حديث عن برنامج باكمان الانتخابي، قال إنها «تكره المسلمين».

وسارعت باكمان إلى تلفزيون «فوكس»، وقالت إنها لم تقل ذلك، وإنها ستكون «غبية» إذا قالته. وقال مسؤولون في واشنطن إن هذا آخر مثال لجدل ظلت تشهده الولايات المتحدة حول تلفزيون «فوكس»، منذ سنوات قليلة بعد تأسيسه سنة 1996، كواحد من مشاريع ملياردير الإعلام الأسترالي الأميركي روبرت مردوخ، والذي ظل، كل هذه السنوات، لا يخفي ميوله اليمينية.

والأسبوع الماضي، بعد اتهامات المرشح بول لتلفزيون «فوكس»، وقف إلى جانبه إدوارد شولتز، وهو مذيع كبير في تلفزيون «إم إس إن بي سي» الليبرالي. ولم يعد سرا أن هذه القناة صارت، منذ سنوات، القناة المضادة بالنسبة لقناة «فوكس». وصار مذيعون ليبراليون، مثل كريس ماثيو (كاثوليكي تقدمي)، يقولون ذلك، ويكررونه، علنا.

وعلى المسرح التلفزيوني السياسي الأميركي، هناك تلفزيون «سي إن إن» الذي أسسه سنة 1980 الليبرالي تيد تيرنر. وفي الحقيقة، من أسباب تأسيس مردوخ اليميني لتلفزيون «فوكس» مواجهة «سي إن إن»، وكسب مردوخ المواجهة، ومنذ ثماني سنوات، خاصة بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول)، وبداية حروب أفغانستان والعراق والحرب ضد الإرهاب، تفوقت «فوكس» على «سي إن إن»، وأيضا بسبب برامج اجتماعية ناجحة يقدمها «فوكس» مثل «أميركان آيدول» (معبود أميركي) حيث يتنافس أميركيون على تقليد أغان مشهورة.

لهذا، لا يمكن القول إن تليفزيون «فوكس» نجح بسبب سياسته اليمينية فقط، لأن مردوخ، في ذكاء اشتهر به، مال نحو تقديم برامج تلفزيونية شعبية (مثل صحفه الشعبية الناجحة، مثل «صن» البريطانية و«نيويورك بوست» الأميركية). لكن، صار واضحا أن شعبية «فوكس» الاجتماعية تساعد يمينيته.

طبعا، لم يتوقع أحد من مردوخ أن يعترف بأن قناة «فوكس» يمينية، أو حتى تميل نحو اليمين. وفي مقابلة في «فوكس» نفسها، تجرأ مذيع وسأله عن ذلك. ويبدو أن رده الذكي كان جاهزا «أتحدى أي شخص أن يقدم لي مثالا واحدا لعدم مصداقية قناة (فوكس نيوز)»، وهو يقصد أنه إذا كان ممكنا إثبات خطأ خبر، فليس سهلا إثبات خطأ رأي.

على الجانب الآخر، نفى قادة جمهوريون أن «فوكس» تنحاز نحوهم، على حساب الحزب الديمقراطي. وقال ريتش بوند، وهو رئيس سابق للجنة الوطنية للحزب الجمهوري «الانحياز الحقيقي هو من جانب الصحافيين الليبراليين ضد كل ما هو جمهوري وما هو محافظ. والذي يعمل لكشف هذا الانحياز هو مثل مدرب الفريق الذي يحرص على كشف انحياز حكم المباراة». وأضاف «يقول الصحافي إنه مثل حكم المباراة النزيه. لكن، أنا كمدرب يجب علي ألا أصدق قوله. يجب علي أن أتابع كيف يحكم المباراة».

وقال السيناتور الجمهوري السابق ترنت لوت «إذا لم تكن هناك قناة (فوكس)، فلا اعرف من أين كنت سأحصل على أخبار ذات مصداقية». وقال الرئيس السابق جورج بوش الابن، يوم اختار توني سنو، الذي كان يعمل في تلفزيون «فوكس»، متحدثا صحافيا باسم البيت الأبيض، إن سنو كان يعمل في «قناة تلفزيونية محترمة». وكان معهد «أميركان هيرتدج» المحافظ في واشنطن طلب من العاملين فيه عدم الإكثار من متابعة تلفزيون «فوكس» لأن طاقة المعهد الإلكترونية الاتصالية محدودة.

لهذا، قال سيث اكرمان، الخبير الإعلامي «لا يحتاج مدرب الحزب الجمهوري لمراقبة الحكم لأن الحكم ينسق معه. منذ تأسيسها سنة 1996، صارت قناة (فوكس) الإخبارية أداة في أيدي المحافظين». وقال مراقبون في واشنطن إن «فوكس» جزء من شبكة إعلامية قوية تؤيد الحزب الجمهوري، إذا لم تؤيد الجناح المحافظ (حزب الشاي) فيه. وأشاروا إلى صحيفة «واشنطن تايمز» (تملكها عائلة كورية مسيحية تبشيرية)، وصحيفة «وول ستريت جورنال» (حتى من قبل أن يشتريها مردوخ قبل أربع سنوات).

وفي مجال الإذاعات، هناك برنامج «رش لمبو»، وبرنامج «شين هانيتي»، وبرنامج «بيل أورايلي»، وهي من أهم برامج التعليقات السياسية الإذاعية في الولايات المتحدة، وكلها تؤيد الجناح اليميني في الحزب الجمهوري. كما أن بعضهم، بالإضافة إلى البرامج الإذاعية، يقدمون برامج في تلفزيون «فوكس».

لكن، في الوقت نفسه، تحرص «فوكس» على نفي انحيازها، وتفعل ذلك بصورة تدعو للاستغراب، وتقدم إعلانات عن نفسها تقول، مثلا: «عادلة ومتوازنة» و«نحن ننشر الأخبار، وأنتم تقررون». وما يدعو لاستغراب أكثر هو أن هذه الدعاية لا بد أن تكون ناجحة، لأن الإقبال على «فوكس» يزيد كل سنة.

وإذا لن يكن سهلا إثبات «عدم مصداقية» تلفزيون «فوكس»، كما قال صاحبه مردوخ، فربما يمكن إثبات الآراء المحافظة على كبار المعلقين فيه، مثل بيل أورايلي، الذي تندر على قرار المحكمة العليا (التي تفسر الدستور) بأن من حق النساء حماية أنفسهن من «تحقيقات متعسفة» تقوم بها الشرطة ضدهم.

وقال أورايلي مستهزئا «من الآن فصاعدا، يجب ألا تخاف النساء الحوامل مدمنات المخدرات»، وفي التعليق انحياز واضح لأن فيه إشارات غير مباشرة للنساء الزنجيات الفقيرات، خاصة اللائي يحملن من دون زواج. وللقضية صلة بانتشار المخدرات، والجرائم، والجنس قبل الزواج، والخيانة الزوجية، في أحياء الزنوج.

وربما أكبر دليل على «تحالف غير مقدس» بين «فوكس» والحزب الجمهوري هو روغز إيلز، رئيس «فوكس» منذ تأسس.

خلال الحملة الانتخابية في سنة 1988، وبمساعدة إيلز، تحول بوش الأب من مرشح ضعيف أمام المرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس إلى مرشح قوي، وفاز في النهاية. ووضع ايلز استراتيجية عنصرية استهدفت الناخبين الذكور البيض في ولايات الجنوب والغرب. واستخدام شعارات، مثل أن دوكاكيس عضو في اتحاد الحريات المدنية الأميركي (اي سي إل يو) الليبرالي. واستخدم إعلانات تلفزيونية، مثل إعلان عن السجين الأسود ويلي هورتون.

وكان دوكاكيس حاكما لولاية ماساشوستس عندما أطلق سراح هورتون الذي كان سجن لاغتصابه امرأة بيضاء. لم يقل الإعلان ما هو سبب السجن، لكن صار ذلك واضحا، وصار الإعلان رسالة خفية لغضب لرجال البيض من دوكاكيس لأنه أطلق سراح أسود اغتصب امرأة بيضاء.

فاز بوش الأب على دوكاكيس في سنة 1988، وصعد نجم ايلز، لكن سقط بوش الأب ضد كلينتون في سنة 1992. وتحمل إيلز المسؤولية. وكان إيلز قاد حملة هجوم عنيفة، وشخصية أحيانا، ضد كلينتون. ومما قاله إن كلينتون «هيبي»، وركز على علاقات كلينتون الغرامية مع عشيقات في ولاية اركنسا، حيث كان كلينتون حاكما قبل أن يترشح لرئاسة الجمهورية. وبعد ذلك بسنتين، وفي سنة 1995، انضم إيلز إلى إمبراطورية مردوخ، وبعد ذلك بسنة أنشأ تلفزيون «فوكس».

وطبعا، حشد ايلز في «فوكس» عددا ليس بقليل من الصحافيين الجمهوريين، أو الذين يميلون نحو الحزب الجمهوري: ديفيد اسمان (كان في صحيفة «وول ستريت جورنال» اليمينية)، وإريك يرايندل (كان في صحيفة «نيويورك بوست» اليمينية)، وجون مودي (كان معلقا إذاعيا محافظا ومشهورا)، وتوني سنو (كان يكتب خطابات بوش الأب، وفي وقت لاحق اختاره بوش الابن متحدثا باسم البيت الأبيض)، وبريت هيوم كان في صحيفة «واشنطن ستار» اليمينية)، وبيل أورايلي (كان كاتب عمود في موقع «وورلد ديلي نت» اليميني).

لهذا، الأسبوع الماضي، عندما ذهب المرشح الجمهوري المعتدل بول إلى تلفزيون «إيه بي سي» المستقل، وهاجم تلفزيون «فوكس»، هاج عليه معلقون في «فوكس»، منهم أصحاب بعض الأسماء السابقة.

وانضم إلى هؤلاء كريس والاس، مقدم برنامج مقابلات أسبوعية. وقال، خلال قراءة نشرة أخبار موجزة «أظهر استطلاع للرأي في ولاية إيوا (حيث تجرى الانتخابات التمهيدية وسط المرشحين الجمهوريين) أن بول يتقدم نحو الأمام، لكن فرص فوز بول ليست قوية أبدا».

وطبعا، أغضب هذا بول ومؤيديه. وفي وقت لاحق، أضاف كريس «حسنا، لن يرضى عني بول ومؤيدوه. لكني أقدر على أن أقول إنه إذا فاز بول في الانتخابات التمهيدية في إيوا، فلن يكون ذلك في مصلحة الحزب الجمهوري، وذلك لأن بول لا يمكن أن يفوز بترشيح الحزب، ناهيك عن أن يترشح ويفوز على الرئيس أوباما».