واشنطن تخشى مغامرة كيم الابن إذا طالبت برحيله

أميركيون يتساءلون عن بكاء الكوريين على زعيمهم الراحل

TT

قالت مصادر إخبارية أميركية إن اجتماعات لمجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض ناقشت إمكانية أن يأمر كيم جونغ الابن، الذي خلف والده في حكم كوريا الشمالية، بغزو كوريا الجنوبية إذا أعلن الرئيس باراك أوباما أن مصير الابن يجب أن يكون مثل مصير الحكام الديكتاتوريين العرب الذين قضت عليهم ثورات ربيع العرب.

في الوقت نفسه، تساءل أميركيون عن حقيقة بكاء أعداد كبيرة من الكوريين الشماليين على كيم الأب، وقالوا إن الوقت حان للقضاء على «الثقافة الديكتاتورية» التي نمت في كوريا الشمالية، خاصة خلال حكم آل كيم: الجد إيل سونغ، والأب جونغ إيل، والحفيد جونغ أون. وقال مصادر في واشنطن إن وفاة كيم الأب فاجأت المسؤولين الأميركيين ليس فقط في توقيتها، ولكن أيضا، في عدم توفر معلومات كافية عن نظام الحكم والحكام في كوريا الشمالية، خاصة ترسانتها النووية، وسياستها الخارجية المتطرفة التي ظلت تهدد دول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة.

وأيضا، لا تعرف واشنطن كيف تتصرف نحو نظام ديكتاتوري قوي ومتوارث، في الوقت الذي أيدت فيه الثورات العربية ضد أنظمة ديكتاتورية، وفي الوقت الذي تضغط فيه على سوريا وإيران للإطاحة بحكومتيهما.

وقال مسؤول في البيت الأبيض: «إنه أمر مرعب أننا لا نعرف الكثير عما يجري هناك. لا أعتقد أنني أقدر على المبالغة في القلق». وأضاف أن إدارة أوباما على ثقة بأن كيم الابن سيخلف والده رسميا، لكنها ليست متأكدة من قدرته على «إدارة الجيش والسيطرة على الصفوة الحاكمة ذات العلاقات القوية مع عائلة كيم».

في الوقت نفسه، انتقد بعض المرشحين الجمهوريين سياسة الرئيس أوباما نحو كوريا الشمالية، على الرغم من أنهم لم يقدموا تفاصيل محددة.

وقال حاكم ولاية ماساتشوستس السابق، ميت رومني، في بيان إن وفاة كيم «تمثل فرصة لأميركا للعمل مع أصدقائنا لإيقاف مسار كوريا الشمالية في هذا الطريق المظلم، ولضمان الأمن في المنطقة». وقال إن الولايات المتحدة «يجب أن تثبت أنها قائدة، في المنطقة وفي العالم».

وأكد حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، على «التهديد الأمني المتزايد من الأسلحة النووية التي تملكها كوريا الشمالية». وأضاف: «هذه فرصة لا نظير لها لإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية».

وقال مراقبون في واشنطن إن الرئيس أوباما بدأ شخصيا في جمع معلومات عندما اتصل مع قادة اليابان وكوريا الجنوبية. لكن يبدو أن الاستخبارات اليابانية والكورية الجنوبية لا تعرف أكثر مما تعرف الاستخبارات الأميركية. وفي هذا الصدد، انتقد مرشحون جمهوريون وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وقالوا إنها قصرت في جمع معلومات عن كوريا الجنوبية، واتهموا الرئيس أوباما بأنه «لا يهتم بجمع معلومات هامة لحماية الوطن».

وقال البيت الأبيض إن الرئيس أوباما اتصل، في منتصف ليلة أول من أمس، بالرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك. وأعاد تأكيد التزام الولايات المتحدة بتحقيق الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية «وأمن حليفنا الوثيق (كوريا الجنوبية)». وأضاف البيان أن «الزعيمين اتفقا على البقاء على اتصال وثيق مع تطور الوضع».

وقالت بيانات من الخارجية والدفاع والبيت الأبيض إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع ليون بانيتا، ومستشار الأمن القومي توماس دونلون، كل على حدة اتصل بنظيره في كوريا الجنوبية، وأكد دعم الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، كتب معلقون أميركيون كبار عن ظاهرة البكاء الشديد الذي نقلته التلفزيونات لكوريين شماليين حزنا على وفاة كيم الأب. وقال بعضهم إن «واجب الولايات المتحدة» هو العمل للتخلص من «هذه الثقافة الديكتاتورية التي غسلت أدمغة الملايين».

وكتب معلق في صحيفة «واشنطن بوست»: «يبدو انحرافا، وحتى فاحشة، أن الناس يبكون في الشوارع لوفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل. ومن وجهة نظرنا، التفسير المعقول الوحيد هو أن الدموع مجبرة، وأنها إظهار إلزامي للعاطفة أمام الكاميرات. وفي نهاية المطاف، إنها العين المراقبة للحاكم على مواطنيه».

وأضاف: «ربما بعضها وهمي، ولكن ليس لدي شك في أن كثيرا منها حقيقي وعفوي. الروس بكوا عندما توفي ستالين. والهستيريا الجماعية شيء قوي في كل ثقافات العالم تقريبا. في بريطانيا، شهدنا عواطف جماعية وعلنية عندما توفيت الأميرة ديانا. وكانت استجابة طبيعية للخسارة الحزينة للأميرة. لكن الكثير منه كان إرضاء للنفس، وبصورة جماعية. دموع واحد تسبب دموع ثان، ودموع ثان تسبب دموع ثالث. مثل أن يتقدم شخص نحوك ليعزيك وهو يبكي. أيضا، العاطفة تضخمها وتعززها وسائل الإعلام. ويبدو أن الكثير من الناس يبكون علنا لأنهم يحسون بالتضافر مع حشود كبيرة من الناس وهي تبكي».

وحذر معلق آخر من أن عائلة كيم في كوريا الشمالية، ومؤيديها، سوف يستغلون هذا البكاء الجماعي، ويقولون إنه دليل على حب العائلة.

وقال مسؤولون في واشنطن إن تركيز الإعلام الأميركي على وفاة كيم يتضمن أسبابا سياسية وأمنية بسبب قنابل كوريا الشمالية، وتعاونها مع دول تعاديها واشنطن، مثل سوريا وإيران. وأيضا، بسبب اختلاف النظام الديكتاتوري في كوريا الشمالية حتى بالمقارنة مع أنظمة ديكتاتورية أخرى يعرفها الأميركيون.

وبعد مرور 48 ساعة على وفاته، لم يكن المسؤولون في كوريا الجنوبية يعرفون أي شيء عن ذلك، ناهيك عن واشنطن، حيث اعترفت وزارة الخارجية الأميركية أنها قد اطلعت على «تقارير صحافية» عن وفاة كيم بعدما كانت وسائل الإعلام الكورية الشمالية قد أعلنت الخبر بالفعل.

إن فشل أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية والأميركية في معرفة أية مؤشرات على مثل هذا الحدث الجلل – مثل اتصالات هاتفية بين مسؤولين حكوميين أو الحشد الكبير من الجنود حول القطار الذي كان يستقله كيم – يعكس الطبيعة السرية لكوريا الشمالية التي تعاني من علاقات متوترة مع معظم دول العالم، علاوة على العزلة الدولية التي تجعل منها تحديا كبيرا للجواسيس والأقمار الاصطناعية.

وكانت أجهزة الاستخبارات الآسيوية والأميركية قد أخفقت من قبل في رصد تطورات مهمة في كوريا الشمالية، حيث قامت بيونغ يانغ ببناء منشأة مترامية الأطراف لتخصيب اليورانيوم دون أن يتم اكتشافها طيلة عام ونصف العام حتى كشف مسؤولون كوريون شماليون عن وجودها لعالم نووي أميركي في عام 2010. وعلاوة على ذلك، ساعدت كوريا الشمالية سوريا في بناء مفاعل نووي دون علم الاستخبارات الغربية.

وقال مايكل غرين، المستشار السابق لشؤون آسيا في إدارة بوش في تقرير لصحيفة «واشنطن بوست»: «لدينا خطط واضحة بشأن ما ينبغي القيام به إذا أقدمت كوريا الشمالية على شن هجوم، ولكن ليس لدينا خطط في حالة انهيار النظام هناك. إن إعداد مثل هذه السيناريوهات يتطلب معرفة ما يحدث داخل كوريا الشمالية».

وفي العديد من الدول، يتم ذلك من خلال اعتراض الاتصالات الهاتفية بين المسؤولين أو القيام بعمليات استطلاع من خلال أقمار التجسس. وفي الواقع، تقوم طائرات التجسس والأقمار الصناعية الأميركية بتصوير ما يحدث في كوريا، كما توجد أجهزة متطورة على الحدود بين كوريا الجنوبية والشمالية تعمل على التقاط إشارات إلكترونية. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم مسؤولو الاستخبارات في كوريا الجنوبية باستجواب آلاف الكوريين الشماليين الذين يهربون إلى الجنوب كل عام. ومع ذلك، لا يُعرف سوى القليل عما يجري داخل أروقة الحكومة في كوريا الشمالية. وقال مسؤولون إن بيونغ يانغ تُبقي المعلومات الحساسة في إطار دائرة ضيقة من المسؤولين، الذين لا يبوحون بأي أسرار.

وقال كريستوفر هيل، وهو المبعوث الأميركي السابق الذي كان يتفاوض مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي: «إن هذا المجتمع ينمو ويزدهر على سريته، ويتسم بالتعقيد الشديد. إن فهم هيكل القيادة يتطلب العودة إلى تاريخ الثقافة الكورية لفهم المبادئ الكونفوشية».