دموع كوريا الشمالية تعكس مزيجا من العقيدة والثقافة والإكراه

صور الحزن البالغ انتشرت حول العالم منذ وفاة كيم جونغ إيل

نساء من كوريا الشمالية ينتحبن لوفاة رئيس البلاد كيم جونغ إيل في العاصمة بيونغ يانغ (أ.ب)
TT

من بين عدد لا يحصى من المشيعين في إحدى الساحات العامة في كوريا الشمالية التي توفي زعيمها كيم جونغ إيل يوم الاثنين الماضي، برزت صورة لرجل في منتصف العمر وهو راكع على قدميه ويرتدي سترة قصيرة، وتقترب منه كاميرا التلفزيون الرسمي وهو ينتحب ويتأرجح للخلف والأمام، ولا يتخلل حزنه إلا نفسه المرئي في البرد الذي يخيم على العاصمة بيونغ يانغ.

وتتريث الكاميرا لبضع ثوان على هذا الرجل، في حين يظهر صفان من المشيعين بعيدا، وفتيان في سن المراهقة يقفان بلا حراك، وهما لا يعرفان على ما يبدو ما الذي يتعين عليهما القيام به في ذلك الموقف. ويتطلع الفتيان إلى الرجل – وربما على الكاميرا من خلفه – ثم يبتعدان لفترة وجيزة، قبل أن يركعا على قدميهما ويبدآن في البكاء.

وبعد يوم من إعلان كوريا الشمالية عن وفاة زعيمها كيم، أظهرت مقاطع الفيديو المتلفزة والصور التي وزعتها الدولة التي تعاني من عزلة دولية يوم الثلاثاء الماضي، مشاهد من الهستيريا الجماعية وحالة الحزن الشديد التي تنتاب المواطنين والجنود في جميع أنحاء العاصمة. ويبدو أن الصور، التي تم اختيار معظمها بعناية شديدة من قبل وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية، هي جزء من حملة رسمية لحشد الدعم لخليفة كيم في سدة الحكم، وهو نجله الثالث كيم جونغ أون.

في أول ظهور له منذ وفاة والده، زار كيم جونغ أون، ضريحه في بيونغ يانغ، حيث يقبع جثمان كيم جونغ إيل في نعش مغطى بغطاء أحمر. وكان التابوت محاطا بزهور الأقحوان وزهرة الكيمجونغيليا، تلك الزهرة التي تحمل اسم والده الراحل.

صاحب كيم جونغ أون مجموعة من المسؤولين الحزبيين والعسكريين رفيعي المستوى، مما يعطي العالم الخارجي إشارة حول من يمكنه الاعتماد عليه، في سعيه لإحكام السيطرة على سلالة حاكمة سيطرت على كوريا الشمالية منذ تأسيسها على يد جده، كيم إيل سونغ، الذي تسببت وفاته في عام 1994 في عموم حالة حداد على المستوى الشعبي.

وتعتبر صور التعبير المتطرفة عن مشاعر الحزن في الجنازات – النحيب التشنجي والضرب بقبضة اليد وإصدار صيحات عالية مع هز الجسم – جزءا مقبولا من الثقافة الكونفوشيوسية الكورية، ويمكن ملاحظتها في جنازات المشاهير وغير المشاهير على حد سواء في كوريا الجنوبية. لكن في الشمال، تعاظمت ثقافة الحداد بفعل طائفة دينية ينظر فيها إلى قائد الدولة باعتباره أبا لكل شعب كوريا الشمالية.

بهذه الطريقة ليس التعبير الشعبي عن الحزن مؤشرا يدل على رعاية كيم جونغ إيل لكوريا الشمالية، حيث باتت إخفاقاته معروفة لشعب كوريا الشمالية خلال السنوات القليلة الماضية خاصة للطبقة صاحبة الامتيازات التي تظهر في المقاطع المصورة والصور الفوتوغرافية خلال اليومين الماضيين. إنها على الأقل الأشكال المتوقعة للحداد على وفاة أب، فعدم الالتزام بهذه التقاليد سوف يكون مدعاة للخزي والعار في المجتمع، لذا بدا على المراهقين اللذين ظهرا في المقاطع المصورة التمسك بتلك التقاليد بدافع الغريزة.

وقال بارك جونغ تشول، المحلل في «المعهد الكوري للوحدة القومية» في سيول والذي يحصل على تمويل من الحكومة، إن ذلك الحزن الذي بدا على المواطنين في بيونغ يانغ كان حقيقيا، وكان الخوف وعدم اليقين حيال مستقبل كوريا الشمالية هو سبب تدفق تلك المشاعر، وإن كان هذا لا يعني غياب تأثير عامل الإجبار في الأمر، وقال بارك: «ربما يكون سبب هذا اعتقاد شعب كوريا الشمالية أن عليه أن يتصرف على هذا النحو أو ربما لأن الأعين تراقبهم». وتحكم عائلة كيم، بداية من كيم إيل سونغ، كوريا الشمالية لأكثر من 6 عقود وكأنها عائلة كبيرة واحدة. كان الناس يطلقون على كيم «الأب». وتستعرض اللوحات الزيتية الجدارية الدعائية جنود كوريا الشمالية وهو يتشبثون بعائلة كيم مثل الأطفال الذين يتعلقون بآبائهم. ويمجد حديثو الزواج كيم إيل سونغ عند أقرب تمثال له. ومثل أطفال يرعون مقبرة آبائهم كما تقضي ثقافة كوريا الشمالية، يتحرك المواطنون حول آثار كيم تقريبا كل يوم. ويقول بريان مايرز، الخبير في فكر شعب كوريا الشمالية بجامعة دونغسيو في كوريا الجنوبية: «بطبيعة الحال ما حدث أدى إلى شعور الناس بالصدمة أو الاضطراب بغض النظر عما إذا كانوا يكنون لكيم جونغ إيل مشاعر إنسانية قوية أم لا».

ولفت مايرز إلى أن أحد أبرز جوانب الفشل في فهم الغرب لكوريا الشمالية كان ممثلا في الاتجاه إلى التقليل من شأن المعتقدات الشخصية وأهمية الولاء للدولة هناك. وقال إنه في الشمال «يعزز كل من القومية والولاء للدولة بعضهما البعض»، إلى حد أنه حينما يكون الشعب متبرما من توجه دولته، تكون هويته مرتبطة بهوية الدولة ولا تنفصل عنها.

غير أن وفاة كيم جونغ إيل لم تثر القدر نفسه من الشجن الذي أثارته وفاة والده، بحسب محللين. وفي ظل حكم كيم جونغ إيل، تفاقمت مشكلة النقص في الغذاء في كوريا الشمالية. نشأت فجوة متزايدة في الولاء للنظام «بين هؤلاء أصحاب المصالح المكتسبة كحق الذين يعيشون في بيونغ يانغ وهؤلاء الذين يعيشون في المقاطعات النائية»، بحسب بارك.

* خدمة «نيويورك تايمز»