راشد الغنوشي: السعودية هي عاصمة دول الخليج وبوابة العلاقات الجيدة معه

زعيم حركة النهضة في حوار مع «الشرق الأوسط»: لا أحمل أي طموح لا لإمارة ولا خلافة ولا وزارة ولا سفارة

راشد الغنوشي
TT

قال الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، إنه لا يحمل أي طموح لا لإمارة ولا خلافة ولا وزارة ولا سفارة، وإن الحركات الإسلامية تعمل في إطار دول قطرية وليس في إطار دولة خلافة، وهي ملتزمة بالإطار القانوني والدستوري لهذه الدول. وفي حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في تونس، أكد الغنوشي أن دول الخليج هي الدائرة الثانية بعد المغرب العربي لعلاقاتهم العربية، وأضاف «لذلك ورد في برنامج (النهضة) أننا نسعى لرفع التأشيرة عن الزائرين الخليجيين لمنطقتنا». كما صرح الغنوشي بأن «السعودية هي عاصمة دول الخليج، فمن يتطلع لعلاقات جيدة مع الخليج فإن المملكة هي البوابة، ونحن لا نتمنى للمملكة إلا كل الخير فهي قبلة المسلمين».

وعن التصريحات التي نشرها مركز واشنطن وقال فيها إن الغنوشي دعا لثورات في الممالك، رد الغنوشي بأن المركز «عمد إلى تشويه أقوالنا وتحميلها ما لا تحتمل، وكان الغرض واضحا وهو التشويش على علاقاتنا الدولية لا سيما مع أشقائنا في العالم العربي، مما دفعنا إلى التكذيب وإلى نشر أقوالنا بصورتها الأصلية في موقعنا على (فيس بوك)، حتى تكون المرجع الأصلي الموثوق به».

وعن علاقته بقطر وبالشيخ يوسف القرضاوي، قال زعيم حركة النهضة «لن نرفض أي دعوة من أي قطر عربي، فنحن نعتبر هذه الدائرة هي الأولى لعلاقاتنا الدولية، ومن خسر أشقاءه لن يكون ربحه كبيرا مع غيرهم». وأضاف عن القرضاوي «أعتبره من أساتذتي الكبار، وشرف له وللربيع العربي أنه كان ولا يزال داعما قويا بل صوتا عاليا لهذه الثورات. «الشرق الأوسط» التقت الشيخ راشد الغنوشي في مقر الحركة في تونس، وفي ما يلي نص الحوار:

* يقول متابعون للوضع في تونس إن خطابكم السياسي المعتدل ما هو إلا قناع لفتح الطريق نحو السلطة، وينتظرون سقوطه.. كيف تردون عليهم؟

- في البداية أحيي قراء «الشرق الأوسط».. وأقول إن الاتهام بازدواجية الخطاب يحتاج إلى إثباتات تدين صاحبه، والأصل أن الإنسان بريء حتى يثبت العكس.

* هل ينتظر مع التشريعات الدستورية الجديدة التي تسهمون في وضعها تغيير الفصول المتعلقة بالمرأة، مع التذكير بأنكم وفي حملتكم الانتخابية قلتم إنكم لن تحوروا في هذه الفصول إلا للمساهمة في تعزيز مكاسبها وحقوقها.. وكيف ترون هذا الأمر؟

- هذه التهمة يكررها خصومنا وتحمل اتهامات للنوايا تخرج عن مجال السياسة، لأن السياسة حكم على الأقوال والأعمال وليس النوايا. والذين تابعوا خطابنا ودرسوه بشكل علمي منذ انخرطنا سنة 1981 في السياسة أثبتنا لهم تماسك هذا الخطاب ومبدئيته في القضايا الكبرى كالديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية، ورفض العنف والانقلاب سبيلا للتغيير، وكذلك القناعة التامة بالمساواة بين الجنسين. ونحن متمسكون بهذا الخطاب الذي كررناه آلاف المرات منذ 1988/7/19.

* كيف ترون علاقات تونس بمنطقة الشرق الأوسط والخليج؟

- تونس جزء من العالم العربي وتحرص على إقامة علاقات جيدة على أساس الأخوة والتعاون المشترك وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ونتمنى الخير لكل أشقائنا العرب ونعمل معهم على تطوير علاقاتنا البينية في اتجاه مستويات أرقى من الوحدة.

* ما ردكم على من يرى في زياراتكم المتكررة لقطر وما تقومون به من مشاورات مسا بسيادة الشعب التونسي؟.. كما أن هناك حديثا عن علاقتكم بالشيخ القرضاوي فما هي طبيعتها، وهل هو بالفعل أب روحي للثورة التونسية أو لباقي الثورات؟

- أما عن زياراتي لقطر فهي عادية ضمن العلاقات بين الأشقاء، لا سيما أن قطر أسهمت إسهاما معتبرا في الربيع العربي الذي انطلق من تونس من خلال ما لاقته هذه الثورات من دعم إعلامي رائد عبر «الجزيرة». ونحن نتطلع إلى تطوير علاقاتنا مع كل أشقائنا، لذلك زياراتنا لم تقتصر على قطر، بل زرنا الجزائر وليبيا والمغرب ومصر، أشقاءنا الأقربين، وهناك زيارات أخرى في الآفاق. ولن نرفض أي دعوة من أي قطر عربي، فنحن نعتبر هذه الدائرة هي الأولى لعلاقاتنا الدولية، ومن خسر أشقاءه لن يكون ربحه كبيرا مع غيرهم.

أما عن القرضاوي فقد انتهت إليه الرئاسة الفقهية الإسلامية المعاصرة، فهو الرئيس الأكبر للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي أتشرف بموقع متقدم فيه، وأعتبر أنه من أساتذتي الكبار، وشرف له وللربيع العربي أنه كان ولا يزال داعما قويا، بل وصوتا عاليا لهذه الثورات. ولا أعلم للرجل أي طموحات سياسية لا في بلده ولا في أي بلد آخر، وإنما هو يؤدي واجب النصح الإسلامي والأمانة العلمية التي أناطها الله بعلماء الإسلام في نصرة الحق ومقاومة الظلم في أي مكان.

* تركيا بلد إسلامي رأى كثيرون أنكم تمشون على خطاه، هل صحيح أنكم متأثرون به، وسنرى تونس صورة لتركيا في المستقبل؟

- تركيا بلد مسلم كبير له تاريخ عريق في حضارة الإسلام، وهو اليوم يستعيد عبر حزب العدالة والتنمية الإسلامي مكانته التاريخية في المنطقة جامعا بين ما حلم به المصلحون منذ القرن الـ19 في القاهرة واسطنبول وتونس، بين الإسلام والتقدم، وذلك بعد أن نجح في إرساء تجربة تنموية وديمقراطية رائدة. نحن نرتبط مع التجربة الإسلامية في تركيا بعلاقات وطيدة منذ السبعينات، توطدت بسبب التشابه بين السياق التاريخي للبلدين تونس وتركيا، ويبقى لكل منهما خصوصياته، وهناك فعلا تبادل للتأثير بين التجربتين، فكل من يتابع تجربة تركيا الإسلامية يدرك مكانة فكر حركة النهضة وفكري شخصيا في التجربة، والمؤكد أن كتبي قرأت في تركيا أكثر مما قرأت في تونس، إذ ترجم معظمها إلى التركية بينما بقيت محظورة أكثر من 30 سنة في تونس حتى جاءت الثورة المباركة لترفع هذا الحظر.

* التصريحات المنسوبة إليكم والتي نشرها مركز واشنطن حول الممالك العربية والثورات، وأثارت ردود أفعال قوية في العديد من الصحف التي رأت فيها مسا من سيادة دولها، سبق أن قلتم إنها ملفقة، واتهمتم جهات صهيونية بالتآمر، فمن من مصلحته التآمر عليكم؟ ولماذا قبلتم بالإدلاء بتصريحات لهم أساسا؟

- زرت الولايات المتحدة تلبية لدعوة من مجلة «فورن بوليسي» الأميركية ضمن دعوة لـ100 شخصية اعتبرت المجلة أنهم من أكثر المؤثرين في العالم هذا العام. وعلى هامش هذه الدعوة أجريت أحاديث مع عدة مراكز فكرية وهي منتشرة كثيرا في واشنطن والتي تسمى بـ«ثنك تانكس»، وكانت ذات توجهات مختلفة يمينية ويسارية ومعتدلة ومتطرفة ومحافظة، ومن عادتها أن المحاورات التي تجري فيها لا تكون للنشر ولا تسجل إذ الهدف منها إتاحة فرصة للحوار بين النخبة وأهل الاختصاص في المركز، والتزمت كل المراكز الفكرية التي تحاورنا معها بهذا الشرط ما عدا مركز واشنطن الذي لم يكتف بالنشر، وهو ما نتج عنه احتجاج منا واعتذار منهم، حيث عمد إلى تشويه أقوالنا وتحميلها ما لا تحتمل، وكان الغرض واضحا وهو التشويش على علاقاتنا الدولية لا سيما مع أشقائنا في العالم العربي، مما دفعنا إلى التكذيب وإلى نشر أقوالنا بصورتها الأصلية في موقعنا على «فيس بوك» حتى تكون المرجع الأصلي الموثوق به.

* كيف ترون علاقتكم بالممالك العربية خاصة المملكة العربية السعودية بعد التشويش الذي حدث على أثر التصريحات؟

- نحن نتطلع إلى علاقات جيدة مع كل دول المنطقة وبخاصة دول الخليج، فهي الدائرة الثانية بعد المغرب العربي لعلاقاتنا العربية، لذلك ورد في برنامج «النهضة» أننا نسعى لرفع التأشيرة عن الزائرين الخليجيين لمنطقتنا، والسعودية هي عاصمة دول الخليج فمن يتطلع لعلاقات جيدة مع الخليج فإن المملكة هي البوابة، ونحن لا نتمنى للمملكة إلا كل الخير فهي قبلة المسلمين.

ونحن قد ذكرنا أن كل البلاد العربية بصدد الإصلاح، ونتمنى أن يتخذ ذلك أيسر السبل وأقل التكاليف بعيدا عن الهزات الاجتماعية التي لا تؤمن عواقبها وذلك من خلال ما نتمناه من مبادرات إصلاحية يتولاها الحكام بأنفسهم استجابة لمطالب شعوبهم، وضربنا المملكة المغربية مثلا، والتي تمنينا أن يحذو حذوها الجميع من خلال ما قدمه ملك المغرب من إصلاحات إذا تواصلت ستجنب المغرب هزات هو في غنى عنها.

* لم تصدر عنكم مواقف واضحة إلى حد الآن حول علاقة تونس بإسرائيل وإمكانية التطبيع أو عدمه، ويتطلع العالم خاصة الشعوب العربية لمعرفة موقفكم من هذه المسألة..

- نحن جزء من الجامعة العربية، وهي في حالة قطيعة مع إسرائيل ما دام الكيان الصهيوني لم يعترف بحقوق الفلسطينيين في استعادة أراضيهم المحتلة. ورغم أن الجامعة العربية قبلت بحل الدولتين، وقبل الفلسطينيون منذ عرفات إلى أبو مازن إلى حماس بهذا الحل، فقد ظل الكيان الصهيوني يواصل العدوان، وظل الاستيطان كالسرطان يدمر ما تبقى من أرض فلسطينية. والسؤال ليس مطروحا على العرب بل على الطرف الآخر، فإلى أن يستجيب الكيان إلى المطالب الفلسطينية الاستجابة التي يقبلها من يقع عليهم الاحتلال والدمار، فإننا لا نتعامل مع الافتراضات ولكل حادث حديث، ونحن مع الحق الفلسطيني إلى أن يستعاد ويرفع الظلم عن هذا الشعب المشرد منذ أكثر من نصف قرن دون أن يحرك العالم ساكنا لفرض حتى قرارات الأمم المتحدة التي لا يزال يرفضها الكيان الصهيوني.

* يقول متابعون إنه مع حكومة تترأسها «النهضة» سترسم خريطة جديدة للعلاقات الخارجية التونسية مع الغرب، ويرون أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد تأخذا مواقع وصلاحيات كانت فرنسا تتمتع بها.. هل هذا صحيح؟

- نحن أكدنا في برنامجنا وخلال حملتنا آلاف المرات ما تفرضه الجغرافيا من علاقات منطقية بين الدول ومنها علاقتنا بأوروبا، الجوار القريب لنا، إذ أكدنا أننا لن نحافظ فقط على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإنما سنعمل على الارتفاع بهذه الشراكة التي وقعتها تونس وسط التسعينيات، كما أننا سنوسع وننوع مستويات علاقاتنا الخارجية وسنضع في اعتبارنا تحريك المشروع المجمد وهو وحدة المغرب العربي والذي هو من أولوياتنا، وكذلك تطوير علاقاتنا مع الدول العربية لا سيما دول الخليج. وكذلك الامتداد للبعد الأفريقي باعتبارنا جزءا من أفريقيا، والبعد الآسيوي مع الهند والصين وماليزيا وإندونيسيا، وسنفتح مجال عمل كذلك مع أميركا اللاتينية.

البوابة الأوروبية ستظل مفتوحة ونحرص على ذلك، لكننا سنفتح البوابات الأخرى على مصاريعها. وتونس متعددة الأبعاد، والسياسة الخارجية لا ترسمها «النهضة» وحدها ولكن بالتوافق مع شريكيها في التآلف.. هذا تصورنا كنهضة وللحكومة ناطقون باسمها.

* ما هو موقفكم من الثورة السورية؟

- نحن مؤيدون لكل الثائرين على الظلم، وأعلى درجات الظلم في العالم نراها في سوريا اليوم.

* السلفيون ورغم أنهم يمثلون قلة في تونس فإنهم أصبحوا يتدخلون وبشكل فيه عنف لفظي وأحيانا جسدي في العديد من المظاهر الاجتماعية التي تعود التونسيون عليها.. ما موقفكم كحزب إسلامي أظهر اعتدالا من تصرفاتهم، وكيف ستتعاملون معهم مستقبلا، وماذا لو جابهكم السلفيون بخطاب معارضة ديني؟

- السلفيون هم جزء من أبناء تونس تعرضوا لما تعرضت له كل الفئات التي لم تستسلم للطاغية وإنما قاومته، وكان نصيب هذه الفئة النصيب الأوفر من القمع بعد «النهضة»، بل إنهم حلوا محل مساجين «النهضة»، فهم أبناؤنا الذين حيل بيننا وبين أداء واجبنا تجاههم، وإذا عرف على بعضهم تشدد فهو رد فعل على قمع السلطة، والقانون الفيزيائي قائم على أن رد الفعل يكون بنفس نوع الفعل.

والسلفيون في تونس ليسوا تيارا وحدا، بل هم تيارات، ونحن نتوقع أنه بغياب القمع وتوافر مناخات الحوار وحرية الدعوة فإن ظواهر التشدد ستخف، وأن التدين التونسي بما عرف به من اعتدال هو الذي سيسود في النهاية، والمجتمع سيضم كل منتوجاته ضمن وحدة وطنية رحيمة.

السلفيون بالتأكيد جزءا منا، وكثيرا ما رأيت في السلفيين شبابي، ونحن نشأنا في السبعينات في جو معاد، فبورقيبة كان عدوا للإسلام، لذلك واجه الإسلاميين بالقمع، فنشأنا على قدر من التشدد لكل المجتمع التونسي، لكن بعد عشر سنوات من الحوار معه وصلنا إلى نقطة في منتصف الطريق بعد تطوره في اتجاه التدين وتطورنا في اتجاه الاعتدال. ويقينا أبناؤنا السلفيون سيسلكون نفس الطريق، لا سيما مع ما يسود من حرية، ونحن دافعنا عن حقهم في حرية التعبير في المساجد وغيرها رغم اختلافاتنا مع بعض أطروحاتهم ومع إخواننا في حزب التحرير، لكننا دافعنا عن وجودهم ورفضنا الحملة على بناتنا المنتقبات رغم أننا لسنا مع ارتداء النقاب ولا نراه واجبا دينيا، لكن من باب الحرية، فلماذا لا يتم الاعتراض على أن تظهر المرأة بلباس السباحة في الشواطئ؟

ألا تكون المرأة حرة حتى تخالف الإسلام أو حتى تتماهى مع نموذج ينسب نفسه للحداثة؟.. ألسنا من أنصار حرية المرأة؟ فلنترك لها حق أن تختار نمط حياتها أو نكتفي بالإقناع والاحترام المتبادل. والضجة التي أثارها علمانيون والتي انتهت بغلق المنابر العلمية، كل ذلك بسبب رفض منح فتاة منتقبة حقها في الدراسة، وهذا ضرب من التعصب واليعقوبية الفرنسية المتطرفة، هذا إن لم يكن سبيلا من سبل المعارضة غير المشروعة للتيار الإسلامي لإحداث البلبلة في البلاد، بينما نرى منتقبات في جامعات بريطانية وأميركية ولا أحد يتصدى لهن، ولكن إذا حدث اشتباه أمني فيمكن للمرأة أن تسفر عن وجهها.

هو مشكل مفتعل، وانتهى زمن التسلط على الناس، سواء باسم الحداثة أو باسم الإسلام، وقال سيدنا عمر «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟»، ومسائل الاعتقاد والتعبير عنها مسائل شخصية لا شأن للآخرين بها، والشخص مسؤول عنها، أما الدولة ومؤسسات الدولة كالجامعة فمهمتها تقديم الخدمة وليس فرض المعتقد أو نمط الحياة.

* الاحتجاجات متواصلة منذ وصولكم للحكم، وتطالب خاصة بحرية التعبير، وضمان حقوق المرأة، هل ترون أنها منظمة من أطراف لها أغراض سياسية، أم هي مخاوف تلقائية من الشعب؟

- لا يستبعد أن يكون هذا وذاك، فآلة الإعلام ظلت تضخ موجات الخوف من الإسلاميين لأكثر من ربع قرن، وكانت تخرجهم في هيئة الغول الهاجم على المجتمع، يصادر حريته ويدمر مكاسبه، وبالخصوص في مجال الفنون والآداب وحقوق النساء، ورغم أن الحركة الإسلامية نجحت في إقناع أغلبية تونسية بخواء هذه الدعاية السوداء، والدليل التصويت الواسع لصالح الحركة الإسلامية رجالا ونساء ووجود 42 امرأة من «النهضة» في المجلس التأسيسي من مجموع 49، بما يدل على أن المرأة التونسية داست بالأقدام على هذه الدعاية السوداء ورأت أن ضمان حريتها هو مع النهضة وليس خصومها، رغم ذلك فإن هناك قلة ما زالت تحافظ على نفس الدعاية، بعضهم ببراءة لأن خطابنا لم يصل إليهم وربما لأن لنا ضعفا في مجال الإعلام، وبعضهم يفعل ذلك ضمن التمادي في خطة التشويه وممارسة المعارضة، وليس وفق ما هو متعارف عليه من أساليب حضارية وإنما وفق أسلوب آخر هو العرقلة والتثبيط وإشاعة المخاوف والتهويل، بل وحتى التحريض على العنف وممارسة استغلال أوضاع اجتماعية في مناطق معينة للتحريض على حرق مصانع، وقطع طرقات وتعطيل مرافق عامة مثلما يحصل الآن في الحوض المنجمي والمركب الصناعي بقابس (جنوب البلاد). وهذا لا يغير الصورة العامة للبلاد، إنما جو التفاؤل هو الغالب، فنسبة 92 في المائة من التونسيين متفائلون بالمستقبل، و96 في المائة من نساء تونس متفائلات، والبلاد في عمومها آمنة، وكما أقول دائما تونس جميلة، وأصبحت أجمل في غياب بن علي.

* مع صعود الحركات الإسلامية للحكم في المغرب وقريبا في ليبيا حسب تصريحات مسؤولين، ومصر حسب ما عكسته مرحلتا الانتخابات الأوليين، هل لديكم طموح في «الخلافة» خاصة أن رئيس الحكومة الحالي حمادي الجبالي تحدث عن هذا في تصريحات أحدثت جدلا في تونس مؤخرا؟

- أنا شخصيا لا أحمل أي طموح لا لإمارة ولا خلافة ولا وزارة ولا سفارة. والحركات الإسلامية تعمل في إطار دول قطرية وليس في إطار دولة خلافة. هي ملتزمة بالإطار القانوني والدستوري لهذه الدول، كل يعمل على حماية وحدته الوطنية وتنمية بلاده ورقيها، وفي الوقت ذاته يعمل على الارتفاع بمستوى العلاقات مع أشقائه إلى مستويات أعلى من التعاون والاعتماد المتبادل وتشابك المصالح وتحقيق مستويات متدرجة من الوحدة المغاربية والعربية والخليجية والإسلامية. فهناك مؤسسات للوحدة تذكرنا بأننا أمة واحدة رغم اختلاف أقطارنا ودولنا، وهذه المؤسسات تحقق شيئا من حلم الوحدة، مثل مؤسسة المغرب العربي، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. هي موجودة لكن تكاد تكون مفرغة من المضمون الوحدوي، ألا يكون مشروعا لنا أن نعمر هذه الفضاءات الوحدوية بالتطلع إلى أسواق مغاربية وعربية وخليجية وإسلامية مشتركة، وإلى التنسيق في كل المستويات السياسية والثقافية والتربوية؟.. هل هذه جريمة في زمن الوحدة الأوروبية والآسيوية واللاتينية؟

* صدرت تقارير اقتصادية عالمية مؤخرا حول السياحة وصنفت تونس على رأس الدول التي ستستقطب الأوروبيين خاصة في العقدين القادمين، هل لديكم تحفظات على طريقة عمل القطاع السياحي في تونس، وهل لديكم خطوط حمراء حول بعض مجالاته؟

- السياحة تمثل موردا أساسيا من مواردنا الاقتصادية، وتونس دولة مفتوحة للخارج، وإسلامنا ليس دين انغلاق بل انفتاح على العالم، ونداؤه للمسلمين «قل سيروا في الأرض»، إذن سنعمل على تطوير هذا القطاع وتخليصه من الأزمة التي يعيشها بسبب تردي الخدمات وضعف المنتوج السياحي وضعف الفئة المستهدفة بالسياحة التونسية وهي فئة الطبقة العمالية الأوروبية ذات الدخل المحدود، مما جعل مستوى المنتوج يتردى، ونحن نتطلع للارتفاع به والاتجاه لتنويع المستهدفين بهذا المنتوج ليكون المستهدف الأول هم أهلنا في الجوار الجزائري والليبي ودول الخليج وكذلك اليابانيون والأميركان مع الاحتفاظ بالأسواق التقليدية لتونس.

سياستنا ستكون التنويع للمنتوج والمستهدفين، والارتقاء بالقطاع السياحي من ناحية المنتوج والمستهدفين، وليس مجال غلق الأبواب. لقد اقتصرت السياحة التونسية على كونها سياحة شواطئ تقدم خدمات رخيصة، نحن نريد أن ننوع هذا المنتوج لإضافة أنواع أخرى من الخدمات السياحية مثل سياحة المؤتمرات، والسياحة الثقافية، والصحراوية، والبيئية والصحية والدراسية.

* شهد ترشيح صهركم لوزارة الخارجية ردود فعل وأثار جدلا كبيرا، هل ترون أنه قرار مناسب الآن تحديدا، خاصة مع حساسية قضية «الأصهار» (في إشارة لابن علي وأصهاره) في تونس؟

- نرى أن هذا توظيف سياسي غير مناسب، هو من باب المعارضة السياسية غير النزيهة، لأن الوظائف السياسية وغيرها لا ينبغي أن يكون مدارها إعطاء أو حرمان للأقرباء أو الأصدقاء وإنما الكفاءة، فالمادة التي ينبغي أن تمتحن هي الكفاءة. فلا يمنع أحد من منصب بسبب قربه أو بعده من زيد أو عمر، ولكن ينبغي أن يمتحن وتدرس كفاءة ترشحه، ومن ثبتت كفاءته حري أن يتولى.

نحن نزعم أن وزراءنا على كفاءة علمية وخلقية ونضالية، ونقبل النقاش في هذه المستويات فقط وإلا فسيكون أقاربنا موضع اضطهاد في كل الأحوال، فعندما تكون الحركة مضطهدة فأقارب زعمائها مضطهدون، وعندما ينتصرون يحرمون من المناصب بسبب القرب، بهذا يكون القرب لعنة. وقد طرحت هذه المسألة على مستوى الحركة وجاءت الآراء بين مؤيد ومعارض، وقد تساءلت إحدى الأخوات ردا على المعارضين: هل يجب مثلا أن يطلق الوزير زوجته؟