باكستان: تفاقم الأزمة بين الحكومة والجيش

جيلاني يتحدث عن مؤامرة للإطاحة بحكومته وتواصل تداعيات مذكرة «الاستعانة بالأميركيين»

زرداري وجيلاني لدى اجتماعهما في القصر الرئاسي بإسلام آباد أمس (أ.ف.ب)
TT

قال رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني، أمس، إن «متآمرين» يخططون لإسقاط حكومته، موجها انتقادات غير مسبوقة ضد الجيش النافذ في البلاد. وفي تأكيد مفاجئ على أنه يخشى الإطاحة به، نفى جيلاني بغضب أن تكون حكومته تابعا للجيش، وذلك في الوقت الذي تواجه حكومة جيلاني فضيحة تتعلق بالتقارير عن مذكرة تطلب مساعدة الولايات المتحدة لكبح الجيش في البلاد.

وقد تصاعدت حدة الضغوط حول المذكرة التي يتردد أنها كتبت بموافقة من الرئيس خشية قيام الجيش بانقلاب عسكري على الحكومة المدنية بعد قتل أسامة بن لادن على أيدي قوات أميركية خاصة، في مايو (أيار) الماضي. وسرت تكهنات بأن الرئيس آصف علي زرداري سيضطر للتخلي عن منصبه على خلفية الفضيحة، وخاصة بعدما أعلنت الرئاسة مرضه، حيث ذهب إلى دبي للعلاج قبل أن يعود بعد أسبوعين.

وقال جيلاني خلال تجمع بالمعرض الوطني للفنون: «أود أن أوضح أن مؤامرات تجري حياكتها هنا للإطاحة بالحكومة المنتخبة»، دون توجيه الاتهام لأحد بالاسم. وأضاف: «لكننا سنواصل النضال من أجل حقوق شعب باكستان سواء بقينا في الحكم أم لا»، معلنا أنه رئيس الوزراء الذي بقي لأطول فترة في الحكم بلغت 45 شهرا.

ويعد جيلاني أرفع مسؤول في الحكومة يتحدث صراحة عن التكهنات المحمومة التي تتحدث عنها وسائل الإعلام المحلية يوميا عن مستقبل الإدارة التي لا تلقى تأييدا من الشعب بسبب الركود وانقطاعات الكهرباء والفضيحة والتضخم. وقبل أسبوعين، نفى وزير الداخلية رحمن مالك الشائعات عن احتمال وقوع انقلاب يطيح بالحكومة، إلا أن تصريحات جيلاني أظهرت على ما يبدو أن أعضاء من الحكومة يعتقدون أن احتمال مغادرتهم المبكرة قائم.

وحصل زرداري وحكومته على الإشادة بسبب نجاحهم في تجنب الفضائح والدعوات إلى استقالتهم منذ توليهم السلطة عقب الانتخابات التي فاز بها حزب الشعب الباكستاني في فبراير (شباط) 2008، إلا أن أي قرار من المحكمة العليا للتحقيق في المذكرة، كما يطالب الجيش، سيضع ضغوطا كبيرة على الرئيس في وقت تتسم فيه العلاقات بين الجيش والحكومة المدنية بالتوتر الشديد.

وعلى الرغم من أن الانتخابات الجديدة مقررة في فبراير (شباط) 2013، فإن المعارضة بدأت حملات انتخابية، ويتوقع الكثير من المراقبين أن تجري الانتخابات في عام 2012. ولم يسبق أن أكمل أي زعيم مدني في باكستان ولاية كاملة في السلطة. وعلى الرغم من أن الجيش حكم باكستان لأكثر من نصف عمرها بعد الاستقلال، وحصل على السلطة في ثلاثة انقلابات، فإن المحللين يستبعدون أي استيلاء وشيك على السلطة.

وفي المعرض الوطني للفنون، وصف جيلاني الجيش بأنه يتحلى بـ«الانضباط»، وقال إنه «يتبع الدستور» و«سيبقى تحت الحكومة»، إلا أنه انتقد الجيش بعد أن أبلغت وزارة الدفاع المحكمة العليا أنها «لا تمارس أي سيطرة عملياتية» على الجيش أو جهاز الاستخبارات. وقال للنواب أثناء فترة أسئلة وأجوبة في البرلمان: «إذا قالوا إنهم ليسوا خاضعين لوزارة الدفاع، فعلينا أن ننعتق من هذه العبودية، فهذا البرلمان إذن بلا أهمية، والنظام بلا أهمية، وانتم بلا سيادة!». وأضاف: «لا أحد فوق القانون، جميع المؤسسات خاضعة للبرلمان».

وقال جيلاني، الذي بدا أنه فقد صبره، إن الحكومة تقف إلى جانب أجهزة الأمن في الضغوط التي تتعرض لها بسبب مقتل أسامة بن لادن، وفي هجوم حلف الأطلسي في 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، وفي هجمات مومباي 2008. وأضاف: «في أسوأ الأحوال، ضاعفنا رواتبهم. يجب أن يكونوا خاضعين للمساءلة أمام البرلمان. إن اللجنة القضائية (التي تنظر في الغارة الأميركية التي أدت إلى مقتل بن لادن، وكيف عاش زعيم القاعدة في باكستان دون أن يعرف به أحد) تسألنا عن إصدار التأشيرات (للأميركيين). ولكنني أريد أن أسال، كيف كان (بن لادن) يعيش هنا طوال السنوات الست الماضية؟ ما نوع التأشيرة التي حصل عليها ليعيش هنا؟ لماذا لم يتم الاهتمام بالأمن، في حالة أنه دخل باكستان دون تأشيرة».

وطالب رئيس الوزراء السابق، نواز شريف، هذا الأسبوع، بإجراء انتخابات مبكرة. وأجلت المحكمة العليا حتى اليوم الجمعة جلسة استماع لمعرفة ما إذا كانت سيتم التحقيق في المذكرة التي قيل إن أحد أقرب مستشاري زرداري كتبها لطلب المساعدة من الأميركيين خشية حدوث انقلاب عسكري في مايو الماضي. وكان سفير باكستان في واشنطن، حسين حقاني، قد أجبر على الاستقالة على خلفية الفضيحة، على الرغم من نفيه الاتهامات بشأنها.

وفي سياق متصل، قال حلف شمال الأطلسي أمس، إن تحقيقا أجراه الحلف في الضربة الجوية التي أسفرت عن مقتل 24 جنديا باكستانيا خلص إلى أن الحلف وكذلك القوات الباكستانية ارتكبا أخطاء على خلفية الحادث. وأعربت قيادة الحلف الأطلسي عن «تعازيها الحارة لأسر» الضحايا، حسبما قال الحلف في بيان عقب الحادث الذي وقع فيما بين 25 و26 نوفمبر الماضي وأدى لتوتر العلاقات الأميركية - الباكستانية أكثر. وقال الحلف الأطلسي إنه «تبين بالتحقيق وقوع سلسلة من الأخطاء من الجانبين، حيث أخفقا في التنسيق بالشكل المناسب فيما يتعلق بمواقعهما وأفعالهما، سواء قبل العملية أو خلال الاشتباك الذي نجم عنها».

وكان الحادث قد أدى إلى تصعيد التوتر في العلاقات الهشة أصلا، إذ أوقفت إسلام آباد نقل الإمدادات الحيوية للحلف الأطلسي عبر أراضيها إلى أفغانستان، واتهم مسؤولون باكستانيون القوات الأميركية باستهداف متعمد للجنود الباكستانيين في المواقع الحدودية. وطلبت باكستان أن يتقدم الرئيس باراك أوباما باعتذار كامل عن الضربات، غير أن مسؤولي الحلف الأطلسي والمسؤولين الأميركيين أعربوا عن أسفهم لوقوع الحادث.

ومن شأن ما خلص إليه التحقيق إثارة استياء إضافي لدى إسلام آباد، حيث يصر المسؤولون الباكستانيون على أن جنودهم لم يرتكبوا خطأ ولم يبادروا بإطلاق النار. أما الحلف الأطلسي فقال إن القوات الأفغانية والقوات الأجنبية «ردت بشكل مشروع انطلاقا من الدفاع عن النفس» بعد إطلاق النار عليها أولا من جانب «قوات مجهولة» لم يكن يعتقد بادئ الأمر أنها تابعة للجيش الباكستاني. وقال البيان الذي أصدره المقر العسكري للحلف الأطلسي في مونز ببلجيكا إن «القوة المشتركة لم تطلق النار على دراية منها على القوات الباكستانية». وقال البيان: «أكد التحقيق أنه تم اللجوء إلى دعم جوي قريب دفاعا عن النفس ردا على نيران رشاشات وقذائف هاون كثيفة انطلقت ممن اتضح أنهم جنود باكستانيون، قرب الحدود في محيط صلالة».

وقال الحلف الأطلسي إن مراجعة دقيقة لخطة العمليات والاتصالات خلال الحادث «أكدت صحة ما خلص (التحقيق) إليه من أن القوات الباكستانية لم تستهدف عمدا وأن الأفعال التي اتخذتها قواتنا كانت مشروعة، في إطار قوانين النزاع المسلح وفي إطار قواعد الاشتباك».