«نون النسوة» تجدد الثورة في ميدان التحرير

استعدن 100 عام من النضال في مظاهرة حاشدة باسم «حرائر مصر»

متظاهرة مصرية تصرخ بهتافات منددة بالمجلس العسكري الحاكم في ميدان التحرير أمس (أ.ف.ب)
TT

أطل نساء مصر من قلب ميدان التحرير أمس في مظاهرة غضب حاشدة انتصرت فيها نون النسوة، وحملت عنوان «حرائر مصر»، على زمن حي من تاريخ نضالهم النسائي الوطني، ودارت الكاميرا باتساع الوطن كله، حاملة الشعارات المدوية في قلب الميدان: «يا حرية.. قومي قومي جردوني من هدومي»، «ارفعي راسك.. ارفعي راسك.. إنت أشرف م اللي داسك»، احتجاجا على مشهد إهانة متظاهرات وسحل فتاة انكشف جزء من جسدها في الميدان نفسه، في اشتباكات جرت قبل أيام بين عناصر من الجيش ومعتصمين سلميين.

فقبل ما يزيد على قرن من الزمان وتحديدا في يوم 16 مارس (آذار) عام 1919 ثارت نساء مصر وفتياتها بقيادة هدى شعراوي عندما سقطت أول شهيدة مصرية لثورة 1919 «حميدة خليل»، وتلتها «شفيقة محمد» التي استشهدت في تلك الثورة نفسها.. فاندلعت أول مظاهرة نسائية مكونة من 300 امرأة وطفن بالقنصليات والسفارات الأجنبية ببيان احتجاج ضد بقاء الاحتلال البريطاني لمصر، وعند ذهابهن إلى بيت الأمة قابلهن جنود الإنجليز وحاولوا منعهن من مواصلة المسيرة.. ثم قمن بعد ذلك بمظاهرة ثانية في 20 مارس، وقد أدى ذلك إلى اعتراف المجتمع بدورهن إلى حد أن الزعيم سعد زغلول باشا بعد عودته من المنفى قال في أول خطاب له: «لتصيحوا جميعا: لتحيا السيدة المصرية».. وكيف لا؟ وهن فتيات وسيدات كن يقرأن الكتب خلسة في الليل، يؤمن بمذهب الحرية كإيمانهن أن الصرخة الأولى تعني حياة، فيوزعن المنشورات، وتخط أناملهن الرقيقة على جدران الشوارع بالطباشير عبارات الاحتجاج على القصر الملكي، والاستعمار، وتخفي المطابع السرية كلماتهن الثائرة.. الحائرة.. الهادرة لكسر القيد، ثم ينظمن المظاهرات ويثرن أيا كانت النتائج».

لقد حملت صفية زغلول (نسبة لزوجها الزعيم سعد زغلول) لواء الثورة ضد المحتل لأول مرة في علانية تاركة وراءها حياة غير تقليدية للفتاة المصرية والزوجة المخلصة، ومعها رفيقة مسيرتها النضالية هدى شعراوي ابنة رئيس المجلس النيابي الأول في مصر في عهد الخديوي توفيق، والتي أشهرت أول اتحاد نسائي في مصر عام 1923، وترأسته حتى عام 1947.

وكان لافتا أن تعيد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) إنتاج لقب صفية زغلول الأشهر (أم المصريين) والذي حصلت عليه بعد أن قادت المظاهرات النسائية المطالبة بالاستقلال خلال ثورة 1919، وذلك بلقب أكثر حداثة وليصبح وساما بارزا على صدر كل امرأة مصرية عام 2011 وهو لقب (أم الثائر.. أم الثائرة.. أم الثوار)، في دورة غضب توقفت كثيرا على مدار ردح من الزمان، ثم ها هي تجدد روحها حاليا وتتلون بهدير النساء ودم الضحايا في العاصمة نفسها القاهرة، وبالشعلة نفسها التي حملتها المصرية الشابة أسماء محفوظ، إحدى أبرز المناوئات لنظام الرئيس السابق مبارك، لكن من خلال شاشة مربعة ووصلة إنترنت.. بحكم التطور! مشعلة فتيل ثورة 25 يناير مع عدد من شباب وشابات «فيس بوك» لأول مرة، ليسقطوا نظاما مستبدا، ويغيروا وجه الحياة في البلاد، حينما قالت: «أنا ذاهبة لميدان التحرير من أجل كرامتي كمصرية».. نافية كل الاتهامات الموجهة للمرأة على مدار العقود الحديثة بأنها باتت مغيبة سياسيا ومقهورة إنسانيا لتعيد لمصر وجهها المضيء من جديد، وهي الدعوة التي جاءت استكمالا لأول عصيان مدني دعت إليه القيادية الشابة إسراء عبد الفتاح في 6 أبريل (نيسان) 2008 والمعروفة إعلامية بحركة 6 أبريل، والتي اعتقلتها أجهزة الأمن آنذاك لفترة طويلة. وغيرهما كثيرات مثل: الناشطة سالي توما عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة، والدكتورة ليلى سويف، والدة الناشط السياسي المدون علاء عبد الفتاح، المحبوس من قبل المجلس العسكري على ذمة قضية أحداث ماسبيرو.

وفي ذاكرة الكثيرات في ميدان التحرير، تتناثر قصة مثيرة تذكرهن بما حدث لمعتصمي مقري مجلس الوزراء، تروي القصة أن مصرية اسمها الدكتورة درية شفيق قادت مظاهرة نسائية اقتحمت بها مقر مجلس النواب المصري (البرلمان) حتى ينظر المجلس بجدية في مطالب المرأة المصرية.‏ وبعد 3 سنوات بعد قيام ثورة 23 يوليو (تموز) عام 1952، طلبت من الحكومة تحويل اتحاد بنت النيل إلى أول حزب نسائي سياسي في مصر. كما كان لها الفضل في حصول المرأة المصرية على حق الترشح لعضوية البرلمان في دستور مصر عام 1956.