غياب التوافق يطيح بأول محاولة لتخطي الأزمة السياسية في العراق

تأجيل اجتماع رؤساء الكتل السياسية.. والصدر يعزو الأزمة إلى «صراع الجبابرة»

TT

نحت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مصطلحا جديدا يضاف إلى سلسلة المصطلحات التي عرفت بها العملية السياسية في العراق، عبر توافقاتها الهشة منذ ثماني سنوات، عندما أطلق عبارة «صراع الجبابرة» على ما يجري اليوم بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.

الاجتماع العاجل الذي كان دعا إليه رئيس البرلمان أسامة النجيفي لرؤساء الكتل البرلمانية، أمس، تم تأجيله إلى إشعار آخر. وتباينت الأسباب التي تقف وراء تأجيل الاجتماع بين عدم مقدرة رؤساء الكتل البرلمانية على حضور الاجتماع، مع أنهم جميعا داخل المنطقة الخضراء المحصنة وغياب التوافق بين زعاماتهم مما جعلهم ينصاعون في النهاية إلى أوامر زعماء القوى والأحزاب والكتل الممثلة برلمانيا، وليس إلى رغبات رئيس البرلمان الذي لم يعلق عضويته كباقي قادة ونواب القائمة العراقية في البرلمان.

وتضاربت الأنباء بشان تأجيل الاجتماع، حتى بين الدائرة المقربة من النجيفي، فمستشاره الإعلامي أرجع أسباب التأجيل إلى الوضع الأمني الذي تشهده بغداد، والذي حال دون قدرة رؤساء الكتل على الحضور, بينما كان مقرر البرلمان، محمد الخالدي، وهو أحد النواب عن القائمة العراقية، اعتبر في تصريح صحافي أن «غياب التوافق» كان هو السبب في تأجيل الاجتماع.

إلى ذلك، قال مصدر رسمي طلب عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته لـ«الشرق الأوسط» إن «الكتل المنضوية في التحالف الوطني لا سيما دولة القانون وكتلة الأحرار الصدرية كانت من أبرز المتحفظين على دعوة النجيفي، حيث اعتبرتها محاولة منه (النجيفي) للالتفاف على الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي»، مشيرا إلى أن «الاجتماع المذكور وعلى الرغم مما يحمله من نوايا طيبة لتدارك الوضع الأمني، بعد تفجيرات الخميس، فإن اختلاف الرؤى في معالجة الأزمة التي باتت متداخلة بين قضية الهاشمي والتفجيرات الدامية يمكن أن يضيف أعباء جديدة على قادة البلاد الذين يفكرون الآن بعقد مؤتمر وطني عام وفي أسرع وقت، بهدف اتخاذ قرارات جريئة وصعبة لتفادي أي انهيار أمني أو سياسي، بينما لم يكن بوسع اجتماع رؤساء الكتل اتخاذ قرارات ملزمة لأحد». وكان نائب رئيس كتلة التحالف الكردستاني، محسن السعدون، قد أبلغ «الشرق الأوسط» أن «الدعوة لعقد اجتماع رؤساء الكتل البرلمانية لن يحل الأزمة المتفاقمة في البلاد، وبالتالي لن تكون له تأثيرات حاسمة، لأن المطلوب لقاء على مستوى القادة لا رؤساء الكتل في البرلمان».

إلى ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر برلماني أن التحالف الوطني «اشترط أن تعلق قائمة العراقية مقاطعتها للبرلمان والحكومة حتى يشارك في الاجتماع».

وذكر أن «عدم حضور أعضاء التحالف الوطني يبطل الحاجة لعقد الاجتماع، لأن المشكلة الأساسية هي بين هذا التحالف وقائمة العراقية (82 نائبا من بين 325)» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي. وتابع: «نحن متأكدون من أن التحالف الوطني لن يحضر.. لذا فإنه لن يكون هناك أي اجتماع».

وكانت رئاسة البرلمان أعلنت، أول من أمس، في بيان أنها قررت عقد اجتماع طارئ لقادة الكتل النيابية في مبنى مجلس النواب أمس، بهدف «تدارك الوضع الأمني والسياسي، والتنسيق مع السلطة التنفيذية لمعالجة التطورات الحاصلة». وجاء ذلك عقب مقتل نحو 70 شخصا على الأقل، وإصابة العشرات بجروح في سلسلة هجمات بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة هزت العاصمة بغداد، أول من أمس، إضافة إلى هجمات في مناطق أخرى.

وقد حذر طارق الهاشمي في بيان أمس من أن «استهداف مناطق محددة مؤشر خطر يكشف عن مخطط إرهابي يدفع باتجاه فتنة طائفية»، في إشارة إلى أن معظم الهجمات وقعت في مناطق شيعية. وفي تصريحات لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية اتهم الهاشمي الموجود في إقليم كردستان، الذي تطالب الحكومة المركزية بتسليمه للقضاء، المالكي بأنه يتصرف على غرار صدام حسين. وقد تظاهر المئات من سكان مدينتي الرمادي (100 كلم غرب بغداد) وسامراء (110 كلم شمال بغداد)، اللتين تسكنهما غالبية سنية، عقب صلاة الجمعة أمس دعما للهاشمي، أحد أبرز السياسيين السنة في العراق.

ورفع المتظاهرون لافتات تستنكر مذكرة الاعتقال بحق الهاشمي، واصفين إياه بالشخصية الوطنية.

من جانبه، حمل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ما سماه «صراع الجبابرة» مسؤولية ما يجري في البلاد هذه الأيام. وقال بيان أصدره مكتب الصدر وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه عن الصدر قوله: «يعتريني الألم والحزن والأسى على ما جرى في عاصمتنا الحبيبة بغداد اليوم من تفجيرات إرهابية أميركية تحت غطاء دولي رسمي وفي صمت عالمي». وأضاف البيان: «إلا أن صراع الجبابرة، أعني السياسيين، أدى إلى تدهور الوضع الأمني الصوري الهش الذي صادف مع كل ما يحدث في الشرق الأوسط من تدهور أمني وزعزعة للأمان صراعا من الداخل والخارج، والمتضرر الوحيد هو الشعب العراقي الحبيب». ووصف الصدر الشعب العراقي بـ«المنهك من جراء الإهمال، إهمال الساسة والقادة والحكام، إهمال من الداخل والخارج يؤدي إلى سقوط العشرات من الشهداء والجرحى مخلفين الثكالى والأيتام، ليزداد التخلف والفقر في أرضنا الغنية المعطاء وأرض العلم والمعرفة».