غائبون عن العزاء يثيرون تساؤلات حول الحكم في كوريا الشمالية

جونغ إيل أنجب عدة أبناء من 3 زوجات.. وابنه الأصغر لا يزال الأوفر حظا بالخلافة

صورة عائلية تعود لعام 1981 يظهر فيها كيم جونغ إيل جالسا مع ابنه الأكبر كيم جونغ نام (يمين) وفي الخلف قريبته سونغ هي رانغ (يسار) وابنتها لي نام أوك وابنها لي إيل نام (أ.ف.ب)
TT

لاحظ باحثون يفحصون الصور الرسمية وقوائم المعزين في رحيل كيم جونغ إيل، الغياب الواضح لشخصين هما أخوا كيم جونغ أون، وريث مقعد الحكم، الأكبر سنا منه. كما كان هناك صخب حول ظهور كيم أوك، إحدى المقربات من كيم جونغ إيل، والتي أصبحت سيدة أولى منذ وفاة والدة كيم جونغ أون عام 2004. وظهرت كيم يوم الأربعاء في تغطية صحافة كوريا الشمالية للمعزين في ضريح كومسوسان في العاصمة بيونغ يانغ، حيث يحفظ جثمان كيم جونغ إيل داخل تابوت من الزجاج منذ الإعلان رسميا عن وفاته يوم الاثنين.

ويعد تحديد المعزين والغائبين عن الجنازة في أكثر المجتمعات انغلاقا على مستوى العالم من الطرق القليلة المتاحة أمام الغرباء عن هذا المجتمع لحل لغز الزعيم القادم للبلاد. فهم يبحثون عن أي إشارة توضح ما إذا كان كيم جونغ أون، الابن الثاني لكيم جونغ إيل من زوجته الثالثة، سيخلف والده ويحكم سيطرته على الدولة التي يحكمها نظام استبدادي واحد أرساه والده وجده. وكانت هناك أسئلة أخرى خاصة بكيم جونغ إيل عندما عين زعيما لكوريا الشمالية عام 1994، لكن اللغز أعمق هذه المرة لحداثة سن كيم جونغ أون وعدم خبرته والعلاقات المتشابكة المعقدة بين أفراد عائلة كيم. وقد توضح كيفية ترتيب الجنازة الرسمية المزمع إقامتها في 28 من الشهر الحالي من الذي يبزغ نجمه ومن الذي سيأفل نجمه خاصة من بين أقرباء كيم جونغ أون.

ويعد عمل الاستخبارات لعبة تخمين للتمييز بين الحقيقة والخيال فيما يتعلق بأبناء كيم جونغ إيل الذين أنجبهم من ثلاث زوجات. ويعتقد أن لكيم جونغ أون شقيقا وشقيقة وأخا غير شقيق وأختا غير شقيقة على الأقل. لكن العائلة غير مترابطة، فقد أبعد كيم جونغ إيل زوجته الأولى التي أنجبت له أكبر أبنائه وهو كيم جونغ نام إلى موسكو حتى وفاتها بعد سنوات من المعاناة من الاكتئاب والسكري. وترك كيم جونغ إيل بعد ذلك زوجته الثانية التي أنجبت له ابنة ولم تنجب له أي ذكور، ليعيش مع كو يونغ هي، نجمة أوبرا بيونغ يانغ، والتي أنجبت له كيم جونغ أون. وقبل وفاتها، أذاعت وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية أنباء غير مؤكدة عن تورطها في مؤامرة لاغتيال كيم جونغ نام خلال رحلته إلى أوروبا للتخلص من خصم ابنها الوحيد. وكان كيم جونغ كول (30 عاما)، أول أبناء كيم جونغ إيل من كو، لكن أباه كان يراه أضعف من أن يقود نظام كوريا الشمالية العسكري، على حد قول طلبة من كوريا الشمالية في سيول.

وحسب مذكرات طاهي سوشي ياباني نشرت عام 2003 يروي بها تجربته في العمل مع عائلة كيم، كان كيم جونغ أون، الابن المفضل لكيم جونغ إيل وأكثر أبنائه شبها بجده كيم إيل سونغ، المؤسس لكوريا الشمالية والأب الروحي لأبناء كوريا الشمالية. كان كيم جونغ أون، يحب منذ نعومة أظافره ارتداء الزي العسكري والتركيز على عدائه لليابان، التي كانت تحتل كوريا الشمالية في الماضي كما ذكر الطاهي.

والمنافس الأكبر لكيم جونغ أون هو أخوه غير الشقيق كيم جونغ نام (40 عاما)، الذي يقيم حاليا في المنفى، في منطقة ماكاو الصينية. وبدا في مقابلات متفرقة مع وسائل الإعلام غير مهتم أو منتقدا لتوريث الحكم في بيونغ يانغ. ومنذ وفاة كيم جونغ إيل، لم يظهر كيم جونغ نام، إعلاميا سوى مرات قليلة. ولم يكن اسمه مدرجا على قائمة كبار المعزين ولا يطارده المصورون الذين يطاردون المشاهير. ويرى مسؤولون في الاستخبارات وجود احتمال استدعاء كيم جونغ نام في حال لم يرق كيم جونغ أون إلى توقعات الجنرالات الصارمين في بيونغ يانغ في إطار مؤامرة قد لا تخلو من أعمال العنف.

وقال تشوي جين ووك من المعهد الكوري للوحدة القومية في سيول: «لو كنت كيم جونغ نام، فلن أحضر جنازة الوالد. فبالنسبة لكيم جونغ أون، هو خصم سياسي أكثر من كونه أخا غير شقيق. إن هذا وقت خطير بالنسبة للأبناء. يجب أن يختبئوا، ففي مثل هذا الوقت الحرج يوجد الكثيرون الذين يتوقون إلى إثبات ولائهم للملك الجديد من خلال التخلص من أي شخص يبدو كمصدر تهديد». وحتى إذا سافر الأبناء لحضور جنازة أبيهم، فربما يبعدهم المسؤولون في كوريا الشمالية عن الأنظار حتى لا يسرقوا الأضواء من كيم جونغ أون، على حد قول محللين. وإذا استتب لكيم جونغ أون الأمر، ربما يسمح لهم بحياة كريمة والحصول على ألقاب شرفية في الوطن أو يتم تعيينهم سفراء. وبحسب بايك سوينغ جو من المعهد الكوري لتحليلات الدافع في سيول، من المؤشرات المهمة التي ستظهر خلال الأشهر المقبلة حصول كيم جونغ أون على الألقاب الخمسة الأهم التي كانت لأبيه، وهي الأمين العام لحزب العمال الحاكم ورئيس اللجنة العسكرية المركزية وعضو المكتب السياسي ورئيس لجنة الدفاع القومي والقائد الأعلى للجيش الشعبي. ورتبة الابن حاليا هي: لواء ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية. وذكرت صحيفة الحزب الحاكم «رودونغ سينمون»، الخميس، أن «الخليفة العظيم» لكيم جونغ إيل سيحقق أمنية والده بالاستمرار في اتباع السياسة العسكرية مما يعطي الجيش الأولوية عند توزيع موارد الدولة.

ومن الأطراف الفاعلة الأخرى في لعبة السلطة عمة كيم جونغ أون، كيم كيونغ هي، وزوجها جانغ سونغ تايك، ويبلغ كلاهما 65 عاما. وقال بايك: «مع رحيل والده المبكر سيضطر كيم جونغ للاعتماد على عمته وزوجها أكثر من أي وقت مضى». ولعبت العمة، وهي عضو المكتب السياسي ووزيرة الصناعات الخفيفة، وزوجها نائب رئيس لجنة الدفاع القومي، دورا محوريا في ترسيخ موقف كيم جونغ أون الرسمي منذ أن عانى كيم جونغ إيل من جلطة عام 2008. وتعد العمة الآن من الأقارب التي يمكن أن يثق بها كيم جونغ أون، فقد كانت مخلصة وساندت أخاها في السبعينات في مخططه ضد إخوتها غير الأشقاء وعم ذي نفوذ قوي. ذلك العم هو جانغ، والذي يراه المحللون وسيطا يتمتع بالدهاء في عالم السلطة، حيث تمكن من جذب جنرالات ومسؤولين في الحزب إلى جانبه. وتخلص كيم جونغ إيل منه مرتين قبل إعادته بعد رجاء أخته العزيزة، على حد قول تشوي.

ويتساءل مراقبون في كوريا الشمالية ما إذا كان جانغ سيتقاعد عندما يرى ابن كيم جونغ أون يتسلم السلطة أم أنه سيعمل على تحقيق طموحاته. ويقول يانغ مو جينغ، الأستاذ في جامعة كوريا الشمالية للدراسات في سيول: «كيف يمكن لمحاور داهية يوفق بين الفصائل المتناحرة مثل كيم جونغ أون أن يعتمد على مجلس مستشارين قبل أن يوطد أركان حكمه».

وقال سونك وانغ جو، الباحث في شؤون عائلة كيم في معهد جيونجي البحثي، إنه يمكن توقع مصير أشقاء كيم جونغ أون وجانغ من طريقة تعامل كيم جونغ إيل مع إخوته غير الأشقاء وعمه. وبعد أن دعم كيم جونغ إيل مركزه في الترتيب في السبعينات، أرسل أخاه غير الشقيق بيوغ إيل للمنفى الدائم من خلال تعيينه سفيرا في الكثير من الدول الأوروبية. وتم طرد كيم يونغ جو العم الذي كان يتمتع بنفوذ قوي من العاصمة قبل أن يحصل على وظيفة شرفية في بيونغ يانغ. وقال سون: «سيتعين على كيم جونغ نام قضاء الجزء الباقي من حياته في الخارج. هناك حاجة ماسة لجانغ سونغ تايك، لكنه سيصبح أول من يتم التخلص من خلال تعيينه في منصب شرفي بمجرد أن يستتب الأمر لكيم جونغ أون. إنه يعلم إن هذه هي قواعد لعبة السلطة والحكم في بيونغ يانغ. لكن إذا أردت أن تعرف رد فعل جانغ على هذا، سيكون عليك قراءة رواية».

* خدمة «نيويورك تايمز»