صراع الفيدرالية يفاقم التصدعات الطائفية في العراق

أميركي نقلا عن المالكي: دعاة الأقاليم ينتهكون القانون ويجب التعامل معهم بالقانون

TT

هرب المحافظ من هذه المدينة المضطربة، بينما تمركز نصف أعضاء مجلس المحافظة في شمال العراق ويملأهم الخوف من العودة إلى مكاتبهم. المتظاهرون المسالمون يملأون الشوارع المتربة، رغم أنه منذ عدة أيام قطعت الجموع الغاضبة الطرق السريعة بإطارات السيارات المشتعلة وقطع الزجاج المتناثر. كل هذا بسبب تجرؤ المجلس المحلي في ديالى مؤخرا على طرح سؤال بسيط، لكنه مثير للغضب، وهو من الأسئلة التي وراء الاضطرابات الناتجة عن الديمقراطية غير المستقرة في العراق. كان السؤال هو: هل سيظل العراق بعد انسحاب القوات الأميركية كيانا واحدا أم أنه سينقسم على نفسه؟

الجدير بالذكر أنه تفجرت أزمة سياسية شديدة الوطأة في بغداد الأسبوع الحالي بعد إصدار مذكرة اعتقال بحق طارق الهاشمي، نائب الرئيس وهو من العرب السنة. ووجه إليه اتهام بقيادة جماعة مسلحة، لكن سنوات من الغضب المكبوت المتراكم والحرمان من التصويت تدفع بعض المناطق التي يسكنها عرب سنة نحو السعي للسيطرة على أمنهم ومواردهم بمنأى عن القادة الشيعة. وحشد الكثير من القادة السنة الدعم للقضية، بينما يقاوم القادة الشيعة في بغداد هذه الجهود، مما يزيد الانقسامات الطائفية بين أفراد النخبة السياسية في البلاد.

وقال نائب رئيس الوزراء، صالح المطلك، وهو من الشخصيات السنية البارزة: «إنهم يشعرون بأن ليس لديهم مستقبل تحت قيادة الحكومة المركزية». ويأتي هذا التطور في لحظة مفعمة بالتوترات، وقد تنبئ بانفصام وشيك في العلاقات بين المواطنين والقادة الذين يحتمون بالجدران الخراسانية والأسلاك الشائكة داخل المنطقة الخضراء. لقد قسمت تلك الجدران والأسلاك الشائكة الأحياء على أساس الدين، في وقت يسود فيه الشعور بعدم اليقين السياسي بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق.

وقال ريدار فيسر، الخبير في الشؤون السياسية العراقية «لقد وصل الغضب في المناطق السنية من العملية السياسية برمتها إلى ذروته. لقد طفح بهم الكيل وخاب أملهم».

وأول من أمس نظم آلاف المحتجين مسيرة في المدن السنية الكبرى لإدانة مذكرة الاعتقال الصادرة بحق الهاشمي. وفي سامراء، حيث أشعل تفجير ضريح شيعي عام 2006 موجة من أعمال العنف، ملأ 2000 متظاهر الشوارع بعد صلاة الجمعة ملوحين بلافتات مكتوب عليها «أهل سامراء يدينون التهم الملفقة بحق الهاشمي». ويعد الانقسام جزءا من سلسلة معارك بين رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي وسياسيين من المعارضة السياسية والأقلية المسلمة السنية في العراق.

وألقت قوات الأمن، التي تتلقى الأوامر من المالكي شخصيا أحيانا، القبض على عدد كبير من الأشخاص الذين تربطهم صلة بسياسيين معارضين خلال الأسابيع الماضية. واتهمت الحكومة الهاشمي، نائب الرئيس الذي ينتمي للسنة، بقيادة جماعة مسلحة من مكتبه في بغداد وهو ما نفاه الهاشمي. وحث المالكي النواب في البرلمان العراقي على عزل نائبه، صالح المطلك، الذي كثيرا ما يهاجم وينتقد رئيس الوزراء.

وقاطع عدد كبير من القوى السياسية من السنة والعلمانيين، البرلمان ورفضوا حضور الجلسات، وهدد الوزراء ونواب البرلمان المنتمون إلى تلك القوى بتقديم استقالة جماعية. وتضم الحكومة الائتلافية التي دعمتها أميركا ثلاث فصائل هي الأغلبية الشيعية والسنة والأكراد. ويبدو أنها على وشك الانهيار. ويلقي هذا الخلاف بظلاله على أحياء السنة حول العاصمة التي كانت متمسكة بهويتها بصرامة نتيجة تكريس صدام حسين لذلك.

ودفعت كل من محافظة الأنبار وديالى وصلاح الدين خلال الأشهر القليلة الماضية باتجاه التصويت على اختيار المجالس المحلية التي تمثلهم. وكان رد فعل المالكي عنيفا، حيث زعم مؤيدوه أن هذه الخطوة تهدد استقرار الحكومة المركزية. وأشاروا إلى أن المناطق التي تحكمها قوات أمن محلية سوف تكون ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة وحزب البعث والجماعات المسلحة السنية، في لحظة حرجة تعقب انسحاب القوات الأميركية من العراق. وخلال رحلته إلى واشنطن الشهر الماضي، سُئل المالكي عن التحرك باتجاه المزيد من اللامركزية وكان رده سخيفا، بحسب وصف أحد الأميركيين الذي قابل المالكي خلال زيارته. ونقل الأميركي عنه قوله «كل ما يقوم به هؤلاء الناس غير قانوني. الطريقة الوحيدة للتعامل معهم هو القانون لا السياسة». وأضاف الأميركي الذي رفض الإفصاح عن هويته خشية قطع الصلة مع القادة العراقيين: «إنه ليس الشخص الذي يهتم بالتوصل إلى تسوية أو حل وسط».

وفي وقت مبكر من صباح أول من أمس، ألقت القوات الخاصة العراقية القبض على أحد النشطاء المدافعين عن انفصال محافظة صلاح الدين لتكون إقليما وتمت مصادرة جهاز الكومبيوتر الخاص به ومجموعة كبيرة من الوثائق على حد قول مسؤولي أمن، رفضوا توضيح سبب اعتقاله. ولا تسعى المجالس المحلية إلى الاستقلال تماما عن باقي العراق، بل إلى انفصال أكبر مشابه لوضع إقليم كردستان، الذي يتمتع بقدر نسبي من الرخاء والأمن في شمال العراق. فقد أصبح للأكراد، الذين عاشوا لعقود كشعب منعزل عن العراق، رئيس وبرلمان خاص بهم وكذلك قوات أمن تابعة لهم، وأبرموا عقود نفط مربحة مع شركات أجنبية من دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.

إنها ليست فكرة جديدة، فالدستور العراقي يمنح المحافظات الحق في تشكيل حكوماتها الإقليمية المحلية. والجدير بالذكر أنه خلال الحرب الأهلية بين عامي 2006 و2007، اقترح نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كان حينها رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات للحد من إراقة الدماء في الصراعات الطائفية.

ولكن، هل سيكون هناك عراق إذا تم تقسيمه إلى كردستان وشيعستان وسنستان؟ إن مجرد إثارة هذا التساؤل تفجر المشاعر.

في 12 ديسمبر (كانون الأول)، صرح أكثر أعضاء مجلس محافظة ديالى بأنهم كانوا يطلبون من الحكومة المركزية في بغداد إجراء استفتاء حول إمكانية جعل المحافظة إقليما. و60 في المائة من سكانها من السنة و20 في المائة منهم من الشيعة و20 في المائة من الأكراد، بينما لا يمثل مجلس المحافظة هذه التركيبة. ويزداد الشعور بانعدام الثقة بالحكومة المركزية في المدينة ذات الأنهار والنخيل التي كانت يوما ما ساحة قتال وملاذ لأفراد تنظيم القاعدة. واعتقل ثلاثة أعضاء سنة من المجلس المحلي خلال العام الماضي، بينما تلقى آخرون تهديدات. مع ذلك، أثار الإعلان المفاجئ عن احتمال انفصال محافظة ديالى لتكون إقليما حفيظة وخوف بعض الشيعة الذين يسكنون المحافظة، حيث ينظر إلى ذلك باعتباره خطوة لوضع الشيعة والأكراد تحت رحمة قوات أمن لا يعرفونها وربما ينذر بتقسيم وتمزق العراق. وفي 15 ديسمبر هاجم نحو ألف متظاهر غاضب، أكثرهم من الشيعة قوات شرطة يهيمن عليها الشيعة وكذلك مقر المجلس المحلي واحتلوا المبنى لساعات، ثم أقاموا حواجز طريق وخياما في الشوارع. وهرب نصف أعضاء المجلس المحلي طلبا للأمان. وقال محتجون إنهم كانوا يتصرفون بعفوية، لكن يعتقد الكثير من السنة أن الحكومة المركزية هي من حركت المحتجين وأثارت غضبهم لإجهاض المقترح

* خدمة: «نيويورك تايمز»