حرب الصحافيين مع المكتب الإعلامي للبيت الأبيض تزداد حدة

كارني يشدد على «مهنيته» لكن سهام الانتقاد تنهال عليه من «زملائه السابقين» في المهنة

جاي كارني (إ.ب.أ)
TT

على مر التاريخ، ظلت علاقة البيت الأبيض بالصحافيين الذين يغطون أحداثه تتأرجح بين السخونة والبرودة، لكن خلال العام الحالي، يقول بعض المراسلين إن الأمور قد أخذت منعطفا باردا.

فعندما يأتي صحافي بخبر خاطئ أو ينظر إليه على أنه شديد العدوانية، عادة ما يكون رد الفعل سريعا وأحيانا عنيفا جدا، بحسب صحافيين. «إنهم يوجهون ضربتهم أولا، ثم يطرحون الأسئلة لاحقا»، هذا ما قالته جولي ماسون، التي قد أعدت تغطية إخبارية لأحداث البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن والرئيس الحالي باراك أوباما لصحف «هيوستون كرونيكل» و«واشنطن إكزامينر» و«بوليتيكو». وفي إحدى رسائل البريد الإلكتروني التي نقل فيها الصحافيون «أخبارا مثيرة للاشمئزاز»، وصف السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جاي كارني، واحدا من أخبار ماسون بأنه «متحيز ومتعمد الإثارة بشكل مبالغ فيه».

وأرسل المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، تومي فيتور، ردا على التعليقات التي أدلت بها ماسون في حوار تلفزيوني، رسالة إليها شملت رسما كارتونيا لمهرج يبكي؛ في إشارة مرئية إلى أنها تثير غضبه. وقالت ماسون، التي أصبحت الشهر الماضي مقدمة لبرنامج حواري عن السياسات في محطة «سيريوس إكس إم راديو»: «يبدو أنهم لا يدركون أو يهتمون بأن (رسائل البريد الإلكتروني المرسلة من البيت الأبيض) ستصبح جزءا من السجلات الرسمية للرئاسية». عادة ما تكون العلاقة بين الصحافيين والبيت الأبيض عدائية، ومن ثم، غالبا ما يميزها تبادل رسائل حادة. دخل الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون ونائبه سبيرو أغنيو، اللذان أحاطت بهما فضيحة، في عداءات مباشرة مع وسائل الإعلام. وأحيانا ما تقدم مايك ماكيري، السكرتير الصحافي للرئيس السابق بيل كلينتون، بشكواه مباشرة إلى رؤساء الصحافيين، مثلما دأب أن يفعل آري فليشر، السكرتير الصحافي للرئيس بوش. وفي إحدى المرات، شكك لاري سبيكس، السكرتير الصحافي للرئيس رونالد ريغان، في وطنية الصحافيين الذين طرحوا أسئلة غير مريحة.

والآن، حان دور كارني. يقول كارل كانون، الذي يعمل صحافيا سياسيا منذ فترة طويلة ورئيس تحرير الموقع الإلكتروني «رييل كلير بوليتكس»، إنه تعرض لانتقادات حادة مؤخرا. فبعد أن نشر موقعه عنوانا ومقطع فيديو يظهر الرئيس أوباما وهو يروج لحدث لجمع التبرعات لحملته الانتخابية داخل البيت الأبيض في يونيو (حزيران)، وهو الإجراء الذي قال أعضاء جمهوريون إنه ربما يشكل انتهاكا لقانون تمويل الحملات الانتخابية، قوبل بنقد لاذع.

فقد استمر مسؤول صحافي في توجيه «انتقادات صارخة مهينة استمرت على مدار مكالمتين أو ثلاث مكالمات هاتفية»، يسترجع كانون. ويضيف: «لقد آذى الكلام أذنيّ».

ويقول كارني إن علاقاته هو وأعضاء فريقه بالصحافيين «مهنية» وتتخذ طابع علاقة العمل، كتلك العلاقات التي ربطت بين أي من سابقيه بالصحافيين. أما عن توجيه الانتقادات للصحافيين، فأشار إلى أنها حقيقة واقعة لا مفر منها. وبوصفه صحافيا تابعا لمجلة «تايم» يغطي أخبار البيت الأبيض، قال في مقابلة أجريت معه إنه غالبا ما كان في موضع تلقي الانتقادات المهينة لعمله من جانب مسؤولين في المكتب الإعلامي لكل من كلينتون وبوش. وقال إن الانتقادات الموجهة من جانب الصحافيين لعمله «محدودة إلى حد ما. أين كنت؟ إنك تكتشف أن الانتقادات محيطة بك من كل جانب».

كثيرا ما أبدى صحافيو البيت الأبيض تذمرهم من علاقاتهم الفاترة بالسكرتير الصحافي الأول للرئيس أوباما، روبرت غيبس. ورأى بعض الصحافيين أنه متحفظ وغير مبال. وكانت لديهم آمال كبيرة في أن كارني، وهو صحافي سابق عمل متحدثا باسم نائب الرئيس بايدن، سيتفهم الضغط اليومي المرتبط بتغطية أخبار البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن كثيرين يثنون على كارني بسبب كونه يتمتع بقدرة أفضل على التواصل مع الصحافيين، فإنهم يقولون إن لهجة المحادثات الخاصة قد باتت أكثر حدة في عهده. ظهرت العلاقات الهشة بين وسائل الإعلام والمتحدثين باسم الإدارة للعامة بشكل وجيز في بداية هذا الخريف عندما قالت مراسلة بمحطة «سي بي إس»، تدعى شاريل أتكيسون، إنه تم توبيخها من قبل ممثلة وزارة العدل، تراسي شمالر، ولاحقا «صرخ في وجهها» و«شتمها» المتحدث باسم البيت الأبيض، إريك شولتز.

اتخذت أتكيسون، التي كانت تعد تقارير إخبارية عن برنامج الحكومة المثير للجدل الخاص بتعقب السلاح، خطوة غير معتادة من خلال قيامها بوصف المواجهتين اللتين تعرضت لهما في برنامج لورا إنغراهام الإذاعي. وتسبب هذا في اشتعال الموقف بدرجة أكبر؛ إذ اعتقد بعض أفراد طاقم الاتصالات بالبيت الأبيض أن أتكيسون كانت تلعب على مستمعي إنغراهام المحافظين. ورفض شولتز التعليق على هذا المقال، وتعذر الوصول إلى شمالر. ورفضت أتكيسون أيضا التعليق. وكانت الحادثة واحدة من بين الكثير من الوقائع الأخرى التي أثيرت الشهر الماضي في مقابلة بين ممثلي جمعية مراسلي البيت الأبيض ومكتب كارني. وقالت رئيسة الجمعية، كارين بوهان، مراسلة وكالة «رويترز»، إن المناقشة نتجت عن سلسلة «مشادات حادة» بين الجانبين. وعلى الرغم من أنها لم تدل بتفاصيل، فإنها قالت إن المناقشة كانت مدفوعة من قبل صحافيين كانوا قد اشتكوا من علاقاتهم مع مسؤولين إعلاميين. ويتمسك كارني برأي أنها النوع الأخير. وقال: «إنه ليس دائما نصا لـ(ميستر روجرز)، لكن لدينا علاقات جيدة وودودة جدا» مع الصحافيين. وأضاف: «من الواضح أننا سنخبر الناس عن وجهة نظرنا بشأن ماهية الأمور».

واتفق الكثير من المراسلين الذين أجريت مقابلات معهم بشأن موضوع المقال مع تقييم كارني. «فكرتي الأساسية هي أن هذه مهنة متاعب وإثارة خلافات، خاصة داخل (البيت الأبيض)، وثمة كثير من التراشق بالألفاظ في المحادثات الخاصة»، هذا ما قاله جاك تابر، كبير مراسلي البيت الأبيض لشبكة «إيه بي سي نيوز». وأضاف: «لكنني لم أشعر قط بأنهم قد تجاوزوا الحدود. لدي قدرة كبيرة على تحمل النقد، وهم بالمثل».

وقال غلين ثراش، صحافي البيت الأبيض رفيع الشأن التابع لصحيفة «بوليتيكو»، إن مواجهاته كانت أكثر اعتدالا مما واجهه كصحافي يغطي الأحداث السياسية في مدينة نيويورك لصحيفة «نيوز داي». وقال: «انحداري من بيئة صحافة إثارة في نيويورك وتحدث ممثلين لهيئات ولشخصيات بارزة إلي بأسلوب رفيع لا يجعلني أختبئ أسفل مكتبي»، وأضاف: «لا يخيفني أن يوجه بعض الأشخاص انتقادات لي من حين لآخر. الأمر المتوقع عند تغطية أخبار البيت الأبيض أنها ستكون دائمة متعلقة باستخدام أواني الصيني جيدة الصنع. وأحيانا ما يكون الأمر متعلقا باستخدام الصفائح الورقية».

غير أن آخرين قد تثنيهم لهجة المحادثات عندما يكون هناك شيء يغضب فريق الاتصالات. ووصف ستة صحافيين تم الاتصال بهم للإدلاء بمعلومات لهذا المقال رسائل بريد إلكتروني أو مكالمات هاتفية محملة بانتقادات لاذعة من كارني أو من أفراد فريق عمله بأنها عدوانية بصورة مبالغ فيها. ورفض الصحافيون تسجيل أقوالهم انطلاقا من خوفهم من أن القيام بذلك سيضر بدرجة أكبر بعلاقاتهم بالبيت الأبيض. وعلى الرغم من الأسلوب الحاد، فإن أيا من أعضاء فريق كارني، لم يمنع أحدا من الوصول إليهم أو يستثنوا أي صحافي من الحوارات. ويسترجع جورج كوندون، الذي قد غطى أحداث البيت الأبيض منذ عهد إدارة كارتر، أن سبيكس اعتاد تعنيف الصحافيين أثناء الاجتماعات. غير أن كوندون، الذي يكتب لصحيفة «ناشيونال جورنال»، يقول أيضا إن بعض أشكال التواصل التي قد شهدها تجعل البيت الأبيض في الوقت الحالي «مختلفا بدرجة ما عما كان عليه في الفترات السابقة». وبعد أن كتب أحد زملائه عمودا انتقد فيه أوباما هذا العام، قوبل برسالة بريد إلكتروني هجومية من مسؤولين إعلاميين، على الرغم من أن الرئيس ومعظم فريق اتصالاته كانوا في لندن في ذلك الوقت، بحسب كوندون. وقال كوندون إن بعض الرسائل الخطية «حملت عبارات شديدة اللهجة». وأضاف: «أعتقد أنه سيكون من الأفضل لهم أن يعدوا حتى رقم 10 قبل الضغط على زر الإرسال».

وقالت مارثا جوينت كومار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة توسون الذي يدرس العلاقة بين البيت الأبيض ووسائل الإعلام، إنها قد لاحظت «حدة زائدة» في رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين الصحافيين وموظفي الاتصالات بالبيت الأبيض منذ فترة إدارة بوش. وتقول كومار التي تسلمت نسخا من رسائل البريد الإلكتروني المرسلة من الصحافيين، إنها قد صعقت من اللغة، التي أصبحت «أكثر حدة وعدوانية» بمرور الوقت. لكنها أشارت إلى أن تدني الأسلوب ليس بالضرورة إشارة أن العلاقات تزداد تدهورا. فربما يرجع ذلك إلى أن الناس باتوا يشعرون بقدر أكبر من الراحة في التواصل عبر البريد الإلكتروني واستخدام الألفاظ الدارجة، على حد قولها. في فترة سابقة، ربما تكون المحادثات نفسها قد جرت عبر الهاتف أو بشكل مباشر، دون أن يتم تسجيلها. في الوقت نفسه، قالت إن وسائل الإعلام الإخبارية تشهد تغيرات، من خلال زيادة ضغوط المواعيد النهائية والطلب المستمر على المعلومات. في البيت الأبيض، «أنت تتعامل مع أفراد يعملون لساعات طويلة جدا. أعتقد أن الكل تحت ضغط هائل، وقد يؤدي هذا إلى احتدام الانفعالات وسوء الفهم. إنك تتمسك بالأشياء التي تصبح حقائق لا مجال للهروب منها لاحقا. كانون والصحافيون الآخرون مقتنعون بأن اللغة الحادة ورد الفعل المباشر جزء من استراتيجية. من الواضح بالنسبة لي أن فريق عمل أوباما ينظر إلى الصحافة بشكل مختلف عن أي شخص كان هناك من قبل. غالبية الصحافيين يحاولون أن يأتوا بالخبر الصحيح. لكنهم يقسمون العالم إلى معسكرين؛ إما أن يحابوك أو يهاجموك، اعتمادا على ما إذا كانوا ينظرون إليك كصديق أم كخصم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»