المجمع العلمي المصري.. خزانة وثائق مصر

حرّمه بعض علماء الدين ورقص البلطجية على أنقاضه المحترقة

TT

سوف يؤرخ في المستقبل بحريق «المجمع العلمي» تماما كما نتحدث اليوم عن فجيعة حريق مكتبة الإسكندرية. الحدث جلل.. مصر فقدت وثائقها الوطنية الأكثر سرية بفعل عبث مريب أثار شكوكا كبيرة. من له مصلحة في حرق صرح يحوي معاهدات وخرائط واتفاقات وطنية؟ من دمر خزانة لكتب علماء زاروا مصر طوال 200 عام، ومكانا لعمل الجبرتي والشيخ العطار؟ وما هي الوثائق المهمة التي ضاعت وإلى الأبد؟

في مشهد لا يتكرر في التاريخ الإنساني كثيرا، ولا يحدث إلا في عصور أظلمت تماما حتى حطم السائرون مصابيح النور، وقف العلماء والباحثون عن المعرفة في العالم كله على أطراف أصابعهم وهم يشاهدون على شاشات الفضائيات صبيان وسط القاهرة ومقاهيها يرقصون رقصا هستيريا بجوار نوافذ أقدم هيئة علمية في العالم العربي، بل في الشرق الأوسط كله. إنه مشهد حريق «المجمع العلمي المصري»، الذي حق لنا الآن أن نضع بين هلالين تاريخ ميلاده وكذلك - وهو المؤلم والقاتل - تاريخ وفاته (1798 - 2011).

في لحظة واحدة من ليل السبت 17 ديسمبر (كانون الأول) 2011، تمنى مثقفون وعلماء مصريون وعرب، أن لم يكن الله قد مد في أعمارهم حتى هذا اليوم الأسود في تاريخ مصر والبشرية كلها.

نحو 200 ألف مجلد نادر أتت النيران عليها تقريبا، بالإضافة إلى مجموعة غير قليلة من الخرائط والأطالس والوثائق والأبحاث والاختراعات الدقيقة والرسوم الإنشائية لمعظم المشروعات القومية المصرية في العصر الحديث؛ من القناطر الخيرية إلى خزان أسوان إلى السد العالي، مع رسوم دقيقة لوديان البحر الأحمر مرتبطة بأبحاث علمية قام بها باحثون من مصر وخارجها.. كل ذلك تقريبا التهمته نيران الصبي الراقص منتشيا خارج النافذة تشاهده عيون باكية في أركان المعمورة. هكذا لوثت ثوب الثورة المصرية العظيمة بقعة سوداء. هل يمكن أن تفلح جهود المرممين والأثريين الذين يمسكون الآن ببقايا هذا الحريق في غسلها وإزالتها؟! في غرف دار الكتب والوثائق المصرية تتناثر الآن حمولة نحو عشر عربات من الأوراق المحترقة والكتب الممزقة، وكأنها من مصابي حرب شرسة، بين أيدي المرممين. يقول وزير الثقافة المصري الدكتور شاكر عبد الحميد، إن «الصالح منها لا يتجاوز العشرين ألف مجلد»، منها حسب تصريحات الدكتور زين عبد الهادي رئيس الإدارة المركزية بدار الكتب المصرية عشرة مجلدات إصاباتها خفيفة من مجلدات الكتاب الموسوعي «وصف مصر» الذي ألفه علماء الحملة الفرنسية، فيما انتقل باقي الكنز العلمي والمعرفي للمجمع العلمي المصري إلى مقبرة النسيان.