مسيحيو العراق يحيون أعياد الميلاد وسط إجراءات أمنية مشددة ودعوات إلى السلام

عائلات مسيحية لـ«الشرق الأوسط»: فضلنا الاحتفال في بيوتنا تضامنا مع أحزان العراقيين

مصلون يخضعون للتفتيش من قبل عناصر الشرطة العراقية قبل دخول كنيسة لحضور قداس أعياد الميلاد في بغداد صباح أمس (رويترز)
TT

للعام الثاني تطغى مشاهد التفجيرات والأحداث الدامية على أية مظاهر لاحتفالات العراقيين بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية خصوصا الطائفة المسيحية التي اقتصرت احتفالاتها في بغداد أمس على قداس أقامته في الكنيسة بحضور متواضع ووسط إجراءات أمنية مشددة في الشوارع الرئيسية والطرقات لحماية الكنائس ودور العبادة من أي اعتداء جديد، الأمر الذي أعاد للأذهان أحداث فاجعة كنيسة سيدة النجاة العام الماضي والتي راح ضحيتها أكثر من 35 مسيحيا وكاهنا على يد عناصر تنظيم القاعدة، وما تلاها من تهديدات أمنية سببت هجرة الكثير من العائلات المسيحية إلى إقليم كردستان أو الخارج.

وفي عيد هذا العام اقتصرت احتفالات المسيحيين في البيوت وتبادل الزيارات بين الأقارب أو تقديم التهاني من خلال الهاتف الجوال وعبر شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، فيما امتنع الكثيرون عن الاحتفال أو التعبير عن أية مظاهر للزينة تضامنا مع أحزان إخوانهم المسلمين بعد تعرض بغداد الخميس الماضي لموجة تفجيرات طالت الكثير من مناطقها وخلفت وراءها الكثير من القتلى والمصابين.

أصحاب المحال التجارية والأسواق وسط العاصمة بغداد لم يعرضوا بضاعة احتفالات الميلاد الملونة مثل الأعوام السابقة، ونشرات الزينة اقتصرت على بعض المحال فقط ممن حاولوا الترويج لبضاعتهم خلال هذه الأيام مثل دمى بابا نويل وأشجار الكريسماس المزينة كجزء من طقوس الأيام الأخيرة من هذا العام.

وشددت قوات الأمن من إجراءاتها الأمنية في الشوارع والطرقات، وفي نقاط التفتيش، فضلا عن وجود حراسات مشددة على الكنائس في مناطق الغدير والسعدون وبغداد الجديدة والكرادة والبنوك، وعدد من أحياء جانب الكرخ التي يقطنها المسيحيون.

دانيال متى شاب مسيحي يسكن السيدية جنوب غربي بغداد قال لـ«الشرق الأوسط»: «أصابنا الألم لما حصل لبغداد من تفجيرات الخميس الماضي ولم يعد بالإمكان الفرح وإخواننا المسلمون في مصيبة». أما الشابة روزا يعقوب (22 عاما) التي تسكن منطقة البلديات فقالت: «زميلاتي قدموا لي التهاني على الرغم من آلامهم ولكني آثرت البقاء في البيت بسبب خشية الأهل من حصول تفجيرات مماثلة». وتصف روزا الأحوال الأمنية في بغداد بأنها تسير نحو المجهول «فكلما قالوا إن الأمن قد تحقق تحصل انتكاسة تضيع كل أقوالهم». فيما قالت صديقتها لوليتا: «سنبقى هذا العام في البيت وندعو لأن يعم السلام هذه البلاد».

وفي كنيسة «سيدتنا للقلب الأقدس» في شرق بغداد، تجمع مئات المصلين للمشاركة في قداس صباحي استمر لنحو ساعة ونصف الساعة، وهو واحد من ثلاثة تجمعات دينية تنظمها الكنيسة لمناسبة أعياد الميلاد.

وخارج الكنيسة، كانت ست سيارات للشرطة وآلية للجيش تؤمن الحماية للمصلين، إلى جانب الكثير من أفراد الشرطة الذين ظلوا يجوبون الشارع المقابل لمكان التجمع طول فترة القداس، بينما انتشر عناصر آخرون من الشرطة على سطح الكنيسة، حسبما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية. وقال أسقف الكلدان في بغداد شليمون وردونيان «المؤمنون المسيحيون لديهم مخاوف ككل العراقيين». وأوضح «هم يشعرون بأن السلام مفقود، وكذلك الأمن، لذا فإنهم يتوجهون إلى حيث يستطيعون العيش بسلام». وتابع «لا نوافق على ذلك، ولا نريدهم أن يغادروا، لكنهم يقولون لنا: إذا قررنا عدم الذهاب، فهل تضمنون لنا سلامتنا وعملنا ومستقبلنا؟».

وفي كركوك (240 كلم شمال بغداد)، حيث يوجد عدد كبير من المسيحيين، ألغيت أيضا القداديس التي كان من المفترض أن تنعقد عند منتصف الليل. وقال رئيس أساقفة كركوك والسليمانية (شمال) للمسيحيين الكلدان المطران لويس ساكو «نحن قلقون من الوضع الأمني».

وفي الموصل اتخذت القوات العراقية إجراءات أمنية مشددة وسط المناطق التي يقطنها المسيحيون في مدينة الموصل، فضلا عن دور العبادة والكنائس. وقال اللواء الركن باسم الطائي قائد عمليات نينوى لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن «قيادة عمليات المحافظة قامت بنشر قوات أمنية إضافية مكونة من الجيش والشرطة في المناطق التي يقطنها المسيحيون من أجل ممارسة طقوس أعيادهم في ظل ظروف أمنية تزيل القلق والخوف من قلوبهم وهم يصلون صلاة الأعياد». وبين الطائي أن «قوات أمنية برفقة أجهزة الاستخبارات والتدخل السريع وصلت منذ ليلة أمس إلى جميع الكنائس خشية وقوع انفجارات تطال بيوت العبادة ومن أجل انتهاء صلواتهم ابتهاجا بأعياد الميلاد».

وقال أثيل النجيفي محافظ نينوى «لقد اتخذنا إجراءات أمنية مشددة بعد تلقينا معلومات عن شن هجمات مكثفة على الكنائس ودور العبادة وأحياء المسيحيين وأن هناك سعيا لجماعات مرتبطة تريد الفوضى وقتل المسيحيين وهناك أجندات سياسية تريد إحداث الفوضى بالتزامن مع المخاوف القائمة من انهيار العملية السياسية».